الموازنة العامة في الصحافة.. صحف غطت الحدث من مقعد الشرف وكتاب بخلوا بتعليقاتهم

الرابط المختصر

انشغلت الصحافة المحلية، يومية واسبوعية، في الاسابيع الأخيرة بقضايا محلية هامة، على ان تغطية نقاش الموازنة العامة لعام 2005، في البرلمان ولاحقا إعلان وزير المالية نية الحكومة رفع أسعار المشتقات النفطية كانت الاكثر اثارة للانتباه.

انشغلت الصحف اليومية في نقل أخبار الموازنة منذ صياغة مشروع قانون الموزانة، لكن هذه التغطية تعاظمت مع بدء مناقشات مجلس النواب للمشروع في الخامس من الشهر الجاري.

غلب على تغطية صحيفة "الرأي" لاخبار الموازنة والمناقشات ميلا واضحا للحكومة التي قدمت مشروعها ولم تخف هذا الانحياز وهي توجه انتقادات لمجلس النواب.

في تقرير لمراسلها لجلسة نقاش الموازنة يخصص مراسل الصحيفة الجزء الاكبر من تقريره حول الجلسة لنقد او تسجيل ما اسماه "مآخذ" على خطابات النواب في الجلسة بشكل مغرق في التعميم مستندا الى مصادر مغفلة كقوله "يعتقد مراقبون" او "يقول نواب" دون تحديد اسم نائب ففي تقريره يرد التالي "يعتقد مراقبون أن الخطاب النيابي في مناقشات الموازنة العامة، كما في مناقشات الثقة، خطابا إعلاميا هدفه "دغدغة" مشاعر جمهور الناخبين، ودون أن تعني قوة الموقف النقدي والتجريحي وجلد الذات في الخطاب أنه سينعكس ويترجم عند التصويت في اليوم الأخير من المناقشات بموقف معارض أو رافض للموازنة أو حجبا للثقة عن الحكومة إذا ما تعلق الأمر بالثقة في الحكومة (أية حكومة).

وفي تقرير المراسل كما ذكرنا تعميم شديد فهناك نواب وهم أكثرية، توزعوا بين الاشادة بالموازنة وإنجازات الحكومة وآخرين انتقدوا بعض جوانب الموازنة ولكن اكثرهم قدموا مطالب بمشاريع خدمية محددة مثل كلمة الجبهة الوطنية إحدى عشر نائبا التي غاب عنها الخطاب السياسي كما اكد تقرير "الدستور"، وهذا لا يعني رفضا مطلقا للموازنة وهذا امر اقر فيه المراسل في تقرير آخر له، وقد رفض الموزانة في التصويت ثلاثة وعشرون نائبا، اضافة الى هذا التعميم وجزء منه فمراسل الصحيفة يحشر موقفه أو رأيه في الخبر على نحو ما لاحظنا.

وقد اعتمدت الصحيفة بشكل اساسي على تغطية وكالة "بترا" لاخبار الموازنة ونقاشها في المجلس.

وقد بقيت تقارير الصحيفة في هذا الجو المؤيد للحكومة.

اما صحيفة "الدستور" فقد كانت اكثر موضوعية واكتفت بنقل وقائع الجلسات كما هي وافردت صفحات كثيرة على مدار ايام نقاش الموزانة لكلمات النواب دون تحيز وان كانت أبرزت في عناوينها الانتقادات النيابية لمشروع الموزانة كما فعلت في تقريرها حيث حملت صفحتها الاولى العنوان التالي "مطالبة بعدم رفع الأسعار..السياسي تراجع لصالح الخدماتي في اليوم الأول..انتقادات نيابية لسياسة الحكومة في مناقشة الموزانة". وحمل تقريرها العنوان التالي "في اليوم الثاني لمناقشة مشروع الميزانية:اتهام وزير الداخلية بافتعال الأزمات تصعيد نيابي في انتقاد الحكومة". خلاف نيابي وفي تقرير آخر حمل عنوان "بين الروابدة والمجالي حول دستورية جلسة الامس: اعنف انتقادات للحكومة في آخر مناقشات الموازنة".

صحيفة الغد كانت اكثر ميلا لابراز انتقادات النواب وان كانت تغطيتها اقل كثافة من زميلتيها.

التعليقات

في التعليقات يلفت النظر شح الكتاب في تناول الموازنة ورفع أسعار المشتقات النفطية ومن بين مئات المقالات التي ظهرت في الصحف اليومية، التي تناقش كل شاردة واردة في الأوضاع الاقليمية والدولية، بالكاد نعثر على 30 مقالة حول الموازنة ورفع الاسعار وحتى استجواب وزير الداخلية او استقالة الوزير باسم عوض الله.

واضافة الى ندرة الكتابات حول الموضوع فان جزءا كبيرا من هذه المقالات علق على الاداء النيابي اكثر منه على الموزانة نفسها.

كان كتاب صحيفة "الغد" هم الأكثر تعليقا على الموازنة، فقد كتب فيها اربع عشرة مقالة، اغلبها ناقش قضايا تقنية في الموازنة مركزا على العجز.

لعل اشد ما يلفت النظر في تعليقات كتاب الاعمدة، هو استنكاف عدد كبير من المعلقين في الكتابة في الشأن المحلي.

فخلال فترة نقاش الموازنة وهي أهم اداة مالية في يد الدولة في ادارة الاقتصاد واعادة توزيع الدخل القومي بما يعني ذلك من مضامين وانعكاسات اجتماعية كبيرة. لكنها حظيت بتعليقات اقل كثيرا من حجم ما كتب عن توجيهات الملك الاخيرة حول التقسيم الاداري للاردن واقل اكثر من حجم ما كتب عن توجيهات الملك لوضع خطة امنية، وبالطبع فان كل من كتب في هذه الامور كان يدخل في باب الاشادة. وربما ان الدعوة التي رفعها بعض الاميركيين على البنك العربي بتهمة تمويل الارهاب واسقطت لاحقا حظيت بتعليقات اكثر من الموازنة.

