المطلوب إعادة الثقة بين الدولة والإعلاميين والعمل المشترك لاستدامة اعلام مهني

شكلت القرارات الأخيرة في المجال الإعلامي شرخ عميق في العلاقة بين الدولة الأردنية ممثلة بهيئة الاعلام ووزير شؤون الإعلام وبين القطاع الإعلامي ممثلا بنقابة الصحفيين وتنسيقية المواقع الالكترونية المنبثقة عن النقابة.

 

الإعلاميون يقولون وبحق ان هناك تجارب مؤلمة لعدد من مسؤولي الدولة الذين وعدوا بأمر ما ثم تم التراجع عنه مثال على ذلك وعد رئيس الوزراء عبدالله نسور وامام مؤتمر دولي شهر أيار 2013 وكنت انا مشارك فيه بعدم حجب المواقع الإلكترونية غير المرخصة في حين أنه تم حجب 300 موقع في شهر حزيران من نفس العام رغم ذلك الوعد العلني أمام مؤتمر المعهد الدولي للصحافة المنعقد في عمان.

 

من ناحية اخرى فان الحكومة ومن خلالها المجتمع الاردني تعاني من تخبط في عمل بعض المواقع الاليكترونية غير المهني والذي ينتج عنه شعور عام أن المواقع الاليكترونية كلها تعتمد أسلوب البلطجة والتهديد والابتزاز للاستمرار في عملها. وتعتقد الحكومة – وقد يكون لها حق هنا – أن عدد المواقع الإخبارية الإلكترونية في الأردن مبالغ به في بلد نسبيا صغير مثل الأردن.

 

وقد عكس هذا التشنج من قبل الطرفان قيام كل طرف باتخاذ مواقف أحادية وإدخال القطاع بأكمله بدوامة وتحدي لا يستفيد منه أحد. فمن الاحرى للطرفين أن يتم التفكير الهادئ والمفيد لرفع شأن الإعلام وخاصة الإعلام الاليكتروني بدون تلك التشنجات وذلك من خلال الحوار الصريح بعيدا عن لغة التحدي وكسر العظام التي نشهدها الآن. فلو توفرت الثقة الصادقة لما اضطر كل طرف بالتشكيك بنوايا الطرف الآخر.

 

ومن أجل إنجاح أي حوار هناك عدد من المبادئ الأساسية التي يجب أن يتم العمل عليها.

 

بادئ ذي بدء يجب التوصل الى قناعة أن العالم يمر بفترة تغييرات سريعة ومتتالية يصعب التعامل معها بأدوات وقوانين وإجراءات قديمة.

 

 كما من الضروري التوصل الى قناعة انه من الصعب أن يتم تطويع مبادئ متفق عليها ودستورية مثل حق التعبير لشروط وإجراءات أحادية الجانب. 

 

فالمعروف من التجارب العالمية أن حرية الإعلام بالذات لا تتحقق بكثرة القوانين بل بقلتها ولكن في المقابل يتطلب الأمر دور أكبر للتنظيم الذاتي المنضبط لضمان استمرارية ونجاح هذا القطاع المهم.

 

من اجل العمل الجاد على التنظيم الذاتي المنضبط هناك شروط أساسية. فحرية التنظيم لقطاع الإعلام الإلكتروني لا تزال غير متوفرة في ظل سياسة تشبة العمل النقابي السوفيتي والتي تصر على الزامية العضوية في نقابة واحدة شبه مغلقة يسيطر عليها ممثلو الإعلام الرسمي. 

 

صحيح أن النقابة انتفضت هذه المرة غالبا لأن العديد من الإعلاميين العاملين في الإعلام الرسمي يملكون بصورة إضافية مواقع إلكتروني. وبغض النظر إن كان ذلك شرعيا أم لا فإن المحصلة النهائية أن من يمثل الإعلاميين أي نقابة الصحفيين لا تمثل بصورة حقيقية الإعلام المستقل أو جميع مالكي والعاملين في الاعلام الالكتروني والذين يُصعب عليهم القانون الأردني والنظام الداخلي للنقابة الرسمية من الانضمام للنقابة. إذا فإذا قامت الدولة الأردنية بالتفاوض مع نقابة الصحفيين وحدها فإنها تتفاوض مع جسم لا يمثل حقا الاعلام الاليكتروني بشموليته.

