بيت العمال: معدلات البطالة تصل إلى مستويات غير مسبوقة

بيت العمال
الرابط المختصر

أصدر مركز بيت العمال للدراسات تقريره السنوي بمناسبة يوم العمال العالمي تناول فيه واقع سوق العمل الأردني وقضايا وشؤون العمل والعمال، سلط فيه الضوء على التحديات الإقتصادية والضغوط السياسية غير مسبوقة التي تمر بها البلاد، وتراجع حجم المنح والمساعدات، والتأثيرات السلبية المباشرة وغير المباشرة لذلك على الاستثمار، ناهيك عن موجات اللجوء التي ما زالت تلقي آثارها على سوق العمل، والتي ساهمت كلها في الإنحسار الملموس في قدرة الإقتصاد الوطني على استحداث فرص العمل، لتصل معدلات البطالة إلى مستويات غير مسبوقة (18.7%)، وهي النسبة الأسوأ منذ الأزمة المالية التي شهدها الأردن في ثمانينيات القرن المنصرم، خاصة في ظل تراجع الإهتمام ببرامج التشغيل والتدريب والشراكة مع القطاع الخاص في تنفيذها في ظل الحكومة السابقة، الأمر الذي كان له أبلغ الأثر في زيادة معدلات البطالة، بعد أن كانت قد وصلت إلى أدنى مستوياتها عام 2014 نتيجة الإهتمام بتنفيذ الإستراتيجية الوطنية للتشغيل وبرامجها حين وصلت إلى معدل (11.9%) رغم الأزمات المتعددة ومنها أزمة اللجوء السوري التي كانت تبلغ ذروتها في ذلك الحين. 

وبين التقرير أن التوجه الرسمي لإصلاح الواقع الاقتصادي وتحسين واقع سوق العمل في عهد الحكومة الحالية، لا سيما عودة الاهتمام والدعم لبرامج التشغيل، كتلك التي تستهدف توفير 30 ألف فرصة عمل بالتعاون مع القطاع الخاص، وبرنامج (خدمة وطن)، إضافة إلى مساعي توفير التأمين الصحي الشامل، وإيجاد حلول لمشاكل النقل العام، كلها تحولات ومبادرات إيجابية يمكن أن تحدث فارقا على المديين القريب والمتوسط في حال صاحبها إصلاحات عنقودية لسوق العمل، ورفع درجات التنسيق بين أطراف الإنتاج، وتحسين ظروف وبيئة العمل والحمايات الإجتماعية، وتحقيق المواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، وتحفيز المشاركة الاقتصادية للمرأة، وتحسين مستويات الأجور خاصة للفئات الضعيفة من العمال، والمراجعة الدورية للحد الأدنى للأجور، فضلا عن تنظيم ملف العمالة الوافدة ضمن ظروف عمل نموذجية للجميع خالية من الاستغلال، والتنفيذ الفعال لبرامج الإنتقال من الاقتصاد غير المنظم إلى الإقتصاد المنظم وتوفير الحمايات اللازمة للعاملين فيه.

وأن الدولة الأردنية قد عملت في السنوات الماضية على وضع عدد من الخطط والسياسات للحد من الارتفاعات التي كانت متوقعة في مؤشر البطالة نتيجة الظروف المحلية والإقليمية التي سادت، ومن ذلك الاجندة الوطنية، والاستراتيجية الوطنية للتشغيل، وخطة الحكومة 2013-2016، ورؤية الأردن 2025، وانتهاءا بالإستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية، ولا شك أن من الممكن لهذه السياسات والخطط أن تحدث أثرا إيجابيا وفاعلا في التخفيف من حدة البطالة فيما لو عملت كافة المؤسسات المعنية بها بجد وتنسيق مباشر لتنفيذها، كما تم في المراحل الأولى لتنفيذ الإستراتيجية الوطنية للتشغيل، وما أحدثه ذلك من تخفيض في معدلات البطالة في الأعوام 2013، 2014، 2015.

