بعد قطيعة استمرت لسنوات وزير الخارحية في سوريا ..نظرة على محطات التوتر؟

الرابط المختصر



وصل نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، الأربعاء، إلى مطار دمشق في العاصمة السورية، في زيارة تشمل أيضا، الجمهورية التركية "تعبيراً عن تضامن الأردن مع البلدين في مواجهة تبعات الهزات الأرضية التي ضربتهما". حسب بيان وازرة الخارجية الأردنية.

ويبحث الصفدي خلال الزيارتين الأوضاع الإنسانية والاحتياجات الإغاثية التي يحتاجها البلدان، إذ تستمر المملكة في إرسال المساعدات إلى البلدين تنفيذاً لتوجيهات الملك عبدالله الثاني.



وترسل المملكة، الأربعاء، طائرة مساعدات إلى تركيا وطائرة مساعدات إلى سوريا التي تتواصل المساعدات البرية من الأردن إليها.



تاريخ من التوتر



في عام 1958 حاولت طائرات ميج سورية، انطلقت من مطار عسكري بالقرب من دمشق، اسقاط طائرة الملك الأردني الراحل الحسين بن طلال، الذي كان متوجها الى مدينة لوزان السويسرية مرورا بالأجواء السورية.



قصة يرويها الملك الراحل في كتابه "مهنتي كملك"، كحادثة ضمن سلسلة حوادث صاغتها العلاقة المتوترة بين الأشقاء الألداء (الأردن وسورية) اللذان يستعدان لاعادة افتتاح المعابر بينهما بعد انقطاع دام سبع سنوات.



وقفت كل من عمان ودمشق تاريخيا على طرفي نقيض؛ بعد أن دخلتا في تحالفات متضاربة خلقت توترات مستمرة في العلاقة، دفعت البلدين لتبادل الاتهمات بأحداث أمنية في وقعت سبعينيات وثمانينات القرن الماضي، وصلا الى اتهام دمشق لعمان بتدريب وتسليح المقاتلين في الحرب الدائرة في سوريا منذ 2011.

وبدأ التوتر الذي صاغ شكل العلاقة بين البلدين طيلة السنوات الماضية، منذ وقت طويل جدا عند ترسيم الحدود بين البلدين عام 1932 في عهد الملك عبد الله المؤسس، الذي قام بالتعاون بريطانيا بترسيم الحدود، تخلله مناوشات بين عشائر اردنية وسورية.



وساهمت الوحدة بين مصر وسوريا، وقبلها انقلاب عبد الكريم قاسم على حكم الهاشميين في العراق من تعميق الأزمة للمملكة التي لجأت لتحالفات دولية لحماية وجودها.

 

عمق التحالف الأردني الأمريكي، مقابل التحالف السوري السوفيتي، من الشرخ بين الأشقاء، لتزداد الفوارق لاحقا مع الأيام عقب توقيع الأردن لمعاهدة وادي عربة عام 1994 مع اسرائيل ودخول المملكة في فيما يعرف بـ "محور الاعتدال" مقابل "محور المقاومة".

علاقة يرى فيها  الخبير العسكري اللواء الأردني المتقاعد مأمون أبو نوار،" انها " لم تكن بحالة جيدة تاريخيا بسبب طبيعة التحالفات التي ينضوي بها البلدين، وخصوصا ارتباط سوريا بشكل وثيق مع روسيا".

متوقعا في ان "العلاقة لن تكون سياسيا جيدة بين البلدين، حتى لو عادت العلاقة الاقتصادية عقب افتتاح المعابر"



إلا أن العلاقة بين الطرفين عاشت وضعا أكثر صعوبة في عام 1970؛ بعد دعم النظام السوري للفصائل الفلسطينية اليسارية في مواجهة قوات الجيش الأردني، والتي وصلت الى حد نشر سوريا دباباتها في المواقع التي أخلاها الجيش العراقي في مدينة الرمثا، لتعود وتنسحب تحت قصف الطائرات الأردنية وحلفائها من الأمريكان في معركة دامت لأربعة أيام.



