المطالبة باتحاد للمعلمين... أضعف الإيمان

الرابط المختصر

أكثر من خمسين عاماً مضت على حل نقابة المعلمين في الأردن، واليوم وبعد هذه الأعوام المتتالية من "العند الحكومي"، لجأوا إلى المطالبة باتحاد بديلٍ للنقابة، كأضعف الأيمان، على أمل أن تقبله الحكومة.

المطالبة باتحاد للمعلمين..
الاتحاد سيختلف عن النقابة من ناحية "إسقاط إلزامية العضوية فيه"، حيث وضّح أمين سر اللجنة المركزية المتابعة لتأسيس اتحاد عام للمعلمين محمود البستنجي أن إيجاد إطار قانوني لتنظيم العمل هو ما يؤرق المعلمين وليس مسمى هذا التنظيم.

ويوضح: "جانب من جوانب تخوف الحكومات المتتالية من إيجاد نقابة للمعلمين أو حتى من إيجاد بقية للمهن الموجودة الأخرى هو العضوية الإلزامية بما يتبعها من قضايا كثيرة، ولذا نحن في موضوع الاتحاد نقبل في لعضوية الاختيارية حتى لا تكون حجة علينا، فنحن نعطي المثال على أننا نقبل بأقل جزء من حقنا الذي لا منازع فيه (لا نريد أن نقاتل الناطور نريد عنبا) والدستور يصر على أن يقاتلنا ولا يطعمنا".

ويقول البستنجي إن اللجنة المركزية أعدت نظاماً أساسياً لاتحاد المعلمين المطروح، تمت صياغته بما لا يتعارض مع أي من مواد الدستور الأردني، ويشرح: "مرت بالوطن مجموعة من القضايا الهامة أردنياً وعربياً وإقليميا وقد تكون شغلت بال مجلس الأمة في الكثير منها وأبعدت اهتمامهم جزئيا عن هذا الموضوع، فنحن قدمنا مسودة مشروع قانون لاتحاد المعلمين، وأوصلناه الى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الأعيان ووزير التربية والتعليم وفي السابق أوصلناه الى أكثر من وزير وكانت تحفظ في الأدراج".

ستقدم اللجنة مذكرة لرئيس الوزراء تضم نص المشروع، يقول البستنجي: "نحن لا نهدف إلا لخدمة رسالة التعليم والارتقاء بمستوى هذه المهنة، ويمكننا أن نساهم إذا ما وجد هذا الاتحاد في حل مشكلة البطالة أيضا فالاشتراكات يمكن أن يفتح بها مجموعة من المدارس تشغل أعداد كبيرة من المعلمين من خريجي التخصصات الجامعية".

التربية والتعليم...
وزارة التربية والتعليم لا ترفض إقامة النقابة، فهي ليس لها علاقة بالقوانين ولا تستطيع الحكم فيه، ويقول الناطق الإعلامي لوزارة التربية والتعليم أيمن بركات: "الوزارة لا ترفض إقامة نقابة للمعلمين، بالعكس تعمل بكل الظروف على تحسين الوضع المعيشي والإقتصادي للمعلمين، كما تعمل على رفع الكفاءة التأهيلية والتدريبية لهم باستمرار، لكن كان هناك رأي قانوني لمجلس تفسير الدستور العالي في مجلس الأمة برفض إنشاء النقابة، وليس لوزارة التربية والعليم أو الحكومة حكم بهذا الأمر".

فالوزارة ترى أنها تقوم بكل ما يحتاج إليه المعلمون من ترفيه ومساعدات مادية وغيرها، ويشرح بركات "تعمل الوزارة على إعطاء المعلم كل الحق في الترفيه عن نفسه في تأسيس اندية اجتماعية وترفيهية وغيره، وتعمل على عمل الإسكانات له وهي جادة في تحسين وضع المعلم ومعيشته".

إلا أن الوزارة بالمقابل "ضد محاولات تسييس التعليم والسبب الدستوري كاف لتبرير عدم مشروعية إقامة النقابة، وما يحدده هو مجلس الأمة والمجلس العالي لتفسير الدستور، وهو صاحب الولاية بذلك والوزارة ليس لها علاقة بهذا الامر أبداً".

