الهوية الوطنية الجامعة

لم أتخيل في حياتي يوماً من الأيام أن تتحول ثلاث كلمات واضحات وضوح الشمس ولا تحتمل التأويل إلى مثار خلاف وجدل ولغط وتخوين كما حصل مع مصطلح "الهوية الوطنية الجامعة".

لا يا سيدي، المقصود بهذا المفهوم غير الخلافي لا علاقة له بالتوطين من قريب أو من بعيد، فأنا بلغت الخمسين من العمر، ولا يمكن أن أحصي لكم منذ أن وعيت على هذه الدنيا آلاف المرات التي سمعت بها الدولة الأردنية تؤكد وتكرر أن خيار الوطن البديل مرفوض رفضاً قاطعاً إلى يوم الدين.

الهوية الوطنية الجامعة أيها السادة لها معنى واحد ومقصد واحد فقط لا غير، وهو أن يشعر كل أردني يحمل الرقم الوطني – ركزوا وتمعّنوا جيداً، أنا قلت يحمل الرقم الوطني – وأن يقتنع أن هويته الرئيسية التي تجمعه مع باقي المواطنين هي الهوية الأردنية أولاً، لا الهويات الفرعية أو المناطقية أو العشائرية أو الدينية أو باقي عناصر التفرقة استناداً للأصول والمنابت.

الهوية الوطنية الجامعة لا تعني أن لا تعتز وتفتخر بعشيرتك وبأصلك وبدينك، طالما أنك لا تتعصب وتتطرف في ذلك الفخر والاعتزاز على حساب غيرك من المواطنين، وأن تتذكر دائماً أنك في النهاية مواطن أردني يحكمك الدستور والقانون، ولا فضل لك على باقي الشعب إلا بمقدار عملك ومواطنتك الصالحة، وهذا مفهوم أساسي أصبحنا نفتقده كما رأينا في مشاجرات الجامعات المتكررة واصطفافات الطلاب على أسس فرعية ومناطقية.

ولذلك فإنه من الظلم ومن الافتراء الكبيرَين أن يتم اتهام اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية بأنها حاولت دس هذا المفهوم بخبث لكي تمرر مشاريع مشبوهة لحل القضية الفلسطينية على حساب الأردن، وعيب أصلاً أن يتم اتهام تسعين شخصاً من مختلف المشارب والخلفيات والانتماءات التي تمثل كافة أطياف المجتمع الأردني وتياراته المختلفة بأنهم جلسوا خلسةً وتوافقوا على التآمر على وطنهم لتمرير مشروع التوطين والوطن البديل.

في هذه اللجنة، عملنا مع الزملاء والزميلات الكرام وتعبنا وسهرنا واجتهدنا بإخلاص وتفاني من أجل النهوض بهذا البلد وتطوير نظامه السياسي لكي نصل بإذن الله إلى حياة حزبية برامجية وحكومات برلمانية منتخبة، وهذا في نظري هدف سامي وغاية نبيلة أفخر أنني كنت جزءاً بسيطاً ممن عملوا لتحقيقها.

ولذلك كفانا تشكيكاً وتوجساً زائداً عن حده لدرجة الإفراط، وإلا فيمكن بسهولة أن يأتي أحدهم ويقول لك أن مبدأ "المساواة أمام القانون" مثلاً هو الآخر أيضاً مفهوم توطيني وأن يتم تحميله ما لا يحتمله، فإلى أين نحن ذاهبون بهذا الوسواس الذي لا ينتهي؟

أما عن مقال السيد حسن السميك، فستقرأون تفنيدي لكل ما جاء فيه من طروحات خطيرة لا بل خيالية لا يقبلها عقل أو منطق سليم خلال الأيام القليلة القادمة.

أضف تعليقك