المسنون: لسنا ذكرى من الماضي
أبناء يرفضون دفن اباءهم بعد موتهم...احد المسنين اخبره ابنه انه سيغيب دقائق ولم يعد منذ ستة سنين..." أولادي ليسوا بحاجتي لأني زائد عن الحاجة"...
السكون هو الذي يسيطر على دار الضيافة للمسنين القابعة في إحدى ضواحي شرق العاصمة، يقطعه بين الحين والآخر تنهدات 112 نزيلا من كلا الجنسين تتراوح أعمارهم من 40 إلى 100 عاما.
ورغم الألم لا تزال الرغبة لديهم لترك هذا المكان والعودة للبيت مرة أخرى، فحاكمة السبعينية التي لم تمنعها سنينها الستة في دار المسنين من الرغبة في العودة لبيت يضمها هي أولادها، فلا بيت يؤويها الآن بعد أن كانت فرداً في أسرة تضم سبعة أفراد مكونة من زوجها وأربعة بنات و ولدين، فبعد وفاة زوجها منذ سبعة سنين تخلى أولادها عنها لتجد نفسها بدون مأوى.
ولدي حاكمة سافرا لسوريا للاستقرار هناك مع زوجاتهم، وبناتها الأربعة يقطنون مدينة الزرقاء يكتفون فقط في زيارتها بين الفينة والأخرى، وتعاني بجسمها النحيل وعظامها الرقيقة من أمراض عديدة كالقلب والضغط والسكري تكاد لا تقوى على الحركة".
أما أبو مطلق الذي يناهز الثمانين عاما من اشد قصص الدار تأثيرا، فهو لا ينفك عن البكاء يسأل عن ابنه الذي أودعه الدار بعد أن اخبره انه سيعود له بعد دقائق ولم يعد منذ ستة سنين!! الدموع لا تفارق عيناه الغائرتان في جمجمته، كل يوم يحاول الخروج من الباب الرئيسي للدار بحثا عن ابنه لعله يجده في انتظاره خارج أسوار الدار لكن محاولته تصطدم بسور الواقع الأليم ونكران الأبناء لاباءهم، الصوت يكاد يخرج من حنجرته ليختلط بآهات ومناشدات " بدي أروح".
في دار الضيافة للمسنين يتواجد مئة واثنا عشر نزيلا تتراوح أعمارهم ما بين 40-100 سنة غالبيتهم من الذكور، واغلبهم أودع الدار على غير رغبة منه. وبالإضافة إلى المسنين الذي يودعون من قبل أبناءهم تستقبل الدار أعدادا من المسنين غير المقتدرين الذين يحولون بعد دراسة من وزارة التنمية الاجتماعية حيث تغطي الوزارة جزءاً من رسومهم.
خرج ولم يعد.... زوجة الابن لم تريدها في بيتها..
"خرج ولم يعد" بهذه العبارة بدأ حديثة معنا نشأت يبلغ من العمر 56 عاما، كان يعمل في شركة تأجير سيارات سياحية في الولايات المتحدة الأمريكية قبل أن يأتي الدار برغبته بعد أن وجد نفسه وحيدا وبحاجة إلى الرعاية الصحية، اذ يعاني نشأت من عدم سهولة الحركة والمشي بسبب سقوطه من درج مرتفع أدى إلى إصابته بكسور، قصد نشأت الدار بعد أن تخلت عنه بناته الثلاثة التي هاجرن إلى السويد من دون أن يعرف عناوينهن اذ يعتبرهن " خرج ولم يعد كما يقول".
ومن الوجوه المميزة في الدار الحاجة مريم 70 عاما التي تأسرك في وقارها، قصة معانتها بدأت منذ 8 سنين اذ كانت تعيش في الخليج العربي وبعد غزو الكويت عادت الأردن وبعد وفاة زوجها اضطرت للعيش في منزل ابنها الوحيد، لكن الراحة لم تعرف طريقها إليها بسبب معاملة زوجة ابنها السيئة التي ذاقت ذرعا في وجودها في المنزل مما دفع ابنها لإيداعها دار المسنين".
