تدخل العلاقات الاردنية – الاسرائيلية منعطفا حرجا بالتزامن مع مرور خمسة وعشرين عاما على معاهدة السلام بين البلدين في عام 1994.
إذ ساهمت تصريحات وتهديدات من رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو عزمه "ضم وفرض السيادة على غور الأردن، وشمال البحر الميت بالإضافة الى المستوطنات في الضفة الغربية " الى اشعال فتيلة أزمة بين طرفين المعاهدة .
ولم يعد الاردن متحمسا لأحلام التسوية السلمية، بل أصبحت المشاريع اليمينية الاسرائيلية المعادية للأردن بارزة للعيان .
تصريحات نتنياهو المتكررة حول فرض السيادة الإسرائيلية على مناطق غور الأردن وشمال البحر الميت والمستوطنات في الضفة الغربية، دفعت الملك عبد الله الثاني للتحذير من انعكاسات هذا التوجه على العلاقات الاردنية الإسرائيلية.
الكاتب المتخصص بالشأن الفلسطيني، حمادة الفراعنة، يرى في حديث لـ عمان نت أن تصريحات الملك عبدالله الثاني هي بمثابة تحذير الإسرائيليين حول استمرارية العلاقة الاردنية الاسرائيلية، وان ما يفعلونه يهدف لهدم العلاقات لعدة اسباب : اولا، الانتهاكات الاسرائيلية المتواصلة للحرم القدسي الشريف، مما يشكل مساسا لقدسية هذا المكان، ثانيا أن الملك هو الوصي الهاشمي على المقدسات الاسلامية والمسيحية، وأن المساس بهذه المقدسات والتطاول عليها وخاصة نحو المسجد الاقصى وكنيسة القيامة يشكل انتهاكا للوصاية الهاشمية والرعايا الاردنية , ثالثا هناك إقرار وتفاهمات بين الحكومات الاردنية والاسرائيلية على الدور الأردني في رعاية هذه المقدسات، وبالتالي التطاول عليها والمس بها يتعارض مع التفاهمات الواردة في معاهدة السلام الأردنية الاسرائيلية، رابعا، ما تفعله السلطات الاحتلال يشكل مساسا لما يتعارض مع قرارات الأمم المتحدة بداية من قرار الانسحاب، وعدم الضرر (242)، و ليس انتهاءا بأخر قرار صادر عن مجلس الأمن (2343) الذي يؤكد ان الأراضي الفلسطينية والقدس هي جزء من الأراضي المحتلة وأن المستوطنات في الضفة الفلسطينية والقدس غير شرعية وتتعارض مع قرارات الأمم المتحدة ".
هذا واضاف "ان الملك يعتبر استمرار سياسة السلطات الاسرائيلية في ممارسة الاستيطان وتمزيق الضفة الفلسطينية بالمستوطنات، والشوارع الالتفافية يجعل من الارض الفلسطينية طاردة لأهلها، وهذا يشكل تأثيرا سلبيا على الامن الوطني الاردني؛ ذلك لأنها كانت جزءا من اراضي المملكة الاردنية الهاشمية عام 1967 وينطبق عليها قرار الانسحاب انسجاما مع قرارات الأمم المتحدة والاتفاقات الموقعة بين أطراف العرب والإسرائيليين لهذا السبب ولعدم ردع الإسرائيليين وجه الملك هذه الرسالة التحذيرية للإسرائيليين وللمجتمع الدولي ان ما يمكن ان تتخذه الأردن من إجراءات سببها استمرارية هذه السياسات الارهابية المعادية لحقوق الانسان و لقرارات الامم المتحدة ايضا للمصالح الوطنية الأردنية " .
ويتمسك الأردن تاريخيا بحل الدولتين، كحل عادل للقضية الفلسطينية، وضرورة تحقيق السلام الدائم، وبما يضمن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من حزيران/ يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
ورقة سياسات
وأظهرت ورقة سياسات صادرة عن الندوة التي أقامها مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية بعنوان (الانتخابات الإسرائيلية نتائج وسيناريوهات وبدائل ) أن لا فرص تبدو للتقدم الإيجابي على صعيد القضية الفلسطينية أو صفقة القرن، إذ تكاد تتفق الأحزاب والكتل السياسية الإسرائيلية على الموقف من القضية الفلسطينية،.
وحسب الورقة وربما يكون هذا الموقف العدائي للفلسطينيين أكثر ما يجمع بين الإسرائيليين؟ ويلاحظ أن الشأن الفلسطيني وحل الدولتين لم يتعرض له أحد من المرشحين، كما جرت حملة عدائية للفلسطينيين الإسرائيليين - عرب 48.
