منذ جائحة كورونا، أخذت ظاهرة انتقال الطلبة من المدارس الخاصة إلى الحكومية بالاتساع، مدفوعة بظروف اقتصادية ومعيشية صعبة، في وقت يؤكد فيه خبراء أن هذه الظاهرة تضع تحديات إضافية على البنية التحتية للمدارس الحكومية، وتؤثر على جودة التعليم نتيجة الاكتظاظ داخل الصفوف.
وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن أكثر من 200 ألف طالب غادروا المدارس الخاصة إلى الحكومية خلال السنوات الأخيرة، وسط توقعات بارتفاع الأعداد إذا استمرت الأزمة الاقتصادية.
وفي عام 2022، تقدم 15 ألف طالب بطلبات انتقال، فيما استقبلت المدارس الحكومية مع بداية العام الدراسي 2023–2024 نحو 15,792 طالبا قادمين من الخاصة، مقابل 6,578 طالبا فقط انتقلوا من الحكومية إلى الخاصة.
وتوضح الإحصاءات أن معدل الانتقالات السنوي قبل الجائحة كان يقارب 35 ألف طالب، مع توقعات بارتفاعه إلى 40 ألفا سنويا إذا استمرت الضغوط الاقتصادية على الأسر، وفي الوقت نفسه، لا يزال نحو 18 ألف طالب على قوائم الانتظار للالتحاق بالمدارس الحكومية.
القطاع الخاص بين الضغوط والتحديات
يشهد قطاع التعليم الخاص ضغوطا مالية متزايدة نتيجة ارتفاع التكاليف وتراجع التزام أولياء الأمور بدفع الرسوم، الأمر الذي دفع آلاف الأسر إلى نقل أبنائها للمدارس الحكومية.
ويؤكد نقيب أصحاب المدارس الخاصة منذر الصوراني في حديثه لـ "عمان نت" أن حركة انتقال الطلبة بين المدارس الحكومية والخاصة تتكرر في كل بداية عام دراسي، حيث تعود أحيانا إلى ظروف مالية يمر بها أولياء الأمور، أو إلى انتقال الأسرة من منطقة لأخرى، إضافة إلى أسباب أخرى.
ويشير الصوراني إلى أن عدد الطلبة المنتقلين من المدارس الخاصة إلى الحكومية خلال العام الماضي يبلغ 15 ألف طالب، متوقعا أن تكون الأعداد أكبر مع بدء العام الجديد، خاصة أن بعض المدارس الخاصة تواجه صعوبات مالية بسبب ارتفاع الكلف وعدم التزام بعض الأهالي بدفع الرسوم.
ويوضح أن العاصمة عمان وحدها تضم نحو 800 مدرسة خاصة، لافتا إلى أن بعض هذه المدارس تعاني من التعثر، في ظل القيود المفروضة على رفع الأقساط إلا بما يتوافق مع نسب التضخم المحددة من وزارة التربية.
البعد التربوي والنفسي
لا يقتصر أثر انتقال الطلبة على الجانب الأكاديمي فحسب، بل يمتد إلى البعد النفسي والسلوكي، بحسب الخبير التربوي الدكتور ذوقان عبيدات، الذي يؤكد أن الظاهرة مستمرة منذ خمس سنوات، ولها أبعاد اقتصادية واجتماعية وتربوية.
ويوضح عبيدات أن انتقال الطالب من الخاصة إلى الحكومية يخلق فجوة تربوية ونفسية واضحة، إذ في المدارس الخاصة يتم التعامل مع الطالب كفرد مستقل في ظل أعداد محدودة وتواصل مستمر مع الأسرة، بينما يتحول الطالب في المدارس الحكومية نتيجة الاكتظاظ إلى مجرد رقم دون متابعة دقيقة لظروفه.
ويشير إلى أن هذه الفجوة قد تؤدي إلى مشكلات سلوكية ومعرفية، مما يستدعي برامج إرشاد ودعم نفسي لحماية الطلبة المنتقلين من آثار سلبية مثل التنمر وصعوبة التكيف.
كما لفت إلى أن ليس جميع المدارس الحكومية متدنية المستوى، بل إن بعض مدارس البنات مثلاً تحقق تفوقاً يفوق عدداً من المدارس الخاصة. لكنه شدد على أن الانتقال من مدرسة خاصة عالية المستوى إلى حكومية يترك فجوة يصعب تعويضها.