زوجة أبيها كانت السبب...
وإذا كانت القصص السابقة لمسنين معاناتهم عنوان لمئات القصص الأخرى ولكم هناك من سكن الدار قبل الأوان بكثير لتكون قصتهم واحدة من قصص عديدة لا تخلو من دموع الألم لتجارب مروا فيها خلال مسيرة حياتهم، فسميره ابنة الأربعين عاما وجدت نفسها في الدار بين ليلة وضحاها تقول وقد إغرورقت عيناها بالدموع " بعد وفاة أمي وجدت نفسي وحيده خصوصا بعد زواج أبي من أمراه جديدة أذاقتني شتى أنواع العذاب وأصبحت الحياة بعدها لا تطاق، وأصبحت زوجة أبي تصب جام غضبها علي في الصبح والمساء، حتى أتي صباح احد الأيام وحضر أخي إلى منزل والدي و اخبرني انه سيضعني في دار المسنين حيث الرعاية الصحية والجو النفسي أفضل كما يقول، وبالفعل ها أنا أجد نفسي في دار المسنين التي امكث فيها منذ ثلاث سنين، لكني لا أريد البقاء هنا إلى الأبد أريد العودة لبيتي".
أبناء يرفضون دفن موتاهم...
ولم يكتف البعض بترك إباءهم في دار المسنين في حياتهم بل يصرون على التخلي عنهم حتى بعد وفاتهم فيرفضون دفنهم بعد موتهم، حسب مديرة الدار مها عبيدات التي تقول " من اغرب المواقف والحالات التي واجهتنا في الدار أن الأبناء يرفضون استلام جثمان أبائهم لدفنهم، لذا تتولى الدار إجراءات الدفن على نفقتها بالتعاون مع وزارة التمنية الاجتماعية و أمانة عمان، وهناك بعض الأبناء أيضا لا يتذكرون اباءهم إلا إذا كان هناك تقسيم ميراث".
ويعاني معظم النزلاء من أمراض مستعصية كالسكري وضغط الدم، الأمر الذي يتطلب رعايه صحية متواصلة، تقول عبيدات " تحرص الدار على توفير رعاية صحية دوريه للنزلاء، هناك طبيب مقيم 24 ساعة وظيفته، أن يتفقد كل فرد من الموجدين من الدار ويقوم بفحصهم وإذا وجدت حالات صعبه يتم تحويلها للمستشفى".
التحديات التي تواجه الدار عديده تقول عبيدات " هناك صعوبات وتحديات فيما يتعلق بأهالي المسنين، إذ أن بعضهم لا يأتي لزيارتهم بصورة منتظمة، هذا يسبب لنا مشاكل مع المسن نفسه الذي يشعر بالاكتئاب أو يصبح عدواني أو يحاول الهرب، التحديات الأخرى التي تواجهنا في الدار هي الوضع المادي اذ أن التبرعات المادية لا تكفي سد احتياجات الدار اذ عندنا عجز في الميزانية، عندنا مشكلة أن المتبرعين كل الجهات المتبرعة تتذكرنا وباقي السنة نحن منسيين".
وتشترط الدار عدد من الأمور لقبول المسن فيها تبينها عبيدات الشروط " من أهم الشروط الواجب توفرها في المسن أن لا يكون حاملا لمرض ساريً حيث يتم إجراء فحص طبي شامل قبل دخول أي نزيل ويتم منحه شهادة خلو أمراض، الشرط الثاني أن يكون عمر النزيل60 عاما فما فوق".
و يوجد في الأردن ما يقارب 11 دارا للمسنين في الأردن، ساهمت الحكومة في أقامتها من خلال وزارة التنمية الاجتماعية التي بدورها تقوم بالإشراف على هذه الدور ورعايتها وتقديم الخدمات اللازمة لها، إضافة للعديد من دور الضيافة التي أقامتها الجمعيات الخيرية والدينية والقطاع الخاص.
إستمع الآن











