ماذا عن المعلمين..
على مدى 25 عاماً من الخدمة في مجال التعليم ما تزال المعلمة سميرة النوايسة تحلم وتطمح أن يكون هناك نقابة تمثلها وتنظم عملها وتحمي حقوقها، وتقول: "كنت دائما احلم وأطمح بوجود نقابة لنا، والهدف منها هو إيجاد إطار قانوني لتنظيم عملنا، وبما اننا لم نستطع الحصول على نقابة فنطالب باتحاد يعمل على خلق واقع أفضل لاكثر من 120 ألف معلم ومعلمة ما بين عامل ومتقاعد".

وسميرة على معرفة بالقوانين حيث تقول: "نحن نحفظ نص القانون الاردني (المعلمين موظفين عموميين، يخضعون لنظام الخدمة المدنية الصادر بموجب المادة 120 من الدستور)، وأحكام الدستور لا تجيز إصدار نقابة للمعلمين الموظفين العموميين، أما نص المادة 5 من قانون التربية والتعليم رقم 3 لعام 1994 والذي يؤكد على أن التعليم رسالة ومهنة لها قواعدها الخلقية والمهنية، إضافة الى المادة 16 من الدستور والتي تنص على أن من حق الأردنيين الإجتماع وتأليف الجمعيات والاتحادات".

اليوم؛ تجد سميرة نفسها متقبلة لفكرة الاتحاد كبديل، وتقول: "أنا من المعلمين الذين يطالبون بوجود اتحاد يضمن لنا حقوقنا وينظم عملنا، وزارة التربية والتعليم ليست مقصرة لكننا بحاجة الى النقابة أو الاتحاد، أي معلم أومعلمة سيقول أن يريد أن يكون هناك نقابة تحافظ على حقوقه كامله، لست أدري أحياناً أشعر أنني سأخرج من الخدمة وأنا لم أحصل على حقي في وجود نقابة تمثلني بعد".

أما بالنسبة للمعلم سمير اسعد فيرى أن النقابة حق مشروع لكل مواطن في الأردن، وفي غير الأردن. "أن يكون لي نقابة تدافع عني وتحفظ لي حقوقي وتصون مصالحي كعضو فعال في مجتمعي أسوة بكل نقابات الموظفين الاخرى في القطاعين العام والخاص، فعدم وجود نقابة يؤثر على المعلمين بشكل كبير".

ويضيف: "أن أكون إنسان نقابي أنتمي الى نقابة معلمين يعني أن أُمثل بشكل رسمي نقابي على المستوى الشعبي فأستطيع أن اتكلم بموقف النقابة فيكون لكلامي وزن اكبر.
جواب الحكومة كان دائما رفض إنشاء النقابة، فطالبنا بالاتحاد حتى تكون نقابة مصغرة وهو الحد الادنى من النقابة، فيبقى شيء أفضل من لا شيء، فموضوع النقابة ليس تسييس للتعليم فأنا اعرف أن أي جهاز تربوي تعليمي هو الجهاز الاكبر، لكن من خلال النقابة هناك الكثير من القضايا ستعود من خلال النقابة بالفائدة ليس على الأفراد انفسهم فحسب بل على الدولة ايضاً.
فأنا حينما أعرف أن لي نقابة تدافع عني وقت المظالم القانونية ووقت الشدة سيكون عندي نوع من الحرية بالتعبير، حتى على مستوى التعليم، فبالحصة سأعطي بفاعلية اكبر لانني مرتاح نفسياً ومعنوياً وهو ما سينعكس على الطلاب نفسهم والعملية التربوية. أما الجانب المادي فمعروف أن النقابة تحمي اعضاءها ماديا وتتابع مصالحه وتشرف عليها وتحميه من اخطاء قانونية وقت المظالم القانونية".

محاولات نيابية...
في عام 1993 أقر مجلس النواب مشروع قانون نقابة المعلمين الذي صاغته لجنة المتابعة المؤلفة من ممثلين عن أحزاب يسارية وقومية وإسلامية، وعندما أحيل إلى مجلس الأعيان، طلبت الحكومة من المجلس العالي لتفسير الدستور التحري عن دستورية إنشاء نقابة للمعلمين.

وبحث المجلس العالي لتفسير الدستور دستورية نقابة المعلمين مرتين، الأولى عام 1993، وفيها انقسم المجلس إلى فريقين أحدهما خماسي الأعضاء وأكد "عدم دستورية إنشاء النقابة"، في حين أن الفريق الثاني رباعي الأعضاء رأى أن "إنشاء النقابة يتفق مع أحكام الدستور"، وحينها لم يصدر أي قرار بشأن دستورية النقابة عن المجلس العالي، لأن قرارات المجلس العالي تصدر بأغلبية ستة أعضاء كحد أدنى.


