برامج صندوق النقد الدولي مع الأردن من 1989 -2016

برامج صندوق النقد الدولي مع الأردن من 1989 -2016
الرابط المختصر

 

نشر مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية برامج صندوق النقد الدولي مع الأردن من العام 1989 -2016 النتائج والدروس المستفادة. وقال المركز في مقدمة دراسته التي حصلت  صحيفةالدستور على نسخة منها « تأتي هذه الورقة لتسليط الضوء على برامج إعادة الهيكلة التي نفذتها الحكومات الأردنية المتعاقبة بشكل عام وخاصة بعد تطبيق بعض الإجراءات التقشفية التي تضمنت رفع الضرائب على مجموعة من السلع بداية العام.

 

 

وكذلك، الجدل الذي ثار حول تعديل قانون ضريبة الدخل الحالي كجزء من متطلبات صندوق النقد الدولي لضبط المالية العامة والتعامل مع العجز في الموازنة.

 

 

وقال انه من المعروف أن الحكومات تلجأ للصندوق في حالة الأزمات المالية وتتفاوض الحكومة مع الصندوق على إجراءات الواجب اتخاذها لمعالجة تلك الاختلالات. لقد مضى على تعاون الحكومات المتعاقبة مع صندوق النقد الدولي أقل من ثلاثين عاماً تم خلالها تنفيذ برنامجين من الاستعداد الائتماني (1989-2004) و(2012-2015) إضافة إلى برنامج التسهيل الائتماني الممتد الحالي (2016-2019) والتي هدفت إلى إعادة الاستقرار الكلي للاقتصاد الأردني ومواجهة بعض التحديات الهيكلية وبخاصة في أوضاع المالية العامة.  وقال تبنى الأردن العديد من برامج الإصلاح الاقتصادي؛ بهدف إعادة الاستقرار الاقتصادي الكلي من خلال التقليل من الاختلالات الداخلية والخارجية المتمثلة بارتفاع عجز الموازنة العامة؛ ونسب الميديونية. وقد تم دعم هذه الخطط من قبل المؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي (IMF) من خلال برنامجين من ترتيبات الاستعداد الائتماني (SBA) وثلاثة برامج للتسهيل الممتد (EFF) خلال الفترة (1989-2004) وبرنامج الاستعداد الائتماني (2012-2015)، إضافة إلى برنامج التسهيل الائتماني الممتد الحالي (2016-2019). وهدفت هذه البرامج إلى إعادة الاستقرار الكلي للاقتصاد الأردني ومواجهة بعض التحديات والمشكلات الهيكلية، وبخاصة في أوضاع المالية العامة والقطاع الخارجي.

 

ومن الجدير بالذكر أن الاقتصاد الأردني تأثر، ومنذ الأزمة الاقتصادية في أواسط الثمانينيات، بالظروف الاقتصادية والسياسية والإقليمية، ففي الفترة التي تم البدء بها بتنفيذ برنامج الصندوق العام 1989، اندلعت أزمة الخليج الثانية باحتلال العراق للكويت والتي أدت إلى عودة أكثر من ربع مليون أردني من الخليج بعامة والكويت بخاصة، ما كان له أثر إيجابي على الوضع الاقتصادي في الأردن، نتيجة استثمارات العائدين من الكويت.

 

كذلك، وبعد احتلال العراق في العام 2003 شهد الأردن هجرة كبيرة للعراقيين، وكان جزء ليس بسيطاً منهم من أصحاب رؤوس الأموال، الأمر الذي أثر إيجابياً أيضاً على النمو الاقتصادي، وبخاصة في بعض القطاعات.

 

لكن النزاعات المحلية والإقليمية، ولا سيما الصراع الداخلي في سورية والعراق، كان لها تأثير سلبي؛ إذ استقبل الأردن أعداداً كبيرة من اللاجئين السوريين، وكان لإغلاق الحدود مع سورية والعراق أثر كبير وسلبي على الصادرات الأردنية لهذين البلدين، فقد كان الأردن معبر ترانزيت لهذين البلدين باتجاه الدول الأخرى.

 

لذلك، لا بد من أن يأخذ تقييم أداء الاقتصاد الأردني في الفترة التي تم تطبيق برامج صندوق النقد الدولي بها، بالحسبان التطورات الإقليمية التي تم الإشارة إليها، سواء أكانت هذه الآثار إيجابية أم سلبية.

 

اما أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة فاشارت الى هدف الحكومة من خلال الدخول إلى برامج صندوق النقد الدولي إلى إعادة الاستقرار الكلي للاقتصاد والمحافظة عليه، إضافة إلى تصحيح الاختلالات الهيكلية فيه وبخاصة في مجال المالية العامة وتوفير التمويل اللازم للقيام بهذه الإصلاحات.

 

وقال «لم تتحقق أهداف برامج صندوق النقد الدولي التي تم تطبيقها في الأردن لمؤشرات الأداء، مثل: زيادة معدلات النمو الاقتصادي؛ وتخفيض معدلات التضخم؛ ومعالجة الاختلالات الهيكلية المزمنة في المالية العامة».

 

وارتفعت معدلات النمو الاقتصادي بشكل كبير في العام 1992، وبلغت هذه المعدلات حوالي 14% نتيجة زيادة حجم الاستثمارات الناجمة عن العائدين من الكويت.

 

واشارت الدراسة الى تحسن أداء الاقتصاد الأردني بعد العام 2004 تحسناً ملحوظاً في العديد من المؤشرات الاقتصادية الكلية، وبالأخص في النمو الاقتصادي، إذ نما الناتج المحلي الحقيقي للمملكة بمتوسط 7.9% خلال الفترة (2005-2008) نتيجة ارتفاع حجم الاستثمارات العراقية في المملكة، ومدفوعاً بزيادة الطلب العالمي على السلع والخدمات الأردنية، واسترداد الثقة بالدينار الأردني بعد ربطه بالدولار الأمريكي في منتصف التسعينيات.

ولا تتوافر في جميع برامج الصندوق سياسات اقتصادية ذات بعد تنموي؛ إذ تركز على الإصلاح المالي في الموازنة العامة والقطاع النقدي بشكل رئيس.

ولم يتم الالتزام بالإطار الزمني المتفق عليه بين الحكومة وصندوق النقد الدولي، ما ترك أثرا سلبياً على أداء الاقتصاد الأردني.

 

 

وبينت الدراسة انه لم تلتفت العديد من الخطط الاقتصادية حتى العام 2004 إلى المخاطر التي قد تنجم عن انخفاض حجم المساعدات الخارجية المستلمة على الاقتصاد الكلي في حين تم الأخذ بالحسبان اثر الارتفاع/ الانخفاض في حجم المساعدات الخارجية المستلمة على الأداء المالي للحكومة ضمن الشروط التي يتم الاتفاق عليها في برامج الأردن مع الصندوق للأعوام (2012-2015) و(2016-2019).