وأوضح التقرير أن سوق العمل الأردني لا يستطيع استيعاب الأعداد الهائلة من الجامعيين في العديد من التخصصات، وأنه بحاجة أكثر إلى العمالة التقنية والفنية التي قد يكون بعضها يتطلب تأهيلا جامعيا، ولعل الغياب الكامل للتنسيق مع القطاع الخاص لرصد احتياجاته الحقيقية من التخصصات ومن البرامج التي تنسجم مع المتطلبات الفنية لأعماله، وغياب استراتيجيات وطنية شاملة تجمع بين السياسات والبرامج التعليمية من جهة وسياسات وبرامج التشغيل والتدريب والتعليم المهني والتقني من جهة أخرى، كلها عوامل أسهمت  في تعميق المشكلة، وارتفاع معدلات البطالة إلى أعلى مستوياتها وهو ما ينذر أيضا بآثار سلبية على الأمن الإجتماعي نتيجة الإحباط لدى المتعطلين، كازدياد حالات الإنحراف والجريمة والأمراض الإجتماعية الأخرى.

وشدد "بيت العمال" في تقريره على أن من الضروري العمل في هذه المرحلة على الأقل وبصورة عاجلة على وضع خطة طوارئ يشارك فيها القطاعان العام والخاص بحيث تتضمن بشكل خاص تنفيذ برامج (تدريب وتشغيل في مواقع العمل) جادة وعاجلة وممولة بسخاء لاستيعاب أكبر عدد ممكن من المتعطلين عبر تدريبهم وإعادة تأهيلهم وتوجيههم مهنيا وإدماجهم في سوق العمل، وفي نفس الوقت إعادة تفعيل العمل بالاستراتيجية الوطنية للتشغيل التي كان من المفترض أن يستمر العمل بها إلى عام 2021 ومن ثم تقييم نتائجها بهدف تحديثها وإعدادها لمرحلة تالية.

وأكد على أن انخفاض نسبة المشاركة الاقتصادية للمرأة الأردنية التي تعد من أقل النسب في العالم، يستوجب بالضرورة تجسير الفجوة الجندرية في سوق العمل الأردني بما يسهم في رفع معدلات المشاركة الاقتصادية للمرأة، بالنظر إلى حجم الخسارة الباهظة التي يتكبدها الاقتصاد الوطني جراء تعطيل هذه القوى القادرة على إحداث فارق كبير في الناتج المحلي الإجمالي، حال استطعنا بناء شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص لغايات دمج المرأة في سوق العمل وإزالة العوائق التي تحول دون ذلك.

وأوضح بأن تأصيل العلاقة بين كافة أطراف العملية الإنتاجية، وخلق إطار منهجي فاعل وقادر على زيادة كفاءة التنسيق والشراكة بين القطاعين العام والخاص لغايات زيادة المشاركة الاقتصادية للمرأة والتخفيف من معدلات البطالة بشكل عام، يستوجب تفعيل تطبيق المعايير الدولية ذات العلاقة بعمل المرأة وحماياتها وحقوقها، والتشاور الحكومي الدائم مع منظمات القطاع الخاص لتوفير متطلبات تعزيز وضع المرأة في سوق العمل، وتوسيع الخيارات المهنية للمرأة، واكسابها المهارت والتدريب اللازم، ورفع وعيها بفرص العمل المتاحة، وسياسات الأمان والحماية الاجتماعية، ونشر الوعي بحقوق المرأة العاملة لدى أصحاب العمل، وقواعد المساواة بين الجنسين، وتكافؤ الفرص في إجراءات التعيين والترقية والتدريب، وتفعيل آليات ميسرة ومحفزة لتطبيق أشكال العمل المرن، وتوفير بنية تحتية للعناية الاجتماعية للمرأة العاملة بجودة وكلفة مناسبة (خدمات ومرافق، حضانات، مواصلات...)

وفي مجال الاقتصاد غير المنظم، بين التقرير بأن تقديرات دولية أشارت إلى أن حجم العمالة في القطاع غیر المنظم في الأردن يصل إلى 44 % من مجمل العمالة في المملكة، ومنهم العاملون لحسابهم الخاص، وقد بينت الدراسات بان المعضلة الرئيسية للقطاع غير المنظم تتمثل في عدم توفير الحمايات والتأمينات الاجتماعية اللازمة للعاملين فيه وحرمانهم من حقوق العمل الأساسية، الأمر الذي يستدعي العمل على وضع سياسات فعالة موضع التنفيذ تسهم في تشجيع الانتقال من الاقتصاد غير الرسمي إلى الاقتصاد الرسمي، وفي نفس الوقت شمول كافة العاملين فيه بالحقوق والحمايات أسوة بغيرهم من العاملين.