ولم تتوقف الخلافات عند هذا الحد، اذ اتهم الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد الأردن بدعم الإخوان المسلمين في ثمانينيات القرن الماضي واحتضان قيادات الإخوان بالتحالف مع الرئيس العراقي صدام حسين، في وقت  اتهم الأردن سوريا حينها بمحاولة تنفيذ عمليات إرهابية في الأردن من بينها محاولة اغتيال رئيس الوزراء مضر بدران عام ١٩٨١. 



ليعرض التلفزيون الأردني ما اسماه أنه اعترافات عسكريين سوريين حول خطة فاشلة لاغتيال لرئيس  بدران، وكذلك مشاركتهما في مجزرة سجن تدمر التي حدثت في نفس العام.

ثم أخذت العلاقة المتوترة بالتراجع لحساب مصالح اقتصادية وجغرافية؛ بعد بروز قيادات شابة في البلدين، ففي 2009 أعلنت الحكومة الأردنية أنه سيتم إلغاء ضريبة المغادرة والرسوم المفروضة على الأردنيين والمركبات والشاحنات والحافلات عند مغادرتها الحدود بين البلدين سوريا والأردن.



الا أن هذه العلاقة سرعان ما أخذت منحدرا جديدا في عام 2011 عقب انطلاق الأحداث في سوريا واتهام دمشق لعمان بتدريب وتسليح المقاتلين وتسهيل عبور الجهاديين، لتصل الى القطيعة في العلاقات الرسمية، وصلت الى طرد السفير السوري في عمان بهجت سليمان في عام 2014.ليخرج الملك عبد الله الثاني، في مقابلة مع صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية عام 2017 ويدعو ضمنيا الى تنحي بشار الأسد قائلا إن "المنطق يقتضي بأن شخصاً ارتبط بسفك دماء شعبه من الأرجح أن يخرج من المشهد".

 

وتشهد العلاقات بين عمان ودمشق هذه الأيام تقاربا واضحا ، وتسعى المملكة بالتعاون مع مصر ودول خليجية لإعادة إنتاج النظام السوري ودمجه من جديد في جامعة الدولة العربية.

 

بوابة المساعدات الأنسانية

ودفع هبوط خمس طائرات أردنية تحمل الإغاثة في مطار حلب، ناشطين واقتصاديين أردنيين إلى مطالبة سلطاتهم بكسر قانون قيصر الذي عطل التبادل التجاري بين البلدين.

 

وأرسلت الأردن بحسب أمين عام الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية حسين الشبلي، خمس طائرات، بالإضافة إلى قوافل برية تحمل مساعدات طبية وفرق إنقاذ وبحث إلى جانب مساعدات غذائية.



وحملت هذه الطائرات: أدوية ومستلزمات طبية، وبطانيات، وخياما، وملابس شتوية، وطرود المواد الغذائية، ومياه الشرب الصحي، إضافة إلى التبرعات النقدية.



ونشر مغردون سوريون صورا لمنتجات غذائية أردنية إنسانية تباع في مدينة حلب السورية التي تضررت من الزلزال.

 

وغرد اقتصاديون أردنيون بضرورة "رفع العقوبات الدولية عن سوريا وإعادة العلاقات الاقتصادية الأردنية السورية إلى سابق عهدها"، حتى بعد عودة العمل بالقانون صيف العام الجاري.

 



ورغم قانون "قيصر"، فقد ارتفعت قيمة الصادرات الوطنية إلى سوريا خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2022 بنسبة 23 بالمئة، لتصل إلى 40 مليون دينار، مقابل نحو 26 مليون دينار مستوردات، بحسب إحصائيات غرفة تجارة الأردن.



