اوركسترا شباب فلسطين حلقت لتعزف في فضاء القدس لأول مرة

اوركسترا شباب فلسطين حلقت لتعزف في فضاء القدس لأول مرة
الرابط المختصر

للفرح انفعالاته، وللجرح ضماداته، وللحزن دموعه، وأيضا للحق صوته، فلكل انفعال في هذه الحياة مخرج للتعبير عنه، كما الشعب الفلسطيني، الذي أراد بان يكون لمعاناته تعبيرا يصل للعالم اجمع ولكن هذه المرة بطريقتهم الخاصة.

 اختاروا اللحن والأغنية لتصل معاناتهم للعالم اجمع، فمخاطبة الحس والروح باللغة الموسيقى اصدق وأرقى من أي لغة ممكن أن تحاكي بها العالم، لذلك أراد معهد ادوارد سعيد الوطني للموسيقى في فلسطين تشكيل اوركسترا لشباب فلسطين بجمع شباب فلسطين من جميع أنحاء فلسطين والشتات، ممن لديهم الموهبة والمتمرسين والدارسين للموسيقى، ولخلق جيل موسيقي جديد بمهارات عالية يستوعب تراثه الموسيقي الشرقي والتراث العالمي بشكل جيد ضمن متطلبات أكاديمية.
 تتكون اليوم الاوركسترا من خمسة وخمسين عازفا وعازفة من فلسطين والأردن وسوريا وأمريكا وأوروبا، تتراوح أعمارهم بين 14 و27 عاما، على الرغم من وجود الكثير من العراقيل في طريقهم بسبب قوات الاحتلال إلا أنها استطاعت تجاوز هذه الصعوبات بالإرادة والسعي نحو الهدف الموحد وهو إثباتهم لكل العالم بأنهم قادرين ومستمرين بالدفاع عن قضيتهم حتى بالموسيقى.
 لسنا إرهابيين كما يصورنا الغرب...
 أساس مشاركة الشباب في الأوركسترا، هو إيمانهم العميق بالفكرة والعمل، وقناعاتهم الراسخة في عقولهم بان الفلسطيني ليس الإرهابي الذي يصوره الإعلام الغربي، بل هو إنسان واع يخاطب العالم بطريقة ثقافية، وينتج موسيقيين وكتابا وشعراء.
 مجد ابن القدس، 17 عاما، احد أعضاء الاوركسترا المشاركين في الكورال ، يقول لعمان نت :" ساهمت مشاركتي بالاوركسترا وبشكل واضح على تعزيز قدراتي الفنية وخروج طاقاتي الكامنة، فشعورنا المتوحد والذي يكمن في كل مشارك يزيد من تفاعلي وحماستي بالعطاء بشكل اكبر".


  يضيف: "تمثيل فلسطين من خلال العروض التي نقدمها ليس بالمسؤولية السهلة، فنحن نقضي أسابيع بالتدريب الجماعي، من كتابة كلمات وتلحين وغناء لكي نقدم عملا ذا مستوى عال ورفيع، يوصل من نحن بطريقة واعية ومقنعة، وهذا ما يزيد شعوري بالفخر كفلسطيني".
 
أما لور محشي، 19 عاما،  عازفة الكمان في الاوركسترا منذ بداية انطلاقة المشروع من أصول فلسطينية تعيش بفرنسا فلم تصادف فلسطينيا طوال حياتها في فرنسا، فمشاركتها بهذه الاوركسترا أعطتها فرصة الالتقاء بفلسطينيين "زاد هذا الأمر ثقتي بنفسي وأشعرني بفلسطينيتي، إذ استطعنا بهذه المشاركة أن نوصل للعالم أننا شعب مكافح ومثقف، لا نريد الحرب ومحبا للسلام، يبحث دائما عن الأفضل".
 
هناك من الغربيين ما يظن بان الفلسطيني شخص عصبي عنيف يهوى القتال والقتل، لهذا أرادوا بمعزوفاتهم التي يقدمونها، طريقة خاصة للتعريف بهذا الشعب وصموده ونضاله، فبحسب لور "بعد سنوات من العزف والتعاون مع الأوروبيين استطعنا تغير تلك النظرة السلبية لدى البعض، فنحن نوصل فكرة عنا وعن كياننا الفلسطيني".
 
عازف الإيقاع الشرقي في الاوركسترا ناصر سلامة، فلسطيني يقيم في الأردن هدفه كهدف زملائه وهو إيصال رسالة صادقة وواضحة عن الشاب الفلسطيني "فنحن نستطيع العمل بكل الاتجاهات والمقاييس، ولسنا إرهابيين بل نملك من الثقافة والحضارة ما يجعلنا أن نقدم أكثر من ذلك، فبهذا العمل الصامت المتكلم ستنتقل صورتنا الصحيحة للعالم".
 