 

المبدأ الآخر الذي من الضرورة العمل بجد عليه هو موضوع حماية الملكية الفكرية. إن تعدد المواقع الاليكترونية والتي تشكو منه الحكومة والمجتمع سببه أن عدد كبير من المواقع تقوم بإعادة نشر وبدون إذن مواد صحفية لم يعمل على كتابتها الأمر الذي يوفر لشخص ما قدرة على إدارة موقع مليء بالمواد الإخبارية والتعليقات فقط من خلال نسخ مقالات للآخرين وقد يقوم بتغيير العنوان فقط. للحكومة والنقابة والمشرع الأردني الحق بل الضرورة أن يعملوا لوقف عمليات القرصنة المكشوفة والعلنية للمواد المنشورة في تلك المواقع.من خلال تغليظ العقوبات على تلك القرصنة. طبعا لا يعني وقف القرصنة التعدي على حرية التعبير. فأصحاب المواقع مهما كان عددها لها الحق بالتعبير الحر ولكن دون ان تقوم بسرقة مواد ليست لها.

 

 يقول القائمون على هيئة الاعلام ان الاعلام التقليدي من صحف واذاعات وتلفزيونات محلية بحاجة الى دعم وهذا صحيح ولكن الحل ليس بتحطيم الإعلام اليكتروني بل بالبحث عن قواسم مشتركة وطرق لتشجيع التنظيم الطوعي الذاتي لكي يستطيع الإعلام الرقمي معالجة المشاكل الداخلية بصورة طوعية وإذا كان هناك حاجة لتشريع ما فإن الأفضل أن يأتي الاقتراح من قبل الإعلاميين أو على الأقل من قبل جسم مشترك يتم تشكيله لغاية إيجاد حلول الاستدامة لكل قطاع الإعلام لا من خلال العمل أحادي الجانب والاعتراض بسبب عدم الثقة من نوايا الحكومة. 

 

ان الاعلام والدولة في قارب واحد ولا يصلح أن يقوم كل طرف بما يشاء غير مكترث مطالب وحاجات الطرف الآخر.

 

لقد شكلت سرعة التغيير وجود حيتان الإعلام الرقمي العالمي الذين استحوذوا ودمروا الإعلام المحلي. ويشكل ذلك ضرورة ماسة لتكاثف الجهود المحلية والعمل بصورة جماعية على إنقاذ قطاع الإعلام وهذا يتطلب عمل جماعي وارادة سياسية للضغط على تلك المؤسسات العالمية لمعالجة الدمار التي شكلته. 

 

الأردن دولة ذات سيادة وتشمل سيادة الأردن الفضاء الرقمي ويمكن إذا توفرت الارادة أن يتم المعالجة بذكاء إجبار الشركات الرقمية على التعويض عن ذلك الدمار من خلال دعم صندوق انتاج اعلامي محلي قد تساهم الدولة والقطاع الخاص والمجتمع الدولي في تعزيزه. ويمكن توزيع عادل للموارد ذلك الصندوق على كافة الإعلاميين شريط الإنتاج الوطني النوعي على أن يتم إدارة الصندوق بصورة عادلة من كافة ذوي المصلحة من خلال تمثيل حقيقي للإعلام اليكتروني لأنه لا يزال مغيب من أي جسم فعال. للعلم دولة صغيرة مثل الدنمارك تصرف سنويا ملياري دولار لدعم الإعلام المستقل.

 

من المؤكد أننا سنجتاز المشكلة الحالية بين الإعلاميين والحكومة ولكن سيكون ذلك حلاً مؤقتاً إذا ما تم العمل الجاد والاستراتيجي لمعالجة المشاكل التي يواجهها قطاع الإعلام الواسع من غياب المهنية وعدم احترام الملكية الفكرية ومنع التجمع الخاص للإعلاميين خارج نقابة الصحفيين. إن ضرورات العمل المشترك لإيجاد صندوق دعم الإنتاج المهني والنوعي قد يساهم في حل المشكلة المستعصية ولكن هناك ضرورة اكبر تفكير شمولي لمستقبل الإعلام وعلاقته بالدولة.

 

من المؤكد أن معالجة الإعلام السيء الذي تقول الدولة أن هذا هدفها يكمن في توفير البيئة التشريعية والمالية لاستدامة اعلام مهني فعال ومؤثر وواعي.

 

 

الكاتب مؤسس للعديد من المؤسسات الإعلامية المحلية والعربية منها موقع عمان نت الاخباري العامل بدون توقف منذ عام 2000

 

أضف تعليقك