 

 

واشارت الدراسة الى انه لم تتضمن برامج صندوق النقد الدولي حلولاً واستراتيجيات طويلة الامد؛ نظراً لجمود بعض بنود الاتفاق الحكومي، مثل: الأجور؛ والرواتب؛ والتقاعد. بل ركزت على التقنين من حجم الزيادات في هذه البنود، ما أدى إلى استمرار المشكلات الهيكلية في بنود الانفاق الحكومي حتى تاريخه.

 

 

ولم تتضمن برنامج الصندوق مراجعة للسياسات التجارية الحالية وسياسات تشجيع الصادرات المتبعة، مع أنه يركز على التقليل من الاختلالات الهيكلية المتمثلة بارتفاع عجز الحساب الجاري، ما يؤكد أن البرنامج الحالي الذي تم تبنيه بالاتفاق مع الصندوق، يركز على وضع أهداف كمية قطاعية لا تلتفت إلى الإطار الكلي للاقتصاد الوطني والأطر التشريعية الناظمة له.

 

 

واضافت الدراسة «يركز البرنامج الأخير للحكومة مع صندوق النقد الدولي على استدامة أوضاع المالية العامة والدين العام دون الالتفات إلى تنافسية المملكة وزيادة فرص الاستثمار الأجنبي في المملكة إذ ركزت معظم الإجراءات على رفع حصيلة الإيرادات الحكومية بشكل كبير، ما يقلل من تنافسية المملكة مقارنة مع الدول المجاورة لها، وبخاصة دول الخليج العربي، الأمر الذي سيقلل من فرص تحقيق الافتراضات التي بُني عليها هذا البرنامج، وبخاصة زيادة حجم استثمارات القطاع الخاص (المحلية؛ والأجنبية) لدفع عجلة النمو الاقتصادي».

 

 

واكدت الدراسة ان برنامج الصندوق لا يمكن اعتباره بديلاً عن الخطط الاقتصادية الوطنية التي تهدف إلى زيادة النمو الاقتصادي، ورفع مستويات التنمية في المحافظات.

 

 

وفي ظل هذه المعطيات؛ فقد خرجت الدراسة بجملة من الدروس المستفادة والتوصيات ودعت الى إعادة النظر باستمرار تطبيق برامج صندوق النقد الدولي للمرحلة المقبلة، والعمل على إيجاد خطط اقتصادية وطنية بديلة.تحديد أولويات الإصلاح التشريعي للقوانين الاقتصادية والانطلاق منها نحو وضع أهداف على المستوى القطاعي والجزئي قابلة للقياس لزيادة الشفافية والمساءلة.

 

 

وتحديد حجم الإصلاح المطلوب وزخمه بدقة، وبخاصة في مجالي: المالية العامة؛ والقطاع الخارجي، المحدد في خطط الإصلاح الوطني بدقة، ومراجعة الأطر العامة لهذه الأهداف للتأكد من اتساقها وقدرة المملكة على المضي قدماً بتنفيذها.

 

 

ودعت الى إجراء مراجعة شاملة لقانون ضريبة الدخل ليس فقط بهدف زيادة إيرادات المالية للدولة، وإنما لتحقيق العدالة الاجتماعية وخاصة وقف التهرب الضريبي، وتحفيز النمو الاقتصادي.

 

 

وتمنت الدراسة الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في عملية الإصلاح الاقتصادي الناجحة بعد خروجها من برامج الصندوق، من خلال إجراء إصلاحات هيكلية على القطاع العام والموازنة العامة بشكل خاص.

 

 

وقالت الدراسة «أثرت الأزمة الاقتصادية التي مرت بها المملكة خلال الثمانينيات من القرن الماضي على أداء العديد من المؤشرات الاقتصادية الرئيسية؛ إذ انخفض الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 11% وارتفع التضخم بنسبة 25% في العام 1989، وذلك نتيجة أزمة ميزان المدفوعات التي أدت إى انهيار سعر صرف الدينار الأردني. وتعود جذور هذه الأزمة إلى فترة بداية الثمانينيات من القرن الماضي، إذ اتبعت المملكة العديد من خطط التنمية الاقتصادية، واعتمدت في تمويلها على القروض والمنح الخارجية. ومع انخفاض المنح والمساعدات الخارجية في منتصف الثمانينيات، استمرت الحكومة على العمل بهيكلة نفقاتها، واعتمدت على القروض الخارجية لتمويل العجوزات المسجلة في الموازنة العامة. وفي العامين 1987-1988 اتجهت الحكومة، بشكل كبير، للاقتراض الداخلي لسد عجز الموازنة، وذلك في ضوء عدم قدرة المملكة على الحصول على التمويل الخارجي اللازم، ما أدى إلى نفاذ احتياطات البنك المركزي من العملات الأجنبية، وانهيار سعر الصرف».

 

 

وفي ضوء هذه المتغيرات؛ تبنى الأردن العديد من خطط الإصلاح الاقتصادي بالتعاون مع صندوق النقد والبنك الدوليين؛ بهدف إعادة الاستقرار الاقتصادي الكلي من خلال التقليل من الاختلالات الداخلية والخارجية المتمثلة بارتفاع عجز الموازنة العامة ونسب المديونية والحساب الجاري لميزان المدفوعات وإعادة الثقة في الدينار الأردني. وبالرغم من العديد من الصدمات الخارجية التي تعرضت لها المملكة خلال الفترة (1989-2004)، إلا أنها نجحت في تحقيق بعض من الأهداف الرئيسية ضمن هذه البرامج على الرغم من بطء زخم الإصلاح الاقتصادي، وبخاصة في مجال المالية العامة.

 

 

وشهدت الفترة التي تلت خروج المملكة من برنامج صندوق النقد الدولي تحسناً ملحوظاً في العديد من المؤشرات الاقتصادية الكلية؛ فقد نما الناتج المحلي الحقيقي للمملكة بمتوسط 7.9% خلال الفترة (2005-2008) مدفوعاً بزيادة الطلب العالمي على السلع والخدمات الأردنية، واسترداد الثقة في الدينار الأردني بعد ربطه بالدولار الأمريكي في منتصف التسعينيات.

 

 

إلا أن الظروف الاقتصادية والعالمية غير المواتية أثرت سلباً على أداء المملكة الاقتصادي، وبخاصة بعد تأثر المملكة بالأزمة المالية العالمية في العام 2009، وما تلاها من أحداث «الربيع العربي» التي أثرت على الاستقرار السياسي والاقتصادي للعديد من دول المنطقة، ما أثر على طرق التجارة البرية التي تربط المملكة مع دول الإقليم، إضافة إلى تقطع إمدادات المملكة من الغاز المصري بعد ثورة 25 يناير العام 2011.

