العمالة الوافدة في الزراعة.. شركاء في الخسارة فقط

 العمالة الوافدة في الزراعة.. شركاء في الخسارة فقط
الرابط المختصر

كان على "منصور حسن" المصاب في عموده الفقري أن يلزم الفراش طوال الوقت، ولكنه يعمل نحو 15 ساعة يوميا. هي ليست "لقمة عيش" يطاردها منصور كما غيره فقط. بل لقصته لون آخر.

في الثقافة الجمعية للمواطنين، تخضع بعض الأعمال لهوية لا تكتمل صورتها إلا بمعاناة ممتهنيها، فإذا ما أضيفت هذه الأعمال إلى "جنسية" دون غيرها تصبح المأساة مكتملة العناصر، حتى تتحول إلى مشاهد عامة و"عادية جدا".

أخضعنا شاب أردني للتجربة: قيل له أن "فلانا" يعاني حد اللانسانية في عمله الذي يمتهنه. فما كان من هذا الشاب إلا وأن طلب مزيدا من المعلومات حول طبيعة هذه "اللانسانية في العمل"، وقصة "فلان". ولكنه عندما علم أن "فلانا" من الجنسية المصرية وأن القطاع الذي يعمل به "الزراعة"، كف عن السؤال وراح يقول: جميع العمالة الوافدة هناك تعاني الأمرين.

المصريون ولقمة العيش

حيث تتعرض العمالة الوافدة للعديد من الانتهاكات العمالية من حيث عدم تطبيق بنود قانون العمل الاردني عليهم كعدد ساعات العمل، والحد الادني للأجور، وعدم حصولهم على إجازات سنوية أو مرضية.

"فلان" هذا هو منصور أحد الأشقاء المصريين الذين جاؤوا من بلدهم بحثا عن "لقمة عيش" لا تكف عن الدوران حول نفسها.

يقول مدير المرصد العمالي أحمد عوض: هناك الكثير من المسكوت عنه حول تعرض العمالة الوافدة إلى انتهاكات جسمية تتعلق بعدم حصولهم على الحقوق العمالية وعدم توفر شروط الصحة والسلامة المهنية.

دراسة عمالية.. أيش يعني!

ولتأكيد ذلك بما هو علمي أشار عوض إلى دارسة أجراها المرصد العمالي العام الماضي جاء فيها أن "أصحاب العمل لا يلتزمون بساعات العمل التي حددها قانون العمل، وأنهم يعملوا من الصباح ولغاية المساء، مشيرة إلى العديد من الانتهاكات الإنسانية".

وبالنسبة لمنصور فإن أنواع الانتهاكات هي التالي: لا يستطيع الحصول على إجازات مرضية رغم مرضه، وذلك لأن صاحب العمل لا يقبل بذلك، في مخالفة صريحة لقانون العمل، بل وللعقد الموقع معه.

ويروي منصور معاناته قائلا: "لا أستطيع الذهاب إلى الأطباء فذهابي يعني تغيبي وتغيبي يعني خصم يوم عمل يقدر بعشرة دنانير.

ورغم أن الأجرة اليومية لا تتجاوز الخمس دنانير" "إنهم يعملوا على مدار ساعات الشمس وأحيانا بعد الشمس". على حد تعبير منصور الذي يشرح: طلوع الشمس بالنسبة لنا هي جرس بداية العمل وغروبها النهاية.

ولكن إذا ما احتاج رب العمل إلى المزيد فان أوقات الليل المتأخرة لن تشفع للعمال، ومن دون أي دخل اضافي فالاجرة هي نفسها خمسة دنانير لليوم الواحد.

وجرت العادة بان ينقل صاحب العمل عماله من مشروع زراعي إلى أخر يمتلكه في المواسم الزراعية، وهذا النقل محتمل أمام مشهد آخر. يقول منصور: إن انتهينا من أعمالنا، يرسلونا للعمل في حدائق منازلهم او منازل أقربائهم".

يعلم منصور كما يعلم مواطنيه وزملاءه ان ما يمارس عليهم مخالفا لشروط العمل ولعقودهم التي وقّعوها مع صاحب العمل .. ولكن من الذي سينقذه أو يعطيه حقه؟

العقد الذي وقعه هذا العامل الوافد هو كم اوقعه زملاءه، عندما جاؤوا جميعا من بلادهم حيث ساعات العمل المقررة ثماني ساعات من ضمنها استراحة الغداء.

