تأجيل رفع أسعار الوقود: الصحافة احتفلت.. وكفى

الرابط المختصر

بعد عملية تمهيد اعلامية، بدت كحملة لتسويق قرار كان متوقعا او حتميا، لرفع أسعار المشتقات النفطية، فاجأ الرئيس معروف البخيت المواطن الاردني بـ"التراجع" عن القرار الى حين.

الصحافة التي مهدت لقرار الرفع احتفت بقرار "الإلغاء"، ولكنها نسيت انه مجرد "تأجيل".
في الثاني عشر من شهر آب الحالي "سربت" الحكومة، وعبر صحيفة "العرب اليوم"، خبرا عن تنسيب وزارة المالية للحكومة بضرورة اتخاذ قرار سريع برفع أسعار المحروقات لهذا العام، بعد ان كان مقررا بحسب برنامج الاصلاح الاقتصادي في شهر آذار القادم.
وفي الايام التالية تسابقت صحف اخرى على البحث عن مزيد من الاخبار عن توجهات الحكومة، ونشرت صحيفتا "العرب اليوم" و"الغد" (15/8) تقريرين مفصلين ومدعمين بأرقام وزارة المالية حول "كلفة الدعم الحكومي" للمحروقات"، وبحسب تقرير المالية والصحف، فإن الموازنة تتحمل ما قيمته 237 مليون دينار دعما للديزل والكاز والغاز.
وفيما اكد تقرير صحيفة "العرب اليوم" ان قرار الرفع سوف يتخذ خلال اسابيع فان تقرير صحيفة "الغد" قال ان الرفع سوف يكون على مرحلتين.
وفي السادس عشر من الشهر نشرت "الدستور" تقريرا مفصلا، حول تفاصيل ارقام وزاره المالية ونسب الرفع المقترحة.
وفي التاسع عشر من الشهر اكدت العرب اليوم نقلا عن مصادر حكومية التوجهات برفع الأسعار، في تقرير لها بعنوان "البخيت يقلب في سيناريوهات رفع اسعار المحروقات".
وقبل تسريب خبر "توجهات الرفع" كانت الحكومة قد بدأت عبر الاعلام عملية "قصف تمهيدي" للقرار، عبر نشر تقارير عن حجم الدعم الذي يتلقاه الفقراء. فقد نشرت صحيفة الرأي (12/8) تقريرا بعنوان "دراسة: 8% فقط حصة الفقراء من مخصصات دعم المحروقات"، جاء فيه "أكدت دراسة رسمية أن شريحة الفقراء التي من المفترض ان يصلها كامل الدعم المخصص للمحروقات لا تنال سوى 8% منه فقط ما يؤكد أن سياسة دعم المحروقات الحالية تنطوي على اختلالات كثيرة.
ودللت الدراسة على هذه الاختلالات بمؤشرات أكدت أن سياسة الدعم الحالية تتسم بعدم العدالة، اذ ان شريحة الفقراء والتي من المفترض ان يصلها جل هذا الدعم لا تنال سوى 8% فقط منه، في حين ان شريحة الاجانب وغير الفقراء تستحوذ على 92% من هذا الدعم. وهذا الامر يشير الى ان الدعم الموجه للفئات غير المستحقة يشكل ما نسبته 56% من العجز المقدر في قانون الموازنة وملحقها".
وفي نفس اليوم نشرت صحيفة "الدستور" خبرا تحت عنوان "حصة الغني من دعم المحروقات تعادل كامل حصة الأسرة الفقيرة"، وجاء في الخبر الذي نقل عن مصدر مسؤول في وزارة المالية "ان حجم الدعم للمحروقات نحو 237 مليون دينار او ما نسبته 14 في المائة من قيمة الاستهلاك من المحروقات، وان قيمة الاستهلاك من المحروقات في المملكة يقدر بنحو 1,8 مليار دينار، مشيرا الى ان عدد سكان المملكة يبلغ نحو 5,6 مليون نسمة. وأوضح ان الفرد الثري من المجتمع يحصل على دعم سنوي من المحروقات مقداره 90 دينارا وتحصل اسرته على نحو 500 دينار سنويا، اي خمسة اضعاف ما تتقاضاه الاسرة الفقيرة التي تبلغ حصة الفرد من الدعم 19 دينار فقط وحصة اسرته نحو 100 دينار سنويا، مبينا حصة الفرد من شريحة الاغنياء من الدعم تعادل حصة كامل الاسرة الفقيرة.
على أي حال، الحكومة التي غرقت في أزمات متتالية منذ العاصفة الثلجية الى تسمم شاورما مادبا والرصيفة واخيرا البقعة، مرورا بأزمة مياه المنشية وليس انتهاء باتهامات تزوير الانتخابات البلدية، وجدت نفسها في موقف حرج جدا وفقدت من رصيد شعبيتها، وتنام مطالباتها بالرحيل او توقعات بأن ترحل قريبا، وهو امر بات غير مؤكد بعد قرار الملك عبدالله الثاني حل البرلمان واجراء الانتخابات النيابية في موعدها.
ويبدو ان اجراء الانتخابات النيابية يحتاج الى اعادة احياء رصيد الحكومة وبث الروح في عروقها فكان ان اتخذت القرار الصعب والمفاجئ بعدم رفع اسعار المحروقات "لهذا العام". فقد اعلنت الحكومة الثلاثاء (صحف 21/8) عقب جلسة مجلس الوزراء قرارها بعدم رفع اسعار المحروقات لهذا العام، واستقالة وزير المالية زياد فريز، فيما حددت العشرين من تشرين الثاني موعداً للانتخابات النيابية. وقال البخيت ان "الحكومة قررت عدم رفع اسعار المحروقات لهذا العام"، معلنا استقالة وزير المالية زياد فريز، وانه تم التنسيب بقبول الاستقالة لجلالة الملك عبدالله الثاني".
على ان الصحف التي تابعت القرار الحكومي، بعدم رفع الاسعار هذا العام، تجاهلت المقطع الاخير من كلام الرئيس، وذهبت، وبخاصة صحيفة الرأي الى الاحتفال بالقرار وتصويره وكأنه قرار نهائي بعدم رفع الاسعار، مع ان كل ما فعله البخيت هو رفض تنسيب وزير المالية زياد فريز برفع الاسعار هذا العام وعدم الانتظار الى شهر شباط او آذار القادم، كما هو مجدول في برنامج الاصلاح الاقتصادي.
وقد خرجت الصحف في اليوم التالي (22/8) بأخبار الترحيب بقرار الحكومة، مخفية او مغمضة العين عن ان الحكومة هي من اخترعت او صنعت "خبر الرفع لهذا العام وهي من تراجع عنه"، فليس لها والحال هذه، أي منة على الشعب الاردني، وهي بدت كـ"لعبة" تلميع للحكومة بعد سلسلة الضربات التي تلقتها.
على أي حال، فان قرار رفع اسعار المحروقات لم يتم إلغائه او حتى تأجيله، فكل ما تم هو رفض تنسيب وزير المالية الاسراع بقرار الرفع، وهو ما تم تجاهله، ويبقى ان الحكومة سواء كانت الحالية او حكومة اخرى لن تجد مناصا من رفع الاسعار في شباط او آذار القادم، وهو امر لا يحتاج لقرار فهو مدرج ضمن برنامج التصحيح، وهو الامر الذي لم تسلط الضوء عليه الصحافة واكتفت بالترحيب بقرار إنقاذ الطبقة الوسطى أربعة أشهر، بحسب الكاتب ناهض حتر في صحيفة العرب اليوم.

أضف تعليقك