 

 

وإزاء هذه التحديات؛ تبنت المملكة خطة للإصلاح الوطني، بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، في العام 2012 لمعالجة الاختلالات التي نتجت عن الظروف السياسية والاقتصادية المحلية والإقليمية. وقد هدفت هذه الإصلاحات إلى العودة بعجز الموازنة والحساب الجاري إلى مستويات مستدامة، وتخفيض حجم الدين العام، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي الشمولي والمستدام.

 

 

وبالرغم من الإنجازات المحدودة التي حققها الأردن خلال فترة البرنامج (2012-2015) نتيجة استمرار الصراع السياسي في سورية والعراق، وتزايد الضغوط على المملكة الناجمة عن تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين للمملكة؛ استمرت المملكة بالنهج الإصلاحي مع صندوق النقد الدولي من خلال دخولها ببرنامج آخر للفترة (2016-2019). ويهدف هذا التقرير إلى تسليط الضوء على برامج الإصلاح الاقتصادي التي اتبعها الأردن مع صندوق النقد الدولي منذ نهاية الثمانينيات وحتى تاريخه. كما يهدف التقرير إلى تقييم الآثار المتوقعة لتطبيق برنامج التسهيل الائتماني الممتد الأخير مع صندوق النقد الدولي، والخروج ببعض الدروس المستفادة.

 

 

وعن برنامج صندوق النقد الدولي خلال الفترة (1989-2004) فقد تبنى الأردن العديد من الخطط الاقتصادية الهادفة إلى معالجة الاختلالات الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد، وذلك بعد تأثر المملكة بأزمة ميزان المدفوعات، وانهيار سعر صرف الدينار الأردني في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي. وقد تم دعم هذه الخطط من قبل المؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي (IMF) من خلال برنامجين من ترتيبات الاستعداد الائتماني (SBA) وثلاثة برامج للتسهيل الممتد (EFF) خلال الفترة (1989-2004).

 

 

وأجرى صندوق النقد الدولي (IMF) تقييماً لهذه البرامج وخلص الصندوق إلى أن نجاح هذه البرامج كان متواضعاً لأن هذه البرامج لم تكن تحوي على التحليل الكافي لعلاقة الإصلاحات الاقتصادية المقترحة ضمن البرنامج والنمو الاقتصادي. وبالرغم من هذا الأداء استطاعت المملكة تخفيض حجم الديون الخارجية، وإعادة أوضاع المالية العامة إلى مستويات قابلة للاستمرار، وإعادة الثقة بالاقتصاد الوطني، ما أدى إلى إعادة تراكم الاحتياطات الأجنبية إلى مستويات مريحة.

 

 

اما ملخص لما حققته برامج صندوق النقد الدولي لأهم المؤشرات التي تعكس الاقتصاد الأردني خلال تلك الفترة فقد أظهرت نتائج تقييم برامج الصندوق خلال 1989-2004 أن أهداف النمو الفعلية للاقتصاد للمملكة لم تتوافق مع توقعات البرنامج خلال هذه الفترة، فقد شهدت معدلات النمو انتعاشاً في العام 1992 بحيث بلغ معدل النمو حوالي (14%) نتيجة انخفاض المستوردات، إضافة إلى عودة العديد من الأردنيين وقدوم بعض العرب نتيجة أحداث الخليج في تلك الفترة، ما أنعش مجالات الاستثمار في المملكة، بينما في العامين 2003 و2004 نمت الصادرات، وكان المصدر الرئيسي لنمو الناتج هو ارتفاع صادرات المملكة من خلال «المناطق الصناعية المؤهلة»، إضافة إلى الحرب على العراق وقدوم العديد من العراقيين للمملكة، وكان لهما الأثر الإيجابي على رفع حجم الاستثمار ورفع معدلات الانتاجية خلال ذلك العام.

 

 

وأظهرت نتائج التضخم أنها تميل إلى أن تكون أقل من المستهدف من قبل الصندوق قبل ربط الدينار بالدولار الأمريكي بشكل واضح، وكان ذلك يعكس ظروفاً نقدية أكثر تشدداً مما كان متوقعاً منذ العام 1992 وحتى العام 2004. وبعد ربط الدينار الأردني بالدولار الأمريكي منذ منتصف التسعينيات، وبقي التضخم أقل مما كان متوقعاً، حتى في الفترات التي نما فيها الانفاق الحكومي بشكل أسرع مما كان متوقعاً.

 

 

وانخفض العجز المالي، بشكل ملحوظ، خلال فترة النصف الأول من التسعينيات، وهو ما يفوق بكثير أهداف برنامج ترتيبات الاستعداد الائتماني (SBA) التي تم وضعها آنذاك. فقد تراوح حجم العجز ما بعد المنح المتحقق خلال الفترة 1989-2004 ما بين (94.4-327.3) مليون دينار ومن الجدير بالذكر أن المملكة سجلت وفراً مالياً فعلياً خلال الفترة (1992-1996) نتيجة اعتماد الحكومة، بشكل كبير، على سد العجز من خلال المساعدات الخارجية خلال فترة تطبيق برامج الصندوق.

 

وقالت إن تكوين الإيرادات الحكومية قد تغير على نطاق واسع بما يتماشى مع أهداف الإصلاحات الهيكلية المالية الموضوعة في البرامج، بحيث أن محاولات إجراء إصلاحات على نظام الضرائب والتعريفات الجمركية على الواردات من أجل منع تآكل الإيرادات فيما يتعلق بالناتج المحلي الإجمالي فشلت في تحقيق هدفها واستهلكت ضريبة الاستهلاك السابقة التي حلت محلها ضريبة السلع والخدمات ذات القاعدة العريضة التي توسع نطاقها مع مرور الوقت، ولكن بوتيرة أعلى من المتوقع. وأدت الإصلاحات الضريبية على الدخل إلى تخفيض معدلات الضرائب الهامشية وتخفيض عدد النطاقات الضريبية وبعد الانخفاض الحاد في أوائل التسعينيات، لم يحرز سوى تقدم محدود في توحيد النفقات.

 

وشهدت الفترة التي تلت خروج المملكة من برامج صندوق النقد الدولي منذ العام 2004 تحسناً ملحوظاً في العديد من المؤشرات الاقتصادية الكلية، إذ نما الناتج المحلي الحقيقي للمملكة بمتوسط 7.9% خلال الفترة (2005-2008) مدفوعاً بزيادة الطلب العالمي على السلع والخدمات الأردنية، واسترداد الثقة في الدينار الأردني بعد ربطه بالدولار الأمريكي في منتصف التسعينيات. وأثرت التوترات الإقليمية والأزمة الاقتصادية العالمية بشكل سلبي على الدخل السياحي وحوالات العاملين والاستثمار الأجنبي المباشر وارتفعت أسعار النفط والغذاء عالمياً.