إلا أن هذا التبادل لا يقارن مع ما كان عليه قبل بدء الحرب السورية في 2011، إذ قال عضو مجلس إدارة غرفة صناعة عمان، الكاتب الاقتصادي المهندس موسى الساكت : "نحن كقطاع اقتصادي طالبنا مرارا برفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، كان بيننا وبين سوريا تبادل تجاري جيد جدا يعود بالفائدة والمنفعة على اقتصاد البلدين".



وحول الضرر الذي لحق بالاقتصاد الأردني من قانون قيصر، يوضح أنه "قبل 2011 كان التبادل التجاري بين الأردن وسوريا 400 مليون دينار، واليوم لا يتجاوز التبادل التجاري الـ90 مليون دينار وهذا ضرر اقتصادي واضح على العديد من القطاعات، كما أن لقانون قيصر ضررا كبيرا على قطاع المقاولات الذي كانت له فرصة كبيرة للعمل على إعادة البنية التحتية في سوريا".



وبين الساكت  كيف يعمل قانون قيصر، مضيفا أن "هناك تشديدات يضعها القانون على الصادرات والمستوردات، وهو مجحف بحق أي شركة محلية تتعامل مع سوريا، إذ تواجه هذه الشركات صعوبات وتحديات في حال أرادت التصدير إلى الخارج، هذا مجحف لاقتصادنا ومجحف بحق الشعب السوري، مضت 12 عاما على اندلاع الحرب في سوريا ويعيش أكثر من 90 بالمئة من سكان سوريا تحت خط الفقر وهذه كارثة كبيرة ضمن محدودية الوصول للغذاء والدواء".

 

وكانت الإدارة الأمريكية فرضت في حزيران/ يونيو 2020 قيودا على التعامل التجاري مع سوريا تحت عنوان "قانون حماية المدنيين في سوريا" أو ما يعرف بـ"قانون قيصر"، بهدف "حرمان رئيس النظام السوري بشار الأسد من أي فرصة لتحويل النصر العسكري الذي حققه على الأرض إلى رأسمال سياسي لتكريس وتعزيز فرص بقائه في السلطة إلى أجل غير مسمى".



ويستثني قانون قيصر المساعدات الإنسانية، ويسمح بالأنشطة الداعمة للمساعدات الإنسانية، بما في ذلك في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري.

 

 

القانون يستثني المساعدات الإنسانية

يقول المحلل السياسي الروسي ديميتري بريجع، إن "قانون قيصر لا يمنع تقديم الخدمات الإنسانية للمتضررين من الزلزال في سوريا، ويمكن أن تتدفق المساعدات الإنسانية إلى الشعب السوري".



ويرى ، أن "الهدف من قانون قيصر الأمريكي منع التحرك الاقتصادي لدمشق بما يخص التعاون مع الدول الأخرى، ويعاقب القانون الدول التي تتعاون مع النظام السوري، بينما لا يمنع القانون قافلات الإغاثة من دخول المناطق التي يسيطر عليها النظام".



وتابع: "روسيا على سبيل المثال أرسلت قوافل إغاثة إلى المناطق التي تضررت من الزلزال ويسيطر عليها النظام، لكن المشكلة في الشمال السوري مثل إدلب التي تسيطر عليها مجموعات مسلحة مختلفة.. هذه المناطق تعاني من دخول المساعدات والإغاثة".



وحاول الأردن الحصول على استثناء أمريكي من قانون قيصر في عام 2021 عندما التقى الملك عبد الله الثاني الرئيس الأمريكي جو بايدن في البيت الأبيض، وعقب الزيارة تم فتح الحدود البرية مع سوريا، وإنعاش خطوط الترانزيت، بعدما كانت جائحة كورونا أغلقت الحدود لعدة أشهر، إلا أن حجم التبادل التجاري لم يرق إلى طموح التجار بين البلدين.



وجهة نظر سورية معارضة

الكاتب الصحفي درويش خليفة، عضو المركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية، يرى أن المساعدات الإنسانية التي أرسلتها الأردن لمتضرري الزلزال لا تخضع لقانون قيصر الذي استثنى ذلك.