وحظيت الموازنة ونقاشها نسبة تقل عن واحد بالمئة من حجم ما كتب خلال عشرة ايام عن اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري. ناهيك بالطبع عن حجم ما يكتب عن العراق وفلسطين وقضايا الاصلاح في العالم العربي والسياسية الاميركية وغيرها من المواضيع الجاهزة والمعلبة التي لا تكلف الكاتب كثيرا من الجهد ولا تستمطر عليه غضب الحكومة او غضب القاريء.

إذا اردنا ان نضع بعض الملاحظات في هذا السياق فيمكن القول، كملاحظة اولى، ان ما يحدث في المجتمع، ولم يعد سرا ولا مسكوتا عنه، من استنكاف الاردنيين من اصل فلسطيني عن العمل السياسي في البلد، اخذ يتسرب الى كتاب الصحف والمعلقين فمن خلال متابعة التغطية بات واضحا ان اغلب الكتاب ممن هم من اصل فلسطيني يستنكفون عن الكتابة في الشان المحلي ويفضلون الكتابة في المسائل الاقليمية والدولية، وحين يخطر ببال البعض الكتابة فهو يكتب مؤيدا اما لتوجيهات الملك وبشكل اقل للحكومة او يكتب عن قضايا جزئية لا تضعه وجها لوجه مع الحكومة.

وفي هذا الصدد يجد المتابع ان الأصوات المعارضة للحكومة اكثر ما يجدها عند الكتاب من اصل اردني "اصيل"، في حين تقل عن زملائهم من اصل فلسطيني، فهل لهذا مدلولات حول "الولاء واعادة إثبات الولاء" أو الانتماء" أو انه شعور بـ"اللامبالاة والعزلة" و "محاولات الإقصاء" او ان هناك تفسير آخر؟.

ثانيا: لم يعد سرا ان الحكومة، أي حكومة، لها "مونة" على عدد كبير من المعلقين وهؤلاء اما يطلب ان لم نقل يشترى "تأييدهم" أو يلزموا "الصمت" كأضعف الايمان.

وثالثا: وحسب معلومات أكيدة من مطابخ تحرير بعض الصحف، فان الكثير من المقالات التي تتناول الشأن المحلي لا تجد طريقها للنشر خاصة في الصحف التي تمتلك فيها الحكومة حصة كبيرة.

الاسبوعيات

باستثناء تغطية صحيفة "السبيل" للموازنة ورفع أسعار مشتقات النفطية فان تغطية بقية الصحف لا يعتد بها اطلاقا.

صحيفة "السبيل" اختارت هذا العدد ان تخصص المانشيت الرئيس لها حول اقرار الموازنة وعلاقته برفع أسعار المشتقات النفطية فجاء العنوان، بالخط الاحمر، على النحو التالي :"على مدى خمس سنوات وبمعدل اثني عشر بالمئة سنويا على أربع دفعات رفع سعر المحروقات بمعدل ستين بالمئة والبداية في نيسان".

وفي التقرير يربط كاتبه محمد النجار بين قرار الحكومة واقرار النواب للموازنة والتقرير كتب بشكل واف بيد انه ينقصه التوثيق لجهة تثبيت زمان ومكان التصريحات التي قالها وزير المالية واعلن فيها نية الحكومة رفع أسعار المشتقات النفطية.

كما نشرت الصحيفة تقريرين آخرين حول موقف النواب من المؤسسات المستقلة ورفع اسعار الخضروات.

باقي الصحف الاسبوعية تجاهلت كل موضوع مناقشة الموازنة وفضلت التركيز على استقالة وزير التخطيط باسم عوض الذي ظهر في عناوين الصفحات الاولى لصحف البلاد" الحدث" و"البديل الاعلامي" مع تقارير دارت اساسا حول ما يشاع وما يقال عن اسباب الاستقالة تحت عناوين تفاصيل الاستقالة. وقد تشجعت "البديل الاعلامي" فشبهت في رسم لها على كامل غلاف الاولى الوزير بالمسيح مصلوبا من البرلمان والحكومة مع عنوان "صلبوه..!!" ومقال داخل العدد يتهم الصالونات بتدبير حملة افتراءات وتشويه للوزير المستقيل.

صحيفة "شيحان" اختارت ان تصنع من استجواب وزير الداخلية سمير حباشنة موضع الغلاف فكتبت بالخط العريض "وزير تحت التهديد".

والواقع ان قضايا استجواب الوزير الحباشنة أو استقالة وزير التخطيط أو الحديث عن التعديل او التغيير الوزاري حظيت أيضا بمتابعة من الصحف جميعها. اليومية التزمت إلى حد بعيد بالموقف الرسمي وكتب بعض الكتاب معلقين ولكن بقيت التعليقات تدور في إطار التكهنات حول مغزى الاستقالة في حين شخصنت صحف اسبوعية موضوع الاستقالة او زادتها غموضا وهي تنقل "التفاصيل" حول الاستقالة.

على كل فان الصحف الاسبوعية صارت اكثر من قضية في البلد، فهذه الصحافة التي شكلت في بداية عودة الديمقراطية للبلد رافعة للعمل الصحفي، مهنيا وسياسيا، عادت تثير الكثير من الأسئلة خاصة في ضوء تكاثرها تكاثر الفطر بعد شتوة ربيعية وتحول بعضها الى ساحة لتصفية حسابات شخصية بين بعض "الصحفيين" او انضمام بعضها الآخر لجوقة مداحين الحكومة.


أضف تعليقك