 

وأدى الانقطاع المتكرر لإمدادات الغاز الطبيعي من مصر خلال العام 2011، نتيجة الاعتداء على خط الغاز العربي في شبه جزيرة سيناء، إلى زيادة الاستيراد من المشتقات النفطية مرتفعة السعر لتوليد الكهرباء. ونتيجة لذلك تباطأ النمو بشكل ملحوظ، واتسع عجز الحساب الجاري خلال العام 2011 ليصل إلى 12.0% من الناتج المحلي الإجمالي (GDP) مقابل 7.1% خلال العام 2010.

 

وارتفعت عائدات السياحة بنسبة 19.0% خلال النصف الأول من العام 2012، وبدأت حوالات العاملين بالتعافي، إضافة إلى تراجع أسعار النفط عالمياً مقارنة بمستوياتها في نهاية النصف الأول من العام 2012.

 

من أجل الحفاظ على الاستقرار المالي والخارجي، لجأت الحكومة لصندوق النقد الدولي لإجراء برنامج استعداد ائتماني لمعالجة الاختلالات التي يعانيها الاقتصاد في تلك الفترة من خلال اتخاذ بعض الإجراءات الإضافية.

 

واما اهداف البرنامج التي تم الاتفاق عليها مع صندوق النقد الدولي الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي من خلال تطبيق السياسات المالية والنقدية والهيكلية المناسبة لتخفيض الاختلالات الخارجية في بيئة عالمية وإقليمية صعبة تسودها ظروف عدم اليقين.

 

ووضع سياسات حكومية أكثر عدالة وشمولية، وتوجيه الدعم وتوفير فرص أفضل لفئات المجتمع الفقيرة، وإزالة الدعم للفئات ذات الدخل المرتفع.

 

ودعم النمو والوضع الخارجي في الأمد المتوسط، وذلك من خلال استهداف إصلاحات هيكلية لتحسين مناخ الاستثمار.

 

وأظهرت نتائج النمو الفعلية المتحققة للاقتصاد للمملكة خلال الفترة 2012-2015 أنها لم تتوافق مع توقعات البرنامج خلال هذه الفترة، وبقيت في حالة تباطؤ.

وسجلت معدلات التضخم خلال العامين 2012 و2013 ارتفاعاً ملحوظاً نتيجة الارتفاع في أسعار المحروقات، وهو معاكس لما توقعه الصندوق بأن معدلات التضخم في المملكة ستشهد انخفاضاً خلال النصف الأخير من العام 2012 وفي العام 2013، إلا أن معدلات التضخم تراوحت بين (4.52%-4.82%)، وأن انخفاض معدلات التضخم بدأ بالعام 2014 واستمر بالانخفاض لغاية العام 2015 ، في تخفيض عجز الحساب الجاري، إلا أنه ما زال مرتفعاً نتيجة انخفاض دخل السياحة وحوالات العاملين والصادرات السلعية.

 

تهدف حزمة الإجراءات الإصلاحية في مجال المالية العامة إلى استقرار مستويات الدين العام عند مستوى 94% من الناتج في العام 2016. ومن ثم تخفيضه بشكل تدريجي ليصل إلى 77% من الناتج في العام 2021.

 

واتفقت بعثة الصندوق مع وزارة المالية على أن الإصلاحات المالية المطلوبة للوصول إلى المستويات الهادفة مع الحفاظ على الإنفاق الرأسمالي، وإصلاح الإعلانات التحويلية بحوالي 4.5% من الناتج خلال الفترة (2017-2019).

 

وينصح الصندوق البدء بالإصلاحات المتعلقة بالإعفاءات الضريبية قبل ضريبة الدخل مع توزيع الانفاق حسب الأولوية، وبخاصة الانفاق الرأسمالي؛ والتخلص من متأخرات السداد بشكل تدريجي (وبخاصة الصحة).

 

وستبدأ الحكومة بتطبيق هذه الإصلاحات من خلال إصلاح هيكل الإعفاءات الضريبية اعتباراً من بداية العام 2017، وبخاصة بما يتعلق بالإعفاءات الجمركية والضريبية العامة على المبيعات، وتطبيق نظام أكثر شفافية وعدالة.

 

وإدراج تخفيض الإعفاءات ضمن مشروع الموازنة العامة للعام 2017 والذي سيتضمن تخفيض العجز الأولي للموازنة ليصل إلى ما نسبته 2.5% كما ستتضمن إصلاحات بما نسبته 1.5% في جانب الإيرادات والتي سيتأتى معظمها من تخفيض الإعفاءات على الضريبة العامة للمبيعات.

والبدء بوضع مشروع لتعديل قانون ضريبة الدخل، وتقديمه في نهاية العام 2016 للبرلمان، متضمناً تخفيض حد الإعفاء الأدنى للأفراد بما يتناسب مع المستويات العالمية، ورفع نسبة الضريبة على الشركات بما يتناسب مع الحد الأعلى لضريبة الدخل على الأفراد ويجب على الحكومة الالتزام بنسب الارتفاع في الأجور للقطاع العام وتخفيض متأخرات السداد بشكل تدريجي وزيادة الشفافية المالية وتقوية البيئة الاقتصادية، وتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد والحفاظ على مستويات آمنة من الاحتياطيات للحفاظ على استقرار سعر صرف الدينار.

 

 

وتضمن البرنامج ثلاثة محاور رئيسية هي سياسات المالية العامة؛ والسياسات النقدية؛ والسياسات الهيكلية لتحفيز النمو وخلق الوظائف وبينت وثائق الصندوق ان البرنامج قد تم الاتفاق عليه مع الحكومة.

 

 

وجاء في البرنامج أن الحكومة اتفقت مع صندوق النقد الدولي على إجراء إصلاحات لتقوية أوضاع المالية العامة بشكل تدريجي خلال فترة البرنامج؛ إذ قامت الحكومة بتطبيق العديد من الإجراءات (بلغ حجم هذه الإجراءات ما نسبته 0.8% من الناتج في العام 2016) من أجل العمل على استقرار حجم الدين العام في العام 2016، فقد استقر مستواه عند حوالي 94.0% من الناتج المحلي الإجمالي. وتهدف الحكومة من خلال هذه الإجراءات إلى تخفيض هذه النسبة لتصل إلى 77% بحلول العام 2021.

 

 

وأبدت الحكومة التزامها بهذا البرنامج؛ إذ اتفقت الحكومة مع البعثة على إدراج سلطة المياه (WAJ) مع شركة الكهرباء الوطنية ضمن عجز الموازنة المجمع الذي يعد من أحد الأهداف الكمية للبرنامج، وذلك في ضوء الحاجة إلى الاستمرار في الانفاق الرأسمالي ضمن هذين القطاعين.