وقال  "القانون لا يشمل المساعدات الإنسانية التي أرسلها الأردن، فعقب لقاء جمع الرئيس الروسي والأمريكي قامت وزارة الخزانة الأمريكية بتخفيف العقوبات عن النظام السوري، ما سمح لمنظمات المجتمع المدني بالتحرك أكثر، بالتالي فإنه لا يؤثر القانون على إيصال المساعدات، لكن هناك خشية غربية من تجيير المساعدات لصالح المليشيات والفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد".



وأضاف أن "القانون لا يؤثر على الشعب السوري، لو خضع النظام وجلس على طاولة المفاوضات مع المعارضة استنادا للقرار الدولي 2254 لزال قانون قيصر، العقوبات لا تؤثر على الشعب بقدر ما يؤثر النظام بعدم التزامه بإجراء حكومة انتقالية ودستور جديد وانتخابات نيابية ورئاسية وعودة آمنة للشعب السوري المهجر".

تأثير مدمر على الشعب

على العكس من ذلك يرى الكاتب المتخصص في الشؤون الأمريكية، داود كُتاب، أن قانون قيصر كان له "تأثير مدمر على الشعب السوري وليس النظام".



وقال: "لا يزال الأسد في السلطة مدعوماً من إيران وروسيا، لكن الشعب السوري عانى كثيراً بسبب هذه العقوبات، كما عانت الدول المحيطة بسوريا مثل الأردن التي تضررت من إغلاق الحدود ووقف التعامل التجاري مع سوريا".



وأضاف: "لقد فشلت الجهود المبذولة لفرض عقوبات اقتصادية على سوريا في أن تكون صارمة من جميع البلدان الأخرى بشكل خاص في الأيام القليلة الماضية، حيث أدت الكارثة التي ضربت الجمهورية العربية السورية إلى قيام الكثيرين بالتصعيد وتقديم الدعم المباشر للشعب السوري وكسر الحصار وإرسال الطائرات".



مصدر أردني: قيصر عائق

كشف مصدر أردني فضل عدم ذكر اسمه أن "قانون قيصر" كان عائقا أمام "الربط الكهربائي بين الأردن ولبنان مرورا بسوريا إلى جانب عوائق آخر مثل غياب التغطية المالية من الجانب اللبناني".



بينما طالبت أحزاب وقوى شعبية يسارية وقومية الخميس الماضي في بيان لها، السلطات الأردنية "بفك الحصار الاقتصادي الأمريكي عن سوريا"، وقالت في بيانها: "يجب إلغاء ما يسمى “قانون قيصر” الذي فرضته الإدارة الأمريكية على سوريا لتدمير اقتصادها وزيادة معاناة شعبها".



وأضاف: "نطالب كل القوى الشعبية العربية بالتحرك لتشكيل جبهة شعبية عربية تضغط على حكوماتها لكسر الحصار على سوريا".



آمال رسمية باستقرار سوريا

الحكومة الأردنية بدورها تأمل أن تستقر الأوضاع في سوريا، وشدد وزير الاتصال الحكومي الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية فيصل الشبول،  أن "ما يهم الأردن أن تستقر الأوضاع في سوريا وتنتهي الأزمة ويقرر الشعب هناك مستقبله".



وأضاف أن "المجتمع الدولي خذلنا في الاستجابة للأزمة السورية، فمساهمته السنوية لا تتعدّى الـ23 بالمئة من احتياجات الرعاية لهم".



وأضاف: "كان لهذه الأزمة تداعيات وما زالت.. لدينا 1.3 مليون لاجئ سوري تقدم لهم الأردن الرعاية الصحية والتعليم وكافة الخدمات رغم الموارد المحدودة، ومن بينها المياه على سبيل المثال".



وتابع: "اليوم هنالك أطراف متعددة في الأزمة السورية مثل: الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، وإيران، وإسرائيل، وتركيا".