تحديات النقل العام وأثرها على مشاركة المرأة في الاقتصاد تستدعي حلولا

الرابط المختصر

تواجه العشرينية سلمى، التي تعيش في محافظة إربد، تحديا كبيرا بعد تخرجها من الجامعة، عندما اكتشفت أن فرص العمل المتاحة تتركز في العاصمة عمان، مما جعلها تواجه صعوبة في اتخاذ قرار بين العيش في إربد والعمل في عمان، حيث يتطلب ذلك العيش بالقرب من مكان العمل، وهو الأمر الذي تعتبره غير مجدي ماليا بالنسبة لها، نظرا للتكاليف الباهظة للسكن وصعوبة الحفاظ على مستوى معيشي مناسب.

كانت سلمى مصممة على تحقيق نجاحها المهني وتطوير مهاراتها، لكن عدم توفر خدمات النقل العام وسهولة التنقل كان يعرقل استمراريتها في العمل.

أما الثلاثينية فتحية التي تعيش في إحدى ضواحي عمان، تجد صعوبة في الوصول إلى مكان عملها، بسبب موقع سكنها البعيد ونقص وسائل النقل العام الكافية، مما تضطر أحيانا  إلى استخدام مركبات خاصة غير مرخصة للوصول إلى العمل.

مع تفاقم هذا الوضع، بدأت تشعر بعدم الأمان في استخدام هذه المركبات غير المرخصة، بالإضافة إلى مواجهتها لازدحام المرور واختناق الطرق المستمر في طريق عودتها إلى المنزل، فهذا التأخير يؤثر على قدرتها على أداء مهامها اليومية، مما دفعها إلى اتخاذ قرار بترك عملها والبقاء في المنزل بدلا من العمل الذي تحبه.

أما العشرينية رقية، فتعمل بأجر الحد الأدنى وقيمته 260 دينارا في وظيفتها الحالية، التي تقع بعيدا عن مكان إقامتها، ولدفع تكاليف المواصلات المرتفعة للوصول إلى العمل، وهذا يعتبر غير مجدي بالنسبة لها، فهي تنفق أكثر من نصف راتبها على وسائل المواصلات، مما يزيد من تحدياتها المالية.

تشير دراسة سابقة أجرتها حملة "نصل معا" إلى أن 47% من النساء يعتزمن عدم دخول سوق العمل بسبب غياب وسائل النقل العام الفعالة التي تضمن سهولة التنقل والتعامل مع الركاب، وخاصة بين النساء.

وتظهر الدراسة أيضا أن 48.1% من النساء ينفقن ما بين 1 و 2 دينار للوصول إلى أماكن عملهن، في حين يدفع 42.1% من النساء أكثر من دينارين، و 67% من النساء في الأردن يستخدمن أكثر من وسيلة نقل للوصول الى مكان عملهم.

كما يعد عدم توفر نظام مواصلات عامة فاعل، من أهم المعيقات التي تواجهها المرأة للدخول في سوق العمل، مما يجعل نسبة مشاركتها الاقتصادية متدنية جدا بنسبة 14% فقط.

 

التحديات والحلول

الناشط والباحث الاجتماعي في معهد غرب آسيا وشمال أفريقيا،"وانا" علي المحاسنة، يوضح أهمية النقل العام كركيزة أساسية لتقدم الدولة اقتصاديا وحضاريا، كما يساهم في تعزيز المشاركة الاقتصادية للنساء.

وفي ورقة سياسات بعنوان "التحديات التي تواجه النساء في النقل العام وأثرها على مشاركتهن الاقتصادية في محافظة جرش"، تبين انخفاض في مشاركة النساء في النقل العام إلى عدة تحديات، منها استخدام وسائل نقل متعددة للوصول إلى الوجهة المطلوبة، وفقدان الخصوصية بسبب التلوث السمعي والمشادات الكلامية، وتكلفة المواصلات المرتفعة، وتعرض النساء لمضايقات مختلفة، بالإضافة إلى حوادث النقل العام المتكررة على الطرق السريعة وصعوبة تنقل النساء في مختلف أوقات اليوم بسبب ضعف وجودة خدمات النقل العام.

ويرى المحاسنة أن شبكة مواصلات النقل العام غير متكاملة وتفتقر إلى شراكة فعالة بين القطاع العام والخاص، وتعاني من ضعف الرقابة، مما يؤدي إلى إضاعة الوقت والمال والجهد للمواطنين بما فيهم النساء بشكل خاص. 

لتحسين وتطوير قطاع النقل العام بسرعة، يجب تنفيذ خطة شاملة ذلك، وزيادة التعاون بين القطاعين العام والخاص، وتعزيز الرقابة، وينصح بتخطيط المدن الجديدة بمعايير جودة وسلامة عامة تتوافق مع القوانين المعمول بها، وتشديد العقوبات على المركبات غير المرخصة التي تشكل تهديدلأصحاب النقل العام المرخص، بلااضافة الى استخدام التطبيقات الذكية بشكل منظم لما توفره من فوائد إيجابية في تعزيز مشاركة النساء الاقتصادية، نظرا لسهولتها وتوفير الوقت والجهد للنساء، بحسب المحاسنة.