ثم عرض المشروع على المجلس العالي فكانت العام 1994، وبطلب من رئيس مجلس الأعيان الذي يتولى كذلك رئاسة المجلس العالي بحكم منصبه، وحينها اتخذ المجلس العالي لتفسير الدستور قراراً بـ"عدم دستورية النقابة" بإجماع أعضائه التسعة.

تأسيس نقابة للمعلمين كان من بين القضايا التي ناقشها النائب عودة قواس وطرحها تحت القبة من خلال مداخلات لأكثر من مرة أحدها كان عند إعطاء الثقة لحكومة أبو الراغب، بالتالي هناك عواقب قانونية ضد تشكيل النقابة. يقول قواس: "أنا غير مقتنع فيها وهو إحدى تفسيرات المجلس الأعلى للدستور والذي قال من خلال طلب من الحكومة آنذاك أنه لا يحق للمعلمين تأسيس نقابة وأنا لا أعرف لماذا اعتمدوه".

ويؤيد قواس تشكيل اتحاد إذا كان ذلك يحل الإشكال "كي يكون هناك جهة ممثلة لأفضل نخبة من أبناء الوطن والذين ينشئون الجيل المستقبلي فأنا أؤيد انشاؤه علماً بأن النقابة تكون أقوى في معاملاتها وتصرفاتها ومواقفها من الاتحاد".

الخوف من العدد الكبير..
ويعزو قواس رفض الحكومات المتعاقبة منذ عام 1957 لإنشاء النقابة الى أن "النقابة ستكون من أكبر النقابات الوطنية، فأعداد المعلمين والمعلمات في الأردن يفوق 120 ألف، وسوف يكون موقف النقابة قوي جداً متجاوزاً عددها النقابات الأكبر وهي نقابة المهندسين فعندما نجمع مجموعة خيرة ومثقفة من أبناء الوطن تحت مظلة واحدة سيكون هناك مشكلة حتى في موضوع التمثيل".

آخر مطالبة لمجلس النواب بتأسيس نقابة للمعلمين كانت في عام 1993، إلا أن النائب عودة قواس أكد أنه طالب بإنشاء النقابة عام 2004 وهو موثق في إحدى خطبه لإعطاء الثقة، ويقول: "كان مطلباً صريحاً وواضحاً وكان مرتبطا بإعطاء الثقة بهذا الموضوع، بالتالي فهناك مطالب متكررة على المستوى الشعبي والنيابي وعلى مستوى النقابات الأخرى، لكن عدم استجابة الحكومة هو الذي أخر هذا الأمر لغاية الآن، إلا أنه ليس هناك إجماع داخل مجلس النواب على إنشاء النقابة".

نائب المراقب العام للإخوان المسلمين جميل أبو بكر أكد على شرعية وجود نقابة للمعلمين، حيث قال لعمان نت: "لا شك أن قطاع المعلمين من اهم القطاعات الموجودة في المجتمع ونحن نرى أن هذا القطاع من حقه أن يشكل نقابة تمثله أسوة ببقية القطاعات ولا يجوز أن يبقى هذا القطاع بغير نقابة ترفع من مستواه وتدافع عن حقوقه وتسهم في العملية التربوية التعليمية".

ويؤكد أبو بكر أن الخوف الحكومي من إنشائها أمني وسياسي وقائم على ضخامة عدد المعلمين وليس المدّ الإسلامي بينهم، قائلاً "سيطرة الإسلاميين على القطاع التعليمي ليس صحيحاً، فالمجتمع الأردني مجتمع مسلم بنسبة 98%، بالتالي فإن أي قطاع سيحتاج فيه الناس أن يمثلوا أنفسهم سيقال أن الإسلاميين سيسيطرون ويحوزون عليه، وهو أمر قائم فلن يتغير الشعب الأردني عن الإسلام، وسيختار من يمثله ويعتقد بصدقه ولذا هذا الاعتقاد غير صحيح، وإنما هناك تخوف أمني وسياسي من سعة النقابة وضخامة العدد الذي ستكون عليه النقابة والذي سيوجه أجيالا أبناء الشعب".