خالد إبراهيم أحد العمال الوافدين الذي يعملون في إحدى مزراع لواء دير علا منذ عشرة سنوات تقريبا.

خالد لا يرى الانتهاكات بهذا التبسيط فقط، بل يقول: "استغلال أصحاب العمل للعمالة الوافدة عبر زيادة ساعات العمل وتدني الاجور، جزء بسيط من معاناتنا".

معاناة صعبة

خالد يعد على أصابعه التالي: ليس لنا ضمان اجتماعي، ولا تأمين صحي، ولا حق لنا بإجازات ولا عطل، والسكن لا يصلح للحيوانات، وهناك في نهاية المطاف التسريح بعد انتهاء الموسم، ومن يحالفه الحظ يحصل على مستحقاته رغم قلتها، وهناك من لا يحصل.. كل ذلك ولا يوجد من يسألنا لمجرد السؤال عن أوضاعنا.. نحن منتهكون في كل شيء".

بالنسبة لوزارة العمل، يوضح وزير العمل محمود الكفاوين: أنه لم يرد للوزارة شكاوى بخصوص أي انتهاك. وكحال كل الجهات الرسمية فإن التعهد بارسال فرق التفتيش عند بروز الصحافة هي الحل، وسواء ذهبت هذه الفرق أو لم تذهب، فالأمر لا يعني أن أحداثا جديدة ستطرأ على المعاناة.

يقول الوزير الكفاوين: ستقوم الوزارة بارسال فرق من دائرة التفتيش الموزعة على مديريات العمل المنتشرة في جميع مديريات العمل والبالغ عددهعا 35 مكتب للتأكد من صحة الشكاوى.

وبسخرية يتسأل العامل خالد من منا يجرؤ على الشكوى، وهو يعلم أن مصيره العودة من حيث أتى؟  يقول: المشكلة في ذهنية الجهات المسؤولة حول القطاع الزراعي. هنا الأمر مختلف عن غيره من القطاعات المهنية، فهنا يحق لرب العمل ما لا يحق لارباب القطاعات الأخرى".

دور وزارة العمل

ويعلق مدير المرصد العمالي على ذلك بالقول: "وزارة العمل غير قادرة على لعب دورها الرئيسي في تنظيم السوق، وذلك بسبب موازنة الوزارة القليلة التي لا تمكنها من تعيين أعداد كافية من مفتشي العمل  للمتابعة او الكشف عن الانتهاكات التي يعاني العمالة الوافدة .

كما أن بعض موظفي التفتيش غير مدربة ولا مؤهلة للقيام بالتفيش عن الانتهاكات التي يتعرض لها العمالة، وفي أغلب الأحيان يلجأ مفتشو العمل للمرصد العمالي بهدف الحصول على معلومات عن بعض المناطق، رغم أن ما يجب أن تكون عليه الامور هو ان تكون وزارة العمل المرجع الرئيسي لقضايا العمل والتشغيل في الاردن.

ويصف عوض دور العمل فيقول: "90% من جهد الوزارة يصب على إصدار تصاريح  العمل فقط، مما جعلها غير قادرة على ضبط الانتهاكات وهو زاد من حجم هذه الانتهاكات".

ومع ذلك فان لدى وزير العمل ما يقوله، فهو يحذر من مخالفة القوانين، والوزارة على حد وصفه لن تتهون باتخاذ حزمة من الاجراءات الازمة لمن يخالف عقود العمل في حال وجدت فرق التفتيش هذا الانتهاكات، مشيرا إلى أن المخالفات المتكررة تعني غرامات تصل إلى 500 دينار.

ولهذا يقول: "لا أحد يستطيع تحمل هذه المخالفة المتكررة لذا تضمن الوزراة ضبط اصحاب العمل المخالفين ".

ولكن ماذا عن عدم شمول العمالة الوافدة في القطاع الزراعي بالضمان الاجتماعي أو التأمين الصحي يقول الكفاوين "أي منشأة لديها خمسة عمال فأكثر يفترض أن يتم شمولهم في الضمان الاجتماعي".