وبينت الورقة أن المشهد الفلسطيني في انقسامه وظروفه الصعبة، لا يبدو مشجعا على تقدم إيجابي، وقد أظهر استطلاع للرأي أن 75 في المائة من الفلسطينيين لا يثقون بالرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن، وربما يكون أسوأ ما لحق بالمشهد الفلسطيني أن الوضع القائم تحول مع الزمن إلى مصلحة للنخب الفلسطينية سواء في حماس أو السلطة الوطنية، وقد تكون مستعدة على نحو خفي للدفاع عن هذا الواقع ومقاومة تغييره، إذ أن التغيير في أي اتجاه سوف يضر بمصالح هذه النخب، وهي في الوقت نفسه مصالح مستقلة عن المصالح الفلسطينية العامة أو تتناقض معها. ويبدو التوجه الواقعي نحو حكم ذاتي لكيانات فيدراليات فلسطينية معزولة ومتعددة يكون مركزها المناطق ذات الكثافة السكانية الفلسطينية العالية مثل غزة. وتبحث إسرائيل عن هيئة تمنح جواز سفر فلسطيني حتى لا تمنح هي لهم هذا الجواز مخافة أن يمكنهم من الحصول على حقوق قانونية.
وحسب الورقة لا يبدو ثمة مجال مسار إيجابي على صعيد اللاجئين والعودة والقدس،وعلى المستوى الإقليمي يبدو مجال لعقد صفقة القرن في حل إقليمي يتجاوز الأردن ومصر. ويبدو المشهد العربي أيضا مشتتا ومتباينا.
الانتخابات الاسرائيلية والسياسة الخارجية الأردنية
وكان نتنياهو قد طرح في الحملة الانتخابية مشروع ضم أراضي الضفة الغربية الواقعة في وادي الأردن، وأبدى الأردن معارضة قوية للمشروع، الأمر الذي اعتبره الملك عبد الله الثاني إن ذلك سيؤثر على العلاقات الأردنية الإسرائيلية، وإضافة إلى ذلك فإن السياسة الأردنية في القضية الفلسطينية والعلاقة مع إسرائيل تواجه مجموعة من التحديات والأسئلة الكبرى التي يبدو أنها لم تتأثر كثيرا بالانتخابات الإسرائيلية، مثل المسجد الأقصى الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، ومصير أكثر من مليون لاجئ فلسطيني في الأردن لا يحملون الرقم الوطني الأردني، وتأثير الوضع النهائي أو الواقعي للضفة الغربية على الأردن، وفي الوقت نفسه فإن الأردن يواجه هذه التحديات بلا تحالف أو غطاء إقليمي أو عربي.
وزاد المشهد تعقيدا اعادة تكليف رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بتشكيل الحكومة المقبلة، ايمن الحنيطي خبير في شؤون الإسرائيلية يرى "أن المشهد السياسي الاسرائيلي يزداد تعقيدا بعد تكليف نتنياهو لرئاسة الوزراء".
مشيرا الى أنه "من المرجح سيفشل في تشكيل ائتلافه خلال 28 يوم المدة القانونية الممنوحة له"، بين الحنيطي "انه هنالك عدة سيناريوهات مطروحة على الساحة السياسية ".
وطالب " بتشكيل حكومة وحدة وطنية إلا انها تفككت بسبب إصرار نتنياهو على الدخول مع ( ازرق ابيض ) بمفاوضات ائتلافية مع الكتلة كاملة (اليمين واليمين الأيديولوجي )".
كما وطالب " 55 بعضو ليشكلوا الحكومة المقبلة هذا ما رفضه ازرق ابيض , كما رفض أيضا تسويات وطروحات قدمها الرئيس الاسرائيلي للخروج بحل للازمة والطريق المسدود الذي وصلت اليه الامور , حيث طرح رئيس الكيان ريبلين بتشكيل الحكومة من رئيسيين . رئيس نتنياهو على الأغلب ومعه نائب رئيس وزراء بصلاحيات واسعة ازرق ابيض " .
مما يدفع الأردن لمراجعة جادة وعميقة وبدائلها وخياراتها الاستراتيجية في التعامل مع الإسرائيليين والقوى العالمية والاقليمية , وبخاصة ان الجدار الاستنادي العربي كاد ان يتهاوى , ولا يركن عليه .
وحسب ورقة مركز الدراسات الاستراتيجية، يحتاج الأردن إلى اجتراح سياسة واقعية تمكنه من إدارة مصالحه وقيمه والتزاماته السياسية في ظل ظروف ومعطيات يغلب عليها أنها تعمل ضده، لكن يمكن العمل على بناء وصيانة التحالف والتعاون الأردني الفلسطيني، وتوظيف الأفق السياسي والإعلامي المؤيد أو المتفهم لحقوق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وبناء دولتهم، واجتذاب التأييد والتضامن العربي والدولي للتضامن مع الأردن وفلسطين ودعمهما في مواجهة الاتجاهات الصهيونية المتطرفة واليمينية، وبالطبع تعزيز التحالف مع فلسطينيي إسرائيل والقوى الإسرائيلية المؤيدة للسلام والمعارضة لتننياهو واليمين الإسرائيلي.
ويبقى السؤال المستقبلي الحيوي للأردن هو : اذا كان رهان التسوية السلمية وصل الى طريق مقلق جدا، ووادي عربة تحولت الى عبء سياسي، وهناك تصورات اسرائيلية تستهدف الأمن الوطني , والحالة العربية لا يمكن الاتكاء عليها ... فما الحل ؟