منذ ولادتها، بدأت الثلاثينية فرح الشريف مسيرتها مع مرض "انحلال الجلد الفقاعي"، حيث ظهرت أعراضه عليها في اليوم الرابع بعد ولادتها، على حد قولها.
وخاضت الشريف صراعا مستمرا مع هذا المرض الذي يسبب هشاشة الجلد والأغشية المخاطية، ويفرض عليها قيودا في أبسط تفاصيل الحياة اليومية، مثل ارتداء الملابس والاحذية الواسعة كي لا تعرض جسدها للاحتكاك الذي ينتج عنه ظهور أعراض على جسدها والإصابة بالتقرح والجروح.
ولم تخلو الشريف حياتها من التنمر حيث تعرضت له منذ صغرها لعدم وعي الآخرين بطبيعة مرضها، مشيرة إلى أنها كانت تواجه صعوبات في التعايش مع المجتمع قبل أن تكتسب الوعي الكافي حول المرض، إذ تعرضت للتنمر في المدرسة والأسئلة متكررة من المجتمع حول حساسيتها الجلدية أو العلامات الظاهرة على يديها، كما أن هناك مصابين بدرجات أكثر حدة يظهر لديهم تغيّر في لون الجلد، ما يزيد من تساؤلات الآخرين ويجعلهم عرضة للتنمر والفضول الاجتماعي.
ولدعم الأشخاص الذين يمرون بالمعاناة نفسها، قررت الشريف إنشاء "مؤسسة أجنحة الفراشة"، لتكون أول مؤسسة من نوعها في الأردن تقدم الرعاية الصحية والإرشاد النفسي لمرضى انحلال الجلد الفقاعي، لتوفير الدعم والرعاية التلطيفية التي يحتاجها المرضى لتخفيف آلامهم وتحسين جودة حياتهم، والذين يصل عددهم إلى نحو 40 مريضا يترددون على المؤسسة بانتظام للتوعية والحصول على الرعاية.
كما تسعى المؤسسة لتوفير العلاجات والمستلزمات الطبية، في ظل محدودية الدعم الحكومي وقلة الوعي المجتمعي بهذا المرض المؤلم الذي لا علاج شافيا له حتى الآن.
وتقول الشريف إن فكرة إنشاء المؤسسة بدأت عندما كانت تبحث عن الرعاية والدعم لمواجهة هذا المرض، حيث أصبحت للتواصل مع أشخاص يمرون بنفس المعاناة ويشتركون معها في محاربة المرض، ساعية للعثور على من يفهم معاناتها ويشاركها ذات الطموحات والأحلام بهدف تقديم الرعاية وتخفيف المعاناة.
وبدات الشريف رحلتها مع المرض منذ ظهور الأعراض بعد الولادة، حيث لاحظت والدتها ظهور حبوب تشبه الفقاعات على جسمها في اليوم الرابع أو الخامس بعد الولادة، وبعد مراجعة الطبيب، تبين أنها مصابة بانحلال الجلد الفقاعي، لكنه كان بدرجة بسيطة، ولأن شقيقها الأكبر كان مصابا بالمرض نفسه، كانت والدتها على دراية بكيفية الرعاية اللازمة، مما سهل التعامل مع المرض وتخفيف حدة الأعراض منذ البداية.
وتشير إلى أن الرعاية تعتمد كثيرا على وعي الأهل وتوجيهات الطبيب للأسرة، وتشمل الرعاية التلطيفية التي يتم توفيرها لمرضى انحلال الجلد الفقاعي على مراهم موضعية ومستلزمات تساعد في تخفيف حدة الأعراض، كون المرض لا علاج شاف له.
ماذا يقول الأطباء؟
يواجه المصابون تحديات تختلف حسب شدة الحالة، فالمصابون بدرجة بسيطة قد تختلف معاناته عن أولئك المصابين بدرجات أكثر حدة، وتتباين الأعراض والمضاعفات، إذ يمكن السيطرة على بعضها، بينما يصعب السيطرة على أخرى قد تتفاقم.
وفقا للدراسات، يوضح أخصائي علاج الجروح والتقرحات الدكتور إياد حرب إلى أن حوالي 85% من المصابين بمرض انحلال الجلد الفقاعي يعانون من ألم مستمر، بسبب التقرحات والفقاعات التي تصيب مناطق مختلفة من الجلد، ولا تختفي بل تظل تسبب الألم كلما كانت موجودة، إضافة إلى ذلك، يعاني المصابون من أعراض أخرى تشمل الحكة، الجروح، انسلاخ الجلد، والالتهابات، ومن المؤسف أن بعض الأهالي لا يملكون المعرفة الكافية بكيفية التعامل مع الألم والسيطرة عليه.