 

 

وأدت الإجراءات الضريبية التي تم اتخاذها على التبغ والمشروبات الكحولية والمشتقات النفطية خلال العام 2016، إضافة إلى إزالة بعض الإعفاءات الضريبية التي تم تبنيها في نهاية العام 2015 إلى زيادة الحصيلة الضريبية بنسبة 0.3% من الناتج والتي لم يتم تضمينها في الإطار الكمي لبرنامج الصندوق للأعوام (2017-2019) كما قامت الحكومة بتبني بعض الإصلاحات الأخرى في جانب الإيرادات غير الضريبية، مثل: إعادة النظر في قرار تخفيض الرسوم والضرائب على شراء الأراضي لرفع التحصيل الضريبي للتخفيض من حجم متأخرات السداد ضمن القطاع الصحي وقطاع الطاقة وضمان استقرار الدين العام.

ويلاحظ من خلال وثائق البرنامج الذي تم الاتفاق عليه مع الصندوق بأنه يحتوي على التركيز على جانب الإيرادات في تخفيض عجز الموازنة العامة؛ إذ ينص الاتفاق على تخفيض الإعفاءات على الضريبة العامة على المبيعات والجمارك، إضافة إلى تعديل قانون ضريبة الدخل وتوسيع القاعدة الضريبية. كما تم الاتفاق على تخفيض نسبة الضريبة العامة على المبيعات إلى 12% بدلاً من 16%، وعلى أن تبقى شركة الكهرباء الوطنية ضمن وضع استرداد الكلفة التشغيلية ووضع خطة مشابهة لشركة المياه لتصل إلى وضع استرداد الكلفة في العام 2020.

 

وترتيب الانفاق حسب الأولويات وتخفيض الدين العام من حوالي 94% في نهاية العام 2016 إلى حوالي 77% العام 2021.

وأشار البرنامج إلى ضرورة استمرار السياسة النقدية في الحفاظ على احتياطيات كافية من العملات الأجنبية، وذلك للحفاظ على نظام سعر الصرف الثابت. إذ أن السياسات النقدية المتبعة وأسعار الفائدة الرئيسية على أدوات السياسة النقدية، متوافقة مع الوضع الاقتصادي في المملكة في ظل انخفاض معدل التخضم الأساسي وارتفاع الفجوة بين الناتج الحقيقي والممكن وارتفاع معدلات البطالة وتوافر احتياطيات كافية لدى البنك المركزي الأردني..

 

وأكد البرنامج على نية الحكومة القيام بإصلاحات هيكلية عميقة من أجل تعزيز النمو المستدام، وزيادة حجم فرص العمل المستحدثة، وتهدف الإصلاحات زيادة مشاركة القوى العاملة والتقليل من حجم اقتصاديات الظل، وتعزيز بيئة الأعمال، والتأكيد على استدامة قطاعي المياه والطاقة، وتعزيز الحوكمة في القطاع العام.

 

كما تضمنت الإصلاحات الهيكلية تسهيل الوصول إلى التمويل، وتوسيع قاعدة المستفيدين من الخدمات المالية، وذلك من خلال الإسراع في بدء عمل مكتب المعلومات الائتمانية (Credit bureau) وتطوير استراتيجية للاشتمال المالي، إضافة لذلك تضمن البرنامج العديد من الإجراءات لتعزيز التنافسية، وزيادة مشاركة المرأة في الاقتصاد، وتقوية شبكات الأمان الاجتماعي، وتحسين أطر حوكمة القطاع العام.

 

ويرتبط الانخفاض في الناتج المحلي الممكن بعوامل ديموغرافية عدة، مثل: معدل النمو السكاني؛ والتطور التكنولوجي؛ وتوافر عناصر الإنتاج وآليات استخدامها بكفاءة. كما أن تصحيح الاختلالات في مختلف القطاعات وفي مجال المالية سيساهم في إطالة أمد التباطؤ في النمو الممكن. إذ أن الإصلاحات في أسواق العمل المحلية ما زالت تتم بوتيرة منخفضة، ومعدلات تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر ما زالت منخفضة، وأقل من أعلى مستوى متحقق في العام 2006 بنسبة 56.5% كنسبة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، وبالأرقام المطلقة، ما يشير إلى تباطؤ وتيرة تراكم رأس المال في المملكة.

 

ويلاحظ أن جميع برامج الصندوق تدعم تحرير القطاعات، وتعتمد على تحفيز النمو الاقتصادي من خلال الانفتاح التجاري الذي لم يتم ربطه خلال جميع البرامج التي تم دخولها مع الصندوق مع قدرات القطاع التصديرية للمملكة ودون الالتفات إلى الإصلاحات الهيكلية في المجال التشريعي والإداري. فالإصلاح الهيكلي في المملكة منذ أزمة ميزان المدفوعات في العام 1989 غالباً ما كان انتقائياً وغير منسق، وينتهي بانتهاء البرامج لتحفيز النمو مع المؤسسات الدولية أو مع انتهاء التمويل الخارجي للقطاعات المراد تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية فيها.

 

كما أن الإصلاحات الاقتصادية غالباً ما يتم وضعها قيد التنفيذ دون التطرق إلى التشاور مع القطاعات ذات العلاقة أو مراجعة هذه الإصلاحات، وتلافي نقاط الضعف التي ربما تكون ناتجة عن السياسات الحكومية غير الكفؤة في هذا المجال.

كما يلاحظ بأن جميع برامج الصندوق لم تتطرق إلى القطاعات الجزئية كالمشكلات التي يعاني منها القطاع الزراعي والصناعي في المملكة كتسويق المنتج الزراعي والصناعي الأردني محلياً وإقليمياً، فإعادة التفاوض في اتفاقية التجارة بين الأردن والاتحاد الأوروبي لم تأت كثمرة لعمل القطاع الحكومي مع القطاع الخاص لمعالجة صعوبة وصول المنتجات الأردنية للأسواق الأوروبية، بل جاء نتيجة التطورات السياسية وأثر أزمة اللجوء السوري على الدول الأوروبية.

 

وعليه؛ لا بد لهذه البرامج من أن تركز أولاً على إصلاح القطاع الحكومي؛ وتعزيز الشفافية والمساءلة وسيادة القانون ومكافحة الفساد لزيادة الثقة في الحكومة، وقدرتها على قيادة الإصلاح الاقتصادي في المملكة من خلال اعتماد النهج التشاوري مع الأطراف الأخرى.

