منذ نحو عامين، بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول، بدأت الدعوات الشعبية في الأردن لمقاطعة بعض العلامات التجارية العالمية، رفضا لسياساتها الداعمة للاحتلال الإسرائيلي.
تلك الدعوات لم تقتصر على التعبير السياسي فحسب، بل سرعان ما تحولت إلى حركة مستمرة تدعم الصناعة الوطنية وتخلق فرص عمل جديدة.
تشير إحصاءات غرفة صناعة الأردن الأخيرة إلى أن نحو نصف فرص العمل الجديدة تركزت في قطاع الصناعات الغذائية، نتيجة نمو الصادرات وتوسع الأسواق الخارجية.
كما سجل القطاع الصناعي نموا حقيقيا بنسبة 4.8% خلال الربع الثاني من 2025، مساهما بما نسبته 39% من إجمالي النمو الاقتصادي الوطني.
وتعكس هذه البيانات الأثر المباشر لنشاط الصادرات الصناعية في تعزيز فرص التشغيل وتحفيز النمو الاقتصادي، وتؤكد أن التوسع في الأسواق الخارجية أصبح رافعة رئيسية للتنمية وفرص العمل في المملكة.
تأثير المقاطعة على السوق المحلي
منسق تجمع "اتحرك لمواجهة التطبيع"، محمد العبسي، يؤكد أن المقاطعة الشعبية للمنتجات الأجنبية ساهمت بشكل مباشر في زيادة فرص العمل في القطاع الصناعي خلال الأشهر الماضية، موضحا أن النمو الصناعي الذي أعلنته غرفة الصناعة لم يكن مفاجئا، بل كان متوقعا في ظل بروز الشركات الوطنية وتوسع بعضها وفتح خطوط إنتاج جديدة، وانتشارها في السوق بشكل واسع.
ويشير العبسي إلى أن المقاطعة، التي انطلقت بالتزامن مع العدوان على غزة، دفعت الشركات الوطنية إلى تقديم بدائل محلية بسرعة، مع تحسين الجودة والأسعار لتصبح منافسة للمنتجات المستهدفة بالمقاطعة، بل وأحيانا أفضل منها.
ويؤكد أن هذه الشركات لم تعد مجرد بدائل مؤقتة، بل أصبحت جزءا أساسيا من السوق، وتعتبر منتجاتها الآن أساسية وليست مجرد بدائل، مضيفا أن المقاطعة الأردنية الحالية تختلف عن الحملات السابقة المرتبطة بالأزمات، إذ أصبحت سلوكا يوميا وثقافة مستدامة تهدف لدعم المنتج الوطني وتقليل تمويل الاحتلال الإسرائيلي، مما يجعلها واحدة من أنجح الحملات الشعبية في المنطقة العربية.
دعم الحكومة أبرز القطاعات المستفيدة
يرى خبراء اقتصاديون ضرورة استثمار الحكومة لهذه الفرصة من خلال تحويل المقاطعة إلى سياسات تدعم الإنتاج المحلي، عبر تحفيز الاستثمار وتقديم حوافز وإعفاءات للصناعات الوطنية مع التركيز على الجودة.
ويؤكد عضو مجلس إدارة غرفة تجارة عمان، فلاح صغير، أن تشجيع المنتجات المحلية واجب وطني يجب الالتزام به، مع تمييز المواطن بين الشركات التي تدعم الاحتلال وتلك التي تبتعد عن السياسة.
كما تم إطلاق حملات سابقة مثل "صنع في الأردن" لتعزيز التدريب المهني وتأهيل العمالة المحلية في مختلف المجالات الصناعية، وزيادة الاهتمام بالصناعة الوطنية.
ويشير العبسي إلى أن البيانات الحالية تعكس نمو القطاع الصناعي بنسبة 4.5% نتيجة المقاطعة الشعبية، مع توسع الشركات وظهور شركات جديدة، ما خلق مئات فرص العمل الجديدة للشباب.
يوضح العبسي أن القطاعات الرئيسية التي شهدت زيادة الطلب نتيجة التحول للمنتج المحلي تشمل المطاعم والكافيهات، شركات المشروبات الغازية، وشركات التنظيف والمواد الكيميائية، مع تنوع منتجاتها وانتشارها في السوق.
كما تظهر البيانات ارتفاع الرقم القياسي لكميات الإنتاج الصناعي بنسبة 1.76% خلال الشهور الثمانية الأولى من العام، مدفوعًا بزيادة الإنتاج في تسعة من أصل عشرة قطاعات صناعية، أبرزها الصناعات الإنشائية (+5.5%)، والتعبئة والتغليف (+4.1%)، والصناعات الهندسية (+3.5%)، والحديد والصلب (+37%)، وهو أعلى معدل نمو للصناعات التحويلية منذ 17 عاما.
حول خطط تجمع "اتحرك" المستقبلية، يؤكد العبسي استمرار الحملة التوعوية، بما فيها الحملات الإلكترونية، مؤكدا أن انتهاء الحروب لا يعني انتهاء المقاطعة، لأن الهدف الأساسي هو دعم المنتج الوطني وتعزيز الاقتصاد المحلي، حيث تظل المنتجات الوطنية داخل البلاد وتعود بالنفع على الاقتصاد ككل، ويشير إلى أن هذه الاستراتيجية انطلقت منذ عام 2008 وما زالت مستمرة حتى اليوم.












