وطالب الصوراني بإنشاء مجلس للتعليم الخاص يضم وزارات العدل والمالية والعمل والتربية إلى جانب نقابة أصحاب المدارس الخاصة، لتعزيز الاهتمام الحكومي بالقطاع الذي يخدم أكثر من نصف مليون طالب، ويوفر فرص عمل لعشرات الآلاف، ويساهم في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي.
ويوضح عبيدات أن فهم هذه الظاهرة يتطلب المقارنة بين بيئة المدرستين؛ ففي المدارس الخاصة يتعامل المعلم مع الطالب كشخص مستقل وكيان متكامل، ويعرف الكثير عن بيئته وأسرته بفضل التواصل المستمر وأعداد الطلبة المحدودة، مما يتيح متابعة أدق لاحتياجات الطلبة.
أما في المدارس الحكومية، ومع الاكتظاظ الكبير في الصفوف، يتم التعامل مع الطالب كرقم دون معرفة كافية بظروفه، وهو ما يخلق صدمة وفجوة واضحة عند انتقال الطالب من بيئة خاصة إلى حكومية، فيشعر بالاغتراب.
ويشير إلى أن هذه الفجوة تتجلى على عدة مستويات، سلوكية، معرفية، ونفسية، مؤكدا أن الطالب المنتقل من مدرسة خاصة محترمة يحتاج إلى برامج إرشاد ودعم نفسي داخل المدرسة، بالإضافة إلى رعاية من الأهل، لحمايته من آثار التكيف الصعبة كالتنمر والتنافس الحاد بين الطلبة.
الحاجة إلى توازن بين القطاعين
مع تزايد أعداد المنتقلين، تبرز الحاجة إلى تحقيق توازن بين القطاعين العام والخاص بما يحافظ على جودة التعليم، إذ يخدم القطاع الخاص أكثر من 550 ألف طالب ويشغل ما يزيد على 50 ألف موظف ومعلم، مما يجعله شريكا أساسيا في العملية التعليمية، بحسب النقيب الصوراني.
ويطالب الصوراني بإنشاء مجلس وطني للتعليم الخاص يضم الوزارات المعنية، بهدف معالجة التحديات وتحقيق توزيع عادل لأعداد الطلبة بين القطاعين، مشددا على أهمية تحقيق التوازن بين المدارس الحكومية والخاصة من خلال توزيع أعداد الطلبة بشكل يضمن جودة التعليم في الطرفين، داعيا أولياء الأمور إلى تجنب نقل أبنائهم بشكل متكرر لما يسببه من فجوة تربوية ونفسية تؤثر على تحصيلهم الأكاديمي وتكيفهم الاجتماعي.
بينما يرى عبيدات أن المدارس الحكومية ليست جميعها متدنية المستوى، فهناك مدارس خاصة مدارس البنات بمستويات عالية تتفوق على بعض المدارس الخاصة، إلا أن الفروق تظل قائمة من حيث بيئة التعليم والقيود المفروضة على المعلمين والإمكانات المتاحة.
ويوضح أن المدارس الخاصة ليست على مستوى واحد، فهناك مدارس راقية تتفوق في أدائها ومعلميها وأنشطتها وعلاقاتها على كثير من المدارس الحكومية، بينما المدارس الخاصة المتوسطة أو الضعيفة لا يختلف مستواها كثيرا عن بعض المدارس الحكومية.
لمواجهة هذا التدفق الكبير، لجأت وزارة التربية إلى إجراءات استثنائية، أبرزها تشغيل 30 مدرسة بنظام الفترتين، استحداث وظائف جديدة بتعيين 4,000 معلم و6,000 معلم بديل مؤقت، استئجار وتجهيز مبان إضافية لاستيعاب الطلبة.
ويبلغ إجمالي الطلبة في المدارس الحكومية أكثر من 1.6 مليون طالب، في حين يستوعب القطاع الخاص نحو 570 ألف طالب موزعين على 3,421 مؤسسة تعليمية، ويشغل ما يقارب 58,640 موظفا ومعلما.











