أما الإنفاق الجاري الحكومي؛ فقد وجد بأن أثره ليس ذا دلالة إحصائية. ولكن عند تفصيل مكونات الإنفاق الجاري، يلاحظ بأن الإنفاق الحكومي على السلع والخدمات يتراوح بين (0.9-1.0) في الفترة قصيرة الأجل، و(1.7-2.2) في الفترة طويلة الأجل.

 

أما الرواتب والأجور؛ فبالرغم من ارتفاع حجم مضاعفها في الأجلين الطويل والقصير، إلا أنه ليس ذا دلالة إحصائية، وكذلك الأمر بالنسبة للإنفاق العسكري والإعانات ومدفوعات الفائدة، ما يشير إلى أن تقوية إصلاحات المالية العامة يجب أن تتركز في الرواتب والأجور والإنفاق العسكري بشكل أكبر من الإنفاق الحكومي الجاري على السلع والخدمات، وبخاصة إذا أخذنا بالحسبان بأن حجم الحكومة (مقاساً بمجموع الإيرادات المحلية والإنفاق الكلي إلى الناتج المحلي الإجمالي) قد بلغ بالمتوسط خلال الفترة (2006-2016) حوالي 56.9%. كما تنصح العديد من الدراسات بعدم تطبيق إجراءات التقشف المالي، وتقوية الموازنة العامة قبل الوصول إلى معدل نمو اقتصادي مستدام.

 

وحول أثر تطبيق برنامج الصندوق على خلق الوظائف للأردنيين ركز برنامج التسهيل الائتماني الممتد على ضرورة تحفيز النمو الشمولي وخلق الوظائف في المملكة، إلا أن جميع هذه البرامج لم تقم بقياس أثر هذه السياسات المنوي اتباعها في برنامج صندوق النقد الدولي (IMF)، فمنذ بداية البرنامج ما زالت نسب البطالة تراوح نسب ما قبل البرنامج. كما يلاحظ ارتفاع معدل البطالة خلال الربع الرابع من العام 2016 ما نسبته 15.8%، إذ بلغ المعدل للذكور 13.8% مقابل 24.8% للأناث للفترة نفسها بارتفاع نسبته 2.2 نقطة عن الفترة نفسها من العام 2015. كما يلاحظ التفاوت الواضح في معدلات البطالة بين العاصمة والمحافظات، والتفاوت في معدلات البطالة بين الذكور والإناث.

 

وحول أثر تطبيق برناج الصندوق على الاستثمار الأجنبي المباشرفمنذ تأثرت المملكة بالأزمة الاقتصادية والمالية العالمية في العام 2009، تأثر الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد إلى المملكة، إذ انخفض بنسب كبيرة، وبخاصة في العام 2010 بنسبة 30.0% وفي العام 2015 بنسبة 26.5% ليصل إلى حوالي 1,092.6 مليون دينار في العام 2016 منخفضاً بما نسبته 56.5% عن أعلى مستوى وصله في العام 2006.

 

وتركزت جميع الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة للمملكة في الشركات القائمة والمدرجة في بورصة عمان.

 

ويلاحظ بأنه قد برزت العديد من المبادرات الهادفة إلى زيادة حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المملكة إلا أنه وبالرغم من جميع المبادرات الهادفة إلى رفع حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة للمملكة، يلاحظ انخفاض نسب المساهمة في العديد من القطاعات في بورصة عمان منذ الأزمة المالية العالمية، وبخاصة ضمن قطاع الخدمات، في حين استقرت نسبة مساهمة الأجانب في القطاع المالي، ولا سيما في قطاع البنوك، ومن خلال مقارنة إجمالي نسبة الضريبة في المملكة (والتي تقيس قيمة الضرائب والمساهمات الإجبارية من قبل الشركات في القطاعات المختلفة بعد الأخذ بالحسبان الإعفاءات الضريبية كنسبة من الأرباح التجارية للشركات، ويتم استثناء الضرائب على الأفراد والضرائب التي تجمع من قبل الشركات، وتحول للحكومة كضريبة القيمة المضافة وضرائب المبيعات على السلع والخدمات) يمكن أن نفسر انخفاض حجم تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر للمملكة خلال الفترات الماضية.

 

ويلاحظ ارتفاع معدل الضرائب مقارنة مع دول الخليج العربي خلال العام 2016، كما يلاحظ ارتفاع نسبة الضرائب على التجارة الدولية مقارنة مع العالم العربي؛ إذ بلغت حوالي 5.3% في العام 2011 حسب بيانات البنك الدولي، في حين بلغت حوالي 4.82% بالنسبة للعالم العربي، ما يدل على عدم قدرة المملكة على المنافسة لجذب المستثمرين الأجانب، وبخاصة مع دول الخليج العربي من الناحية الضريبية.

 

وفي حال قيام المملكة بتطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تبنته الحكومة بالتعاون مع صندوق النقد الدولي (IMF) فإن نسب الضرائب سترتفع بشكل كبير، كون حجم الإصلاحات المالية المطلوبة هي حوالي 4.5% من الناتج خلال فترة البرنامج، الأمر الذي سيؤثر في قدرة القطاع الخاص والمستثمرين الخارجيين على قيادة دفة النمو الاقتصادي في المملكة.

 

كما وجدت مجموعة من الدراسات الاقتصادية بأن أثر الاستثمار الأجنبي المباشر في مجمل إنتاجية عوامل الإنتاج ذو أثر محدود، وذلك لأن جزءاً كبيراً من هذه التدفقات يتركز في الصناعات الاستخراجية والصناعات التحويلية الخفيفة، وليس في الصناعات ذات التكنولوجيا المتوسطة والمرتفعة، كما أن الاستثمارات في المناطق الصناعية المؤهلة تتركز في المنسوجات والملابس، وهي صناعة منخفضة التكنولوجيا، كما أن العديد من العاملين ضمن هذه الصناعات ليسوا أردنيين.

وعليه؛ فإن إمكانية الاستفادة من التكنولوجيا المتاحة في هذه المناطق محدودة. كما وجد بأن التخاصية لم تؤثر في حركة تراكم رأس المال، وبخاصة في ظل انخفاض حجم هذه التدفقات مقارنة مع العديد من الدول النامية والمتقدمة.