ويوضح حرب أنه يشرف الأطباء المختصون على توجيه المرضى لاستخدام مراهم موضعية تساعد في تخفيف الألم، كما يلجأ بعض المرضى إلى تناول المسكنات خصوصا في الحالات الشديدة، من المصابين بالدرجات المتقدمة للمرض، وقد تستمر الجروح المفتوحة من أسبوع إلى أسبوعين، وكثيرا ما تصاب هذه الجروح بالعدوى بسبب طبيعتها المفتوحة، رغم تغطيتها بشكل دائم لتقليل فرص التلوث، ولأن الجروح تفتقر إلى التحكم في الأنسجة، فإنها غالبا ما تتمدد، مما يزيد من الألم واحتمالات الالتهاب.
طبيا.. ما هو المرض؟
يعرف مرض انحلال الجلد الفقاعي بهشاشة الجلد والأغشية المخاطية، مما يسبب تقرحات مؤلمة ناتجة عن أدنى احتكاك، ورغم أن هذا المرض لا علاج شاف له حتى اليوم، إلا أن التركيز ينصب على تخفيف الأعراض عبر إدارة الألم والعناية بالجروح.
واكتشف فريق طبي من الجامعة الأردنية برئاسة استشارية طب الأطفال ومديرة وحدة الأطفال حديثي الولادة في مستشفى الجامعة الاردنية الدكتورة ايمان بدران معلومات جديدة حول مرض انحلال البشرة الفقاعي، إذ يعد مرض انحلال البشرة الفقاعي مجموعة من الأمراض الجلدية الفقاعية الوراثية النادرة وينتشر في المجتمعات التي يكثر فيها زواج الأقـارب.
ويتميز المرض بانفصال البشرة عن الأدمة نتيجة وجود هشاشة مفرطة في تركيب وتماسك قشرة الجلد والغشاء المخاطي عند التعرض للكدمات حتى وان كانت خفيفة ما يؤدي الى تشكيل حويصلات كبيرة مملوءة بالسوائل، تتقرح وينسلخ الجلد والأغشية المخاطية في بعض الأحيان .
ويصيب هذا المرض بانواعه المختلفة، حوالي 50 شخصا في كل مليون بمختلف أنواعه خلل في الجينات المشفرة للبروتينات التي تعمل كروابط بين أجزاء الغشاء القاعدي والخلايا الجلدية، ما ينتج عنه تحلل البشرة وانفصال مكونات البشرة عن بعضها البعض مسبباً الفقاعات وانسلاخات الجلد. وله ما يزيد على عشرين نوعا, تختلف في تقسيمها, كما تختلف في حددتها من خفيفة جدا إلى شديدة تؤدي الى الوفاة، ولا يوجد علاج جذري له حتى الآن.
وينقسم انحلال البشرة الفقاعي إلى ثلاث مجموعات أساسية بحسب تكوين الفقاعة المجهري للجلد، البسيط و هو كأسـمه أبسط الأنواع و يسبب 92% من حالات انحلال البشرة الفقاعي، والندبي ويكون في منطقة ما تحت الصفيحة القاعدية السميكة في الجلد ويسبب 5% من حالات انحلال البشرة الفقاعي، والوسطي الموصلي ويكون موجوداً في منطقة متوسـطة في الغشاء القاعدي للبشرة مسبباً فقاعات متوســطة في العمق وهذا النوع يسبب 3% من حالات انحلال البشرة الفقاعي.
دور وزارة الصحة
يستفيد المرضى المشمولون بالتأمين الصحي الحكومي من خدمات وزارة الصحة، التي تشمل توفير العلاجات والمستلزمات الطبية اللازمة، لكن هناك مرضى، وخاصة من غير الأردنيين أو غير المؤمنين صحيا، لا يستطيعون الاستفادة من هذه الخدمات، بحسب الشريف.
ويأتي دور الجمعية في توفير العلاجات التلطيفية المتاحة في السوق، مثل المراهم الموضعية، ورغم عدم وجود علاج نهائي حتى الآن، إلا أن هناك علاجات جديدة مخصصة لمرضى انحلال الجلد الفقاعي، ففي عام 2023، تم اعتماد أول علاج رسمي من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، وفي بداية هذا العام تم اعتماد علاج آخر من قبل الوكالة الأوروبية، لكن هذه العلاجات لم تستخدم بعد في الأردن نظرا لارتفاع تكلفتها.