ويعود أبو بكر ليؤكد أن التخوف من العدد الكبير للمعلمين ليس مبررا أيضاً، "حتى هذا التخوف غير صحيح، لأنه ما دام هناك أوضاع صحيحة ويحصلون على حقوقهم ويتمتعون بالحرية التي تؤكدها الشرائع ويؤكدها الدستور والقانون، فهذه التخوفات في غير محلها، فلدينا 60 ألف مهندس وسيكون لدينا 120 ألف معلم ومن حقهم تشكيل نقابة وهذا الجهد استمر لأكثر من 50 عاماً وحتى اليوم لم يصل فيه المعلمون الى نتيجة وأعتقد أن هذا شكل من اشكال التعسف والإجحاف بحقهم".

ويتابع: "لا أعتقد أن التخوف ناتج عن المد الإسلامي أو نتيجة للخوف من تسييس التعليم فهناك نقابة مهندسين ونقابة محامين وأعدادهم كبيرة فماذا حصل؟ أما إذا كانت الحكومة تسيطر على كل شيء وتحتكر كل شيء فهذا هو الاستبداد والتعسف فيجب أن يكون هناك شعب يشارك في إدارة شؤونه ومصيره".

لا بديل عن النقابة...
لابد من الاستمرار في المطالبة بنقابة، هذا ما يراه النائب رائد قاقيش قائلاً "لا أؤيد المطالبة باتحاد بل يجب الاستمرار بالمطالبة بنقابة أسوة ببقية المهنيين ويحق للمعلم والمعلمة أن يكون لهم نقابة، وأعتقد أننا الآن نسير في الاتجاه المعاكس ويجب علينا أن نطالب بأن يطبق القانون على الجميع فلا يجوزأن نسمح للأطباء والمهندسين وغيرهم بإنشاء نقابات ونمنع غيرهم منها مهما كانت الأسباب السياسية، وأعتقد أن الحكومة مخطئة تماماً لأنها لا تعطي مجالا للمعلمين بأن يشعر بأنه ضمن مجموعة ومؤسسة داعمة، وبالتالي يشعر المعلم بأنه ينقصه شيء وينقصه الدعم المعنوي والمادي".

ويضيف: "على اللجنة أن تباشر عملها من خلال مجلس النواب قبل أي شيء للعمل على دراسة حقهم في النقابة. مسودة مشروع الاتحاد لم تصلنا نسخة منه وكان على اللجنة أن تبدأ بالمجلس النيابي، أن يتصلوا بالنواب ويقنعوهم بفكرة الاتحاد وإن كنت غير مقتنع به ومصر على النقابة لكن أقول أنه حان للجنة أن يعملون لوبي داخل مجلس النواب".



وتنص المادة 120 على ان "التقسيمات الإدارية في المملكة الأردنية الهاشمية وتشكيلات دوائر الحكومة ودرجاتها وأسماءها ومنهاج إدارتها وكيفية تعيين الموظفين وعزلهم والإشراف عليهم وحدود صلاحياتهم واختصاصاتهم تعين بأنظمة يصدرها مجلس الوزراء بموافقة الملك".

وكان البخيت صرح خلال لقائه أسرة الجامعة الأردنية مطلع العام بأن "حكومته لن توافق على تأسيس نقابة للمعلمين، استنادا إلى قرار مجلس تفسير الدستور".

وينص قرار لمجلس تفسير الدستور على أنه "حيث أن معلمي وزارة التربية والتعليم هم موظفون عموميون ويخضعون لنظام الخدمة المدنية الصادر بموجب أحكام المادة 120 من الدستور فإن الأحكام الدستورية لا تجيز إصدار قانون لنقابة المعلمين الموظفين العموميين"، وعلى أساسه وجدت اللجنة الهروب الى المطالبو باتحاد بدلاً من النقابة.

وكانت الحكومة حلت نقابة المعلمين عقب إعلان الأحكام العرفية عام 1957 فيما ظلت لجنة المتابعة لنقابة المعلمين التي تأسست عام 1989 تؤكد على "حق المعلمين في تشكيلها، مستندين إلى "نص قانون التربية والتعليم رقم 3 لعام 1993"، في حين اعتبره المجلس العالي لتفسير الدستور "منافيا لتفسير الدستور الأردني".

ودأبت على رفع مذكرات تطالب بتثبيت حق المعلمين في إنشاء تنظيم مهني لهم، أسوة بالمهن الأخرى، إلى مختلف الجهات المعنية وبالذات عند تشكيل الحكومات.

أضف تعليقك