واعتبر "بيت العمال" أنه قد آن الأوان لمراجعة الحد الأدنى للأجور بما يتلاءم مع الواقع الجديد للأسعار وكلف المعيشة ومعدل تآكل الرقم القياسي للأجور نتيجة ذلك، والتغير الحاصل على معدل التضخم خلال السنوات الأخيرة منذ صدور القرار السابق للحد الأدنى للأجور (220 دينار)، وضعف النمو الاقتصادي مقابل نمو سكاني كبير، وارتفاع معدل البطالة غير المسبوق البالغ 18.7%، وانخفاض معدل المشاركة الاقتصادية، وارتفاع معدل الفقر، كما أن من الضروري أن تصبح عملية مراجعة الحد الأدنى للأجور دورية وغير مرتبطة برغبات أو توجهات أي طرف، وهنا تجدر الإشارة إلى أن استثناء العمالة الوافدة من قرارات الحد الأدنى للأجور فضلا عن أنه يشكل تمييزا صريحا يخالف المعايير الدولية، فهو أيضا يشكل عاملا إضافيا لتفضيل استخدام العمالة الوافدة في بعض القطاعات على حساب العمالة الأردنية.

وفي الوقت الذي أشاد فيه التقرير بالجوانب الإيجابية التي تضمنتها التعديلات الأخيرة على قانون العمل في عدد من الأحكام التي تنسجم مع معايير العمل الدولية، إلا أنه أشار إلى أن أحكاما أخرى قد شهدت تراجعا في الحقوق والحمابات خاصة في الأحكام المتعلقة بالنقابات العمالية.

وأن من التعديلات الإيجابية إضافة تعريف للتمييز في الأجور القائم على الجنس، وإضافة تعريف العمل المرن وأشكاله ومنها العمل عن بعد أو من المنزل والعمل بساعات عمل جزئية أو بأوقات عمل مرنة، إضافة إلى إقرار إجازة الأبوة للعامل مدفوعة الأجر، وشمول إلزامية تهيئة مكان لرعاية الأطفال في مواقع العمل على رعاية أطفال "العمال الذكور والإناث" بعد أن كان ذلك مقصورا على أطفال العاملات.

إلا أن الأحكام الخاصة بالنقابات العمالية ونقابات أصحاب العمل لم تحظى بنفس التقدم، فمنحت التعديلات وزير العمل صلاحية حل الهيئة الإدارية للنقابة وتعيين هيئة إدارية مؤقتة لتسيير أعمالها، بدلا من القضاء، كما أوجبت على النقابات تصديق أنظمتها الداخلية من وزارة العمل، ومنحت وزير العمل منفردا صلاحية تصنيف المهن لغايات تأسيس النقابات بدلا من اللجنة الثلاثية لشؤون العمل، وهي تعديلات تمثل تراجعا يخالف المعايير الدولية ومبادئ الحرية النقابية وحق التنظيم، سينعكس سلبا على صورة الأردن في مجال حقوق الإنسان والحقوق الأساسية للعمل، ناهيك عن تداعيات إقرارها على استقرار علاقات العمل وعلى العملية الإنتاجية، فاستقرار علاقات العمل لا يمكن أن يتحقق دون حركة نقابية تتمتع بمرونة كافية لإدارة شؤونها وممارسة نشاطاتها وإقناع قواعدها بقدرتها على تمثيلهم وحماية حقوقهم والدفاع عنها.

وفي مجال السلامة والصحة المهنية ذكر التقرير بالتوجيهات الملكية السامية في أكثر من مناسبة على ضرورة إيلاء سلامة العامل الاهتمام والعناية وتوفير بيئة عمل سليمة وآمنة له، إضافة إلى قرار مجلس الوزراء الصادر في كانون ثاني من عام 2016 متضمنا تكليف وزارة العمل والمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي بوضع استراتيجية وطنية للسلامة والصحة المهنية، إلا أنه وللأسف لا تزال هذه الاستراتيجية التي وضعت مسودتها الأولى تراوح مكانها لغاية الآن، وما زال التشريع الأردني بحاجة إلى نصوص أكثر شمولية وتفصيلا من النواحي الفنية  تتضمن توجيهات متخصصة للوقاية من الأخطار على مستوى كل قطاع، نظرا للأضرار الجسيمة التي تسببها حوادث وإصابات العمل على الإقتصاد الوطني وموارده البشرية.