تصاريح العمل

لا ينقص الأردن نصوص القوانين، التي فيها تم شمول العاملين في القطاع الزراعي بالضمان الاجتماعي والتأمين الصحي بمظلة قانون العمل الجديد، ولكن المفارقة أنه ولغاية الآن لم تصدر بنود تنظم عمل العاملين في القطاع لضمان حقوقهم. يقول الوزير: "العمل تعمل مع الجهات المعنية على مراجعة استخدام العمالة الوافدة".

ووفق مديرة العمالة المهاجرة في وزارة العمل اسماء أبو عزام فان عدد التصاريح العمل الصادرة عن الوزارة خلال عام 2010 وصل الى 298342 تصريح عمل.

كما بلغ اجمالي عدد تصاريح العمل من بداية عام 2011 وإلى شهر إبريل  79316 تصريح عمل من مختلف الجنسيات العربية والأجنبية.

فيما وصل عدد تصاريح العمل الممنوحة للقطاع الرزاعي منذ بداية 2011 حتى اليوم الى24868 الف تصريح أما تصارح القطاع الزراعي لعام 2010 فوصل إلى 83859 تصريح عمل، أغلبهم من الحاصلين على تصاريح عمل للقطاع الزراعي. أما باقي الاشقاء المصريين العاملين في القطاعات الأخرى فتشكل نسبتهم 68%.

يوم الجمعة عمل في منازل الأقارب

سألنا العامل الوافد خالد عن يوم الجمعة، فأجاب: "إن لم يكن لدى صاحب العمل شيء يفعله بنا، سيرسلنا إلى أحد منازل أقاربه لنعمل فيه".

كل حديث للمصادر التي التقينا بها تسند بعضها بعضا. يقول العامل خالد ابراهيم: "حتى أن أصحاب العمل يطلبون من العامل الوافد اعمالا إضافية من دون مقابل مادي، كالعمل في حديقة منزله أو حدائق منازل اقاربه ومعارفه".

وبما يشبه الاتجار بالبشر وهو كذلك فان اصحاب العمل – كما يقول ابراهيم - لا يسمحون للعامل الوافدة لديهم الخروج ليلا من المزارع وذلك لاستغلاله في الحراسة لحماية المنتحات والمستلزمات الزراعية من السرقة، فضلا عن ذلك فان صاحب العمل يحمل العامل الوافد أثمان المعدات التي يتم سرقتها من المزرعة".

العمال شركاء في الخسارة!

أما عن العمل بالسخرة فحدث عن ذلك ولا حرج. يقول ربيع ابو السيد هو أيضا أحد العمالة الوافدة: "أشكال دفع الأجور تختلف من صاحب عمل لآخر، فبعضنا يتقاضوا الاجرة بحسب الاتفاق المسبق بينه وبين صاحب العمل بعد انتهاء الموسم الزراعي مقابل تأمين صاحب المزرعة العامل بالماكل والمشرب والاحتياجات اليومية.

أما آخرون فيعانون من امتناع اصحاب العمل عن إعطاء العمال أجورهم بحجة خسارة الموسم الزراعي إما بسبب انخفاض أسعار المنتجات الزراعية أو انهيار الموسم الزراعي".

وإذا كانت البدايات ألم فلابد أن تكون النهاية مأساة. يقول أحد العمال الوافدين: في كل نهاية موسم زراعي الذي يستمر لمدة ثمانية أشهر تظهر انتهاك جديد وهو تسريح العمالة الوافدة من عمل ووقف رواتبهم على أن يعودوا مع بداية الموسم الزراعي الجديد.

بالنسبة للعامل إبراهيم علي فإن الهدف من هذا الاجراء تخفيض الكلف المالية على صاحب العمل، وهذه الخطوة تعد كارثة بالنسبة للعمالة الوافدة التي تنضم إلى صفوف العاطلين عن العمل في فصل الصيف ولمدة تتجاوز 4 شهور .

مدير المرصد العمالي أحمد عوض يلخص كل شي بالتالي: "المرصد تزوّد وزارة العمل والجهات ذات العلاقة بالنتائج التي انتهت إليها دراستنا وملخصها كل ما سبق، لكن لم يقم أحد بأي إجراء.

تقرير لصالح مشروع مضمون جديد