 

عمل المرأة والاقتصاد

يركز تقرير الدراسة التشخيصية والتوصيات الخاصة بالنقل العام في الأردن، الصادر عن البنك الدولي في العام الماضي، على تحديات وقيود النظام الحالي للنقل العام في المملكة، والتي تعيق توفير نظام فعال وسهل وآمن وبأسعار معقولة ومستدام.

ومن بين هذه التحديات، يشير التقرير إلى عدم تكامل الخدمات والأسعار، مما يؤدي إلى طول فترات الانتظار وارتفاع تكاليف النقل وجودة الخدمات المنخفضة غير الموثوقة، وبصورة خاصة، يعاني النساء من صعوبة في استخدام وسائل النقل العام بسبب هذه التحديات.

كما يبين التقرير  أن النساء يشكلن فقط ثلث الركاب في وسائل النقل العام في الأردن، وأن أقل من 50٪ منهن يستخدمن هذه الوسائل، نتيجة لعدم توفر وسائل نقل عام فعالة، يواجه النساء والشباب الذين لا يمتلكون سيارات صعوبة في الوصول إلى أماكن عملهم والمشاركة في الحياة الاقتصادية.

ويعتبر  انخفاض مشاركة المرأة في سوق العمل يتسبب في خسائر اقتصادية تقدر بحوالي 65 مليون دولار أمريكي سنويا بحلول عام 2030، كما يذكر أن تكلفة النقل العام يمكن أن تصل إلى 6-12٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وبزيادة مشاركة المرأة الاقتصادية، يمكن أن يكون للنقل العام دور مهم في تحقيق التنمية الاقتصادية.

وزير النقل السابق، جميل مجاهد، يؤكد أن خدمات النقل الضعيفة تعتبر عاملا أساسيا يعيق مشاركة المرأة في سوق العمل، مشيرا إلى وجود قصور في تنظيم ساعات عمل وسائل النقل، بالإضافة إلى تدهور بعض وسائل النقل، مما يعرقل الوصول إلى العمل أو يتسبب في التأخير.

ويرى مجاهد أيضا أن التكاليف المرتفعة لوسائل النقل تعتبر عائقا أمام عمل المرأة، خاصة للسكان الذين يعيشون في مناطق بعيدة ويحتاجون إلى استخدام وسيلة نقل متعددة للوصول إلى عملهم،  بالإضافة إلى ذلك، يواجهون مشكلة نقص وسائل النقل، مما يعرقل توفير هذه الخدمة لبعض المناطق التي يصعب الوصول إليها لدى النساء.

لذا، يتطلب تحسين النقل العام في الأردن تكامل الخدمات والأسعار وزيادة الاستثمار في البنية التحتية وتطوير التكنولوجيا المتعلقة بالنقل، كما يجب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص وتعزيز الرقابة لتحقيق نظام نقل عام فعال ومستدام يلبي احتياجات المجتمع بأكمله، بما في ذلك توفير وسائل نقل آمنة وموثوقة للنساء وتحسين وصولهن إلى العمل والمشاركة الاقتصادية بشكل كامل.

 

محاولات لتذليل الصعوبات

 

في عام 2019 وقعت مؤسسة صداقة "نحو بيئة عمل صديقة للمرأة"، في سبيل تذليل الصعوبات أمام مشاركة المرأة الاقتصادية، مذكرة مع وزارة النقل، بهدف الحد من آثار هذه الإشكالية، بحسب عضو المؤسسة سهر العالول.

وتوضح العالول أن الهدف من توقيع المذكرة يتمثل بتحسين ملف النقل ضمن استراتيجية واضحة، باعتباره مرتبطا بشكل كبير بمدى مشاركة في سوق العمل أو عزوفها عنها، معتبرة أن التعاون مع وزارة النقل يساهم بإيجاد إطار وطني يراعي النوع الاجتماعي، والذي يعد من أولويات سياسة الوزارة لمعالجة منظومة النقل.

بناء على هذه الاتفاقية أعلنت وزارة النقل بأنها ستقوم بإصدار تعميم لكافة الشركات العاملة في مجال النقل، لضمان سهولة التعامل مع الراكب، وخاصة بين شريحة النساء، مشددة على أهمية الشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني لإيجاد أرضية للعمل الوطني المشترك على ملف المواصلات، وتحديدا فيما يتعلق بإدماج سياسات النوع الاجتماعي في سياسات النقل ومراعاة احتياجات المستخدمين لتحسين تجربتهم.

ولتحقيق هذا الهدف استحدثت الوزارة مدونة سلوك للمشغلين والعاملين ومستخدمي النقل العام، تأخذ بعين الاعتبار احتياجات المرأة المستخدمة لوسائل النقل، وتسهم في تمكينها ومساعدتها على الوصول إلى مكان عملها بكل سهولة.

 

هذا التقرير تم إنتاجه ضمن التعاون المشترك مع برنامج النساء في الأخبار-مؤسسة وان افرا الدولية

أضف تعليقك