وبين التقرير بأن أرقام الضمان الإجتماعي تشير إلى وقوع ما يقرب من (39) حادث عمل كل دقيقة ووفاة إصابية كل يومين، رغم أن ذلك لا يعكس الأعداد الفعلية والحقيقية لإصابات العمل في الأردن، والتي من المؤكد بأنها أكثر من ذلك لعدة أسباب، من أهمها أن العاملين في الزراعة وعمال المنازل ما زالوا غير مشمولين بالضمان الإجتماعي، وهو القطاع الذي يعتبر عالميا الأعلى في نسبة إصابات العمل، يضاف إلى ذلك مختلف قطاعات العمل في الإقتصاد غير المنظم.

ونبه إلى البيانات المتوفرة في الأردن حول جرائم الإتجار بالبشر، وأنها تشير إلى أن قضايا استغلال غير الأردنيين في العمل تشكل الحجم الأكبر من بين أشكال الإتجار بالبشر الأخرى، غير أن من الملاحظ في نفس الوقت أن نسبة ملاحقة قضايا الإتجار بالبشر تعتبر منخفضة بسبب عدم وضوح التشريعات ذات العلاقة بهذه الجريمة وخاصة قانون منع الإتجار بالبشر، الأمر الذي يعيق وصول الضحايا إلى العدالة ويتسبب في إفلات الجناة من العقاب، حيث يدلل ارتفاع عدد حالات انتهاك حقوق عاملات المنازل بالمقارنة مع قطاعات العمل الأخرى على الحاجة إلى تطوير آليات جديدة أكثر فعالية لحماية هذه الفئة، خاصة في ظل زيادة عدد عاملات المنازل سواء منهن الحاصلات على تصاريح عمل أو اللواتي يعملن دون تصاريح عمل.

وأشار التقرير إلى أن الأردن قد أكد رغبته في تحقيق مبادئ الحد من عمل الأطفال من خلال مصادقته على عدد من الاتفاقيات الدولية، وبشكل خاص اتفاقية العمل الدولية رقم (182) لسنة 1999 بشأن "أسوأ أشكال عمل الأطفال" والإتفاقية 138 بشأن الحد الأدنى لسن العمل، غير أن الأرقام تشير إلى تضاعف عدد الأطفال العاملين ليصل إلى أكثر من 75 ألف طفل في عام 2016 بالمقارنة مع 33 ألف طفل عامل وفق المسح السابق الذي أجري عام 2007

ودعا إلى ضرورة وضع استراتيجية وطنية جديدة للحد من عمل الأطفال، وتفعيل دور اللجنة الوطنية لعمل الأطفال ووضع نظام خاص ينظم عملها ومهامها، كما تعتبر الحاجة لإنشاء قاعدة بيانات وطنية خاصة بعمل الأطفال ذات أهمية كبرى، بحيث تشمل على البيانات المتعلقة بالأطفال العاملين وكذلك المنقطعين والمتسربين من المدارس، وحالات التسول، وحالات الباعة المتجولين، بحيث تكون هذه المعلومات متاحة لجميع الجهات المعنية بقضايا عمل الأطفال.

وعلى مستوى السياسات الاجتماعية دعى إلى "بيت العمال" إلى العمل على تطوير سياسات الحد من الفقر، وتحسين الظروف الاجتماعية لأسر الأطفال العاملين أو المعرضين للإنخراط في سوق العمل، ودعم الأسر المعرضة للمخاطر الاجتماعية والنفسية وربطها بشبكات الأمان الاجتماعي وتعزيز دور المجتمع المحلي في تحسين ظروف الأسر المعرضة وحماية الأطفال المعرضين، وإعادة تأهيل الأطفال العاملين الذين تعرضوا لمشكلات اجتماعية أو نفسية ودمجهم في المجتمع وحمايتهم من الإساءة أو الإيذاء النفسي والجسدي أو العنف.