 

وحول أثر تطبيق برنامج الصندوق على الاحتياطيات الأجنبية وسياسات سعر الصرف اكد برناج الصندوق على أن هدف السياسة النقدية سيبقى بالحفاظ على مستويات آمنة من الاحتياطيات للحفاظ على استقرار سعر صرف الدينار. وقد ذكر البرنامج أن انخفاض أسعار النفط عالمياً منذ العام 2014 وإتباع سياسة نقدية توسعية، سيساهم في دفع عجلة النمو الاقتصادي في الأجل المتوسط، كما توقع الصندوق أن ترتفع تكاليف الاقتراض بشكل تدريجي نتيجة التطورات في السياسة النقدية في الولايات المتحدة الأميركية. كما أكد التقرير ضرورة أن تركز السياسة النقدية على وجود نسب مناسبة من الاحتياطيات للحفاظ على استقرار نظام سعر الصرف، ما يتطلب من البنك المركزي الحفاظ على جاذبية الدينار الأردني، وبخاصة في ظل تطورات أسعار الفائدة في الولايات المتحدة الأميركية؛ إذ على البنك أن يحافظ على هامش فائدة مقبول بين أسعار الفائدة على الدينار والدولار. وفي ظل توقع ارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة الأميركية، قام البنك المركزي برفع أسعار الفائدة بحوالي 75 نقطة منذ بداية العام الحالي، وذلك للحفاظ على حجم مريح من الاحتياطيات لدعم الاستقرار النقدي في المملكة، إلا أن ارتفاع أسعار الفائدة على الأدوات الرئيسية للسياسة النقدية قد أدى إلى ارتفاع كلف الإقراض، وبخاصة في ظل انخفاض المستوى العام للأسعار، وارتفاع الفجوة بين الناتج المحلي والممكن. وتوقع الصندوق ارتفاع صافي الموجودات من الذهب والعملات خلال فترة البرنامج.

 

إلا أن توقعات الصندوق لم تتحقق للعام 2016؛ إذ وصل صافي الموجودات من الذهب والعملات حوالي 14.8 مليار دولار، ما يدلل على ضعف قدرة البرنامج على توقع ديناميكية السوق الأردنية، وعكس التوقعات ضمن القطاعات الأخرى كالمالية العامة والتجارة الخارجية للسلع والخدمات، وعكسها على التطورات النقدية المتوقعة خلال فترة البرنامج.

 

كما يلاحظ بأن هدف الصندوق من زيادة حجم الدين الخارجي للمملكة هو توفير العملات الأجنبية اللازمة لضمان توافر كميات مناسبة من الاحتياطيات الأجنبية خلال فترة البرنامج، إذ أن الإصلاحات المالية ضمن البرنامج ستثبط من زخم النمو الاقتصادي، وبخاصة القطاع التصديري للسلع والخدمات، ما سيؤثر سلباً في حجم الاحتياطيات الأجنبية لدى البنك المركزي. وستؤدي هذه السياسة بالضرورة إلى زيادة المخاطر الخارجية التي سيتعرض لها الاقتصاد الأردني مستقبلاً، ولا سيما في ظل توقع استمرار ارتفاع أسعار الفائدة في السوق الأمريكية، ما يعيدنا بالذاكرة إلى أزمة العام 1989 التي عانت منها المملكة جراء ارتفاع الدين العام الخارجي بنسب كبيرة.

 

 

وفيما يتعلق بقدرة البرنامج على التخفيف من الاختلالات الخارجية قالت الدراسة «يعاني الأردن منذ فترة طويلة من اختلالات في ميزانه التجاري للسلع والخدمات، وقد ساهمت التوترات الإقليمية للدول المحيطة بالمملكة من زيادة حالة عدم اليقين وتقطع طرق المواصلات، وبخاصة نتيجة إغلاق الحدود بين العراق وسورية في ظل تراخي الحكومة عن دعم المصدر الأردني، ومساعدته في ترويج منتجاته عالمياً، وإيجاد أسواق بديلة للأسواق التقليدية التي تعتمد عليها المملكة. إذ يلاحظ ارتفاع تركز صادرات ومستوردات المملكة في عدد قليل من الدول.  ويدل ذلك على الخطر الكبير الذي من الممكن أن تتعرض له المملكة في حال إغلاق إحدى هذه الأسواق أو منع دخول المنتجات الأردنية إليها؛ نتيجة ظروف سياسية أو فنية. وقد توقع برنامج الصندوق بقاء العجز في ميزان المدفوعات مرتفعاً خلال الفترة (2016-2017) وذلك لتوقع استمرار انخفاض الصادرات والسياحة وحوالات العاملين، إضافة إلى انخفاض التحويلات المخصصة للاجئين السوريين، وتوقع أن يصل العجز إلى حوالي 8.5% من الناتج في الأمد المتوسط.

 

اما الاستنتاجات والتوصيات فقالت انه نتيجة لتأثر المملكة بالأزمة الاقتصادية التي مرت بها خلال الثمانينيات من القرن الماضي على أداء العديد من المؤشرات الاقتصادية؛ فقد تراجعت مستويات النمو الاقتصادي في المملكة لتصل إلى مستويات متدنية لا تتناسب مع الطموحات والأهداف الموضوعة من قبل الحكومة والصندوق ضمن برامجها الإصلاحية، وذلك نظراً لعدم مرونة هذه البرامج، وأخذها بالحسبان بعض المؤثرات الخارجية التي من الممكن أن تبطئ زخم الإصلاح الاقتصادي في المملكة.

 

وقد تبنى الأردن عدداً من برامج الإصلاح الاقتصادي التي هدفت إلى تحقيق الاستقرار الكلي، وقد ركزت هذه الخطط بمعظمها على إدارة المالية العامة والدين العام، والعودة بها إلى مستويات آمنة.

 

إذ قام الأردن بتنفيذ برنامج للإصلاح الاقتصادي خلال الأعوام (1989-2004) بالتعاون مع صندوق النقد الدولي (IMF) من أجل مواجهة الصدمات الخارجية التي تعرض لها، والحفاظ على الاستقرار الكلي.

ورغم تنفيذ المملكة هذه البرامج، إلا أن الأردن ما زال يواجه عدداً من التحديات الاقتصادية التي أفرزتها الظروف السياسية والاقتصادية والإقليمية والعالمية.

 

وشهدت الفترة التي تلت خروج المملكة من برنامج صندوق النقد الدولي تحسناً ملحوظاً في العديد من المؤشرات الاقتصادية الكلية إذ نما الناتج المحلي الحقيقي للمملكة بمتوسط 7.9% خلال الفترة (2005-2008) مدفوعاً بزيادة الطلب العالمي على السلع والخدمات الأردنية، وازدادت الثقة بالدينار الأردني بعد ربطه بالدولار الأميركي في منتصف التسعينيات.

 

إلا أن الظروف الاقتصادية الإقليمية والعالمية غير المواتية أثرت سلباً في أداء المملكة الاقتصادي، وبخاصة بعد تأثر المملكة بالأزمة المالية العالمية في العام 2009 وما تلاها من أحداث «الربيع العربي» التي أثرت في الاستقرار السياسي والاقتصادي للعديد من دول المنطقة، ما أثر على طرق التجارة البرية التي تربط المملكة مع دول الإقليم، إضافة إلى تقطع امدادات المملكة من الغاز المصري بعد ثورة 25 يناير العام 2011. وإزاء هذه التحديات تبنت المملكة خطة للإصلاح الوطني بالتعاون مع صندوق النقد الدولي للفترة (2012-2015) لمعالجة الاختلالات التي نتجت عن الظروف السياسية والاقتصادية المحلية والإقليمية. وقد هدفت هذه الإصلاحات إلى العودة بعجز الموازنة والحساب الجاري إلى مستويات مستدامة، وتخفيض حجم الدين العام، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي الشمولي والمستدام.