 
ولأول مرة كانت قد عزفت الاوركسترا في فلسطين المحتلة بكل من القدس ورام الله وأريحا، حيث احتفلت بذلك على مضي خمسة أعوام على تأسيسها منذ تشكيلها في عام 2004، وتنقلت بعدها لمواصلة العرض في العاصمة عمان ودمشق بمشاركة اوركسترا جامعة بون، تحت عنوان " القدس أغنيتي"، ليجولوا العالم معبرين عن قضيتهم برغم ظروفهم الصعبة التي يتعرضون لها من سوء الاحتلال، "ففرحتهم بتلك المشاركة كانت تعكس بوضوح أهدافهم وطموحاتهم". هكذا تصف مديرة معهد ادوارد سعيد السيدة لينا صالح مشاركتهم الأولى بفلسطين.
 
وأوضحت السيدة لينا بأنه " يجمع أعضاء الفرقة المشاركين في كل عام قبل تقديم العرض بعشرة أيام، لتدريبهم من قبل أساتذة مختصين، إذ توزع عليهم النوتة ليتعرف كل عازف على دوره ليخرجوا بعمل متكامل ومتقن".
 
ومن ابرز الصعوبات التي تواجه عمل الفرقة كما أشارت لها السيدة لينا هي "عملية تنقل الأعضاء داخل فلسطين وخارجها، لا تتم بسهولة فهناك إجراءات ومعاملات معقدة نوعا ما، والحركة داخل فلسطين صعبه بسبب الحواجز التي تحتاج إلى تصريح للعبور".
 
 موضحة بوجود صعوبات مادية تعمل على إعاقة المسيرة، ولكن يتم  تجاوز هذه الصعوبة عن طريق الدعم الذي تتلقاه الاوركسترا من قبل مؤسسات الداعمة لهذا المشروع بحسب قولها.
 
ويسعى القائمين على مشروع اوركسترا شباب فلسطين بان يكون لديهم عدة عروض متتالية خلال العام الواحد، فتجاوب الجمهور وتشجيعه لهم يجعلهم متحفزين لذلك.
 
 
 
حضور يبحث عن اللحن والكلمة الصادقة...
 
في كل مرة يتميز الحفل بجمهوره الخاص ممن يبحثون عن اللحن والكلمة الصادقة، فأحاسيسهم التي تملئ القاعة تعطي  للحفل سحرا خاصا، ومعنىً حقيقيا، فتصفيق أيديهم وتشجيعهم وكلماتهم العفوية لا تهدأ، لما يقدمه الشباب بين كل مقطوعة وأخرى.
 
رائع ما يقدمه شباب الاوركسترا، بهذه الكلمات وصفت ليلى خليل واحدة ممن يتابعون حفلاتهم "فما يدفعني بان آتي لمشاهدتهم هي أعمالهم الصادقة والمتوحدة، بالرغم من تلك الأحداث الصعبة التي مروا ويمرون بها إلا أنهم استطاعوا إثبات وجودهم ".
 
وتشارك السيدة عائشة المصري ما قالته ليلى "استطاعوا هؤلاء الشباب بان يتقدموا بعملهم خلال فترة بسيطة فاختيارهم للتعبير عن واقعهم بالثقافة الموسيقية اختيار رائع وموفق".
 
كما يرى احمد صالح بان العروض التي تقدمها الاوركسترا تحمل بمضمونها أهمية كبيرة وذلك على الصعيد  الفكري والوطني، مؤكدا إلى انه" بوجود هؤلاء الشباب الفلسطينيين من جميع أنحاء العالم، من عازفين ومغنيين للأوبرا، سيعكس نمطا غير تقليدي للموسيقى للتعبير عن قضيتهم".
 
 
كانت البداية بتدريب الشباب الذين انضموا لهذا المشروع على مقطوعات متعددة لموسيقيين عالمين أمثال بتهوفن ،موزارت، بالإضافة إلى موسيقيين فلسطينيين أمثال سلفادور عرنيطة وعيسى بولص، وذلك بقيادة أنا صوفي بروننج والمايسترو العالمية شون ادوارد إضافة إلى والترميك، ومن ابرز المغنيين الفلسطينيين الذين يعملون من اجل ترسيخ الأغنية الفلسطينية ونشرها في فلسطين والعالم الفنانة ريم التلحمي، والفنانة ديما بواب، والفنان عبد الرحمن علقم، ويضم معهد ادوارد سعيد عدة فرق موسيقية مختلفة منها، اوركسترا القدس للأطفال ومجموعة العزف الشرقي ومجموعة العزف على الآلات الوترية، سجلت لهم عدة حفلات مختلفة على أقراص ممغنطة، كما ويطمح المعهد في نشر تعليم الموسيقى في جميع أنحاء فلسطين من خلال برنامج التعليم خارج المعهد وفي كافة المدن، ومن خططته المستقبلية القريبة فتح معهدين في كل من مدينة نابلس ومدينة غزة.
 
بهذا العمل الموحد فلسطينيا اختاروا أصحاب الحق، الموسيقى هويتهم لتصل أحاسيسهم إلى العالم اجمع، بعد أن صمتت كل الكلمات، فحين تنظر إليهم تستشف فرحتهم بهذه المشاركة، التي تلخص ماهية قدراتهم وإصرارهم على الوجود، فحماسهم سبق ألحانهم وكلماتهم.