 

وبالرغم من الإنجازات المحدودة التي حققها الأردن خلال فترة البرنامج للفترة (2012-2015) ونتيجة استمرار الصراع السياسي في سورية والعراق، وتزايد الضغوط على المملكة جراء تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين للمملكة، استمرت المملكة بالنهج الإصلاحي مع صندوق النقد الدولي من خلال دخولها ببرنامج آخر للفترة (2016-2019).

 

وفيما يلي أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة حيث هدفت الحكومة من خلال الانضمام لبرنامج صندوق النقد الدولي إلى إعادة الاستقرار الكلي للاقتصاد والمحافظة عليه، إضافة إلى تصحيح الاختلالات الهيكلية فيه، وبخاصة في مجال المالية العامة، وتوفير التمويل اللازم للقيام بهذه الإصلاحات.

 

ولم تتحقق أهداف برامج صندوق النقد الدولي التي تم تطبيقها في الأردن لمؤشرات الأداء، مثل: زيادة معدلات النمو الاقتصاد؛ وتخفيض معدلات التضخم؛ ومعالجة الاختلالات الهيكلية المزمنة في المالية العامة.

 

ورتفعت معدلات النمو الاقتصادي بشكل كبير في العام 1992، وبلغت هذه المعدلات حوالي 14% نتيجة زيادة حجم الاستثمارات الناجمة عن العائدين من الكويت.

 

 

وتحسن أداء الاقتصاد الأردني بعد العام 2004 تحسناً ملحوظاً في العديد من المؤشرات الاقتصادية الكلية، وبالأخص في النمو الاقتصادي، إذ نما الناتج المحلي الحقيقي للمملكة بمتوسط 7.9% خلال الفترة (2005-2008) نتيجة ارتفاع حجم الاستثمارات العراقية في المملكة، ومدفوعاً بزيادة الطلب العالمي على السلع والخدمات الأردنية، واسترداد الثقة بالدينار الأردني بعد ربطه بالدولار الأميركي في منتصف التسعينيات.

 

ولا تتوافر في جميع برامج الصندوق سياسات اقتصادية ذات بعد تنموي؛ إذ تركز على الإصلاح المالي في الموازنة العامة والقطاع النقدي بشكل رئيس.

 

ولم يتم الالتزام بالإطار الزمني المتفق عليه بين الحكومة وصندوق النقد الدولي، ما ترك أثراً سلبياً على أداء الاقتصاد الأردني.

 

ولم تلتفت العديد من الخطط الاقتصادية حتى العام 2004 إلى المخاطر التي قد تنجم عن انخفاض حجم المساعدات الخارجية المستلمة على الاقتصاد الكلي.

 

في حين تم الأخذ بالحسبان أثر الارتفاع/ الانخفاض في حجم المساعدات الخارجية المستلمة على الأداء المالي للحكومة ضمن الشروط التي يتم الاتفاق عليها في برامج الأردن مع الصندوق للأعوام (2012-2015) و(2016-2019).

 

لم تتضمن برامج صندوق النقد الدولي حلولاً واستراتيجيات طويلة؛ نظراً لجمود بعض بنود الانفاق الحكومي، مثل: الأجور؛ والرواتب؛ والتقاعد، بل ركزت على التقنين من حجم الزيادات في هذه البنود، ما أدى إلى استمرار المشكلات الهيكلية في بنود الإنفاق الحكومي حتى تاريخه.  لم تتضمن برامج الصندوق مراجعة للسياسات التجارية الحالية وسياسات تشجيع الصادرات المتبعة، مع أنه يركز على التقليل من الاختلالات الهيكلية المتمثلة بارتفاع عجزالحساب الجاري، ما يؤكد أن البرنامج الحالي الذي تم تبنيه بالاتفاق مع الصندوق، يركز على وضع أهداف كمية قطاعية لا تلتفت إلى الإطار الكلي للاقتصاد الوطني والأطر التشريعية الناظمة له.

 

ويركز البرنامج الأخير للحكومة مع صندوق النقد الدولي على استدامة أوضاع المالية العامة والدين العام دون الالتفات إلى تنافسية المملكة وزيادة فرص الاستثمار الأجنبي في المملكة. إذ ركزت معظم الإجراءات على رفع حصيلة الإيرادات الحكومية بشكل كبير، ما يقلل من تنافسية المملكة مقارنة مع الدول المجاورة لها، وبخاصة دول الخليج العربي، الأمر الذي سيقلل من فرص تحقيق الافتراضات التي بُني عليها هذا البرنامج، وبخاصة زيادة حجم استثمارات القطاع الخاص (المحلية؛ والأجنبية) لدفع عجلة النمو الاقتصادي.

 

واكدت الدراسة ان برامج الصندوق لا يمكن اعتبارها بديلاً عن الخطط الاقتصادية الوطنية التي تهدف إلى زيادة النمو الاقتصادي، ورفع مستويات التنمية في المحافظات.

 

وفي ظل هذه المعطيات؛ فقد خرجت الدراسة بجملة من الدروس المستفادة والتوصيات منها إعادة النظر باستمرار تطبيق برامج صندوق النقد الدولي للمرحلة المقبلة، والعمل على إيجاد خطط وبدائل أخرى.

 

وتحديد أولويات الإصلاح التشريعي للقوانين الاقتصادية والانطلاق منها نحو وضع أهداف على المستوى القطاعي والجزئي قابلة للقياس لزيادة الشفافية والمساءلة.

 

وتحديد حجم الإصلاح المطلوب وزخمه بدقة، وبخاصة في مجالي: المالية العامة؛ والقطاع الخارجي، المحددة في خطط الإصلاح الوطني بدقة، ومراجعة الأطر العامة لهذه الأهداف للتأكد من اتساقها وقدرة المملكة على المضي قدماً بتنفيذها.

 

وإجراء مراجعة شاملة لقانون ضريبة الدخل ليس فقط بهدف زيادة إيرادات المالية للدولة، وإنما لتحقيق العدالة الاجتماعية وخاصة وقف التهرب الضريبي، وتحفيز النمو الاقتصادي.

والاستفادة من تجارب الدول الأخرى في عملية الإصلاح الاقتصادي الناجحة بعد خروجهم من برامج الصندوق، من خلال إجراء إصلاحات هيكلية على القطاع العام والموازنة العامة بشكل خاص.