العاملات في الأغوار: العمل بلا رحمة تحت وهج الشمس الحارقة

العاملات في الأغوار: العمل بلا رحمة تحت وهج الشمس الحارقة
الرابط المختصر

تبدأ سارة خليل عملها في المزارع بالأغوار يوميا برحلة شاقة. "يتم تحميلنا
في بك اب فوق بعض. نكون عشر عاملات واكثر في بعض الاحيان.

وكل هذا تحت أشعة الشمس الحارقة. اليوم ارتفع ضغطي. الظروف سيئة. ماذا
افعل؟".

وتصف سارة، ذات الثلاثين ربيعا، ظروف عملها في المزارع وكيف
يؤثر على صحتها وأطفالها. "عندي ضغط وصدري يؤلمني، بعض المعلمين لا يلتزمون
بساعات الدوام يزيدونها دون مقابل. اليوم أغمى علي في العمل من حرارة الجو وارتفاع
الضغط. اثناء العمل اقلق كثيرا على اطفالي لكن في الصباح اكون قد جهزت لهم المصروف
والطعام. وكل يوم على هذا المنوال. اليوم الذي نعطل به لا نأكل. الله يعلم بالحال،
في بعض الاحيان نبقى في العمل للساعة الخامسة لكي احصل على خمسة دنانير. لا احد
يساعدني".

هُنَ، العاملات في الزراعة بالاغوار.. ويومٌ طويل اطول من
ليل الصابرين على الجوع، يوم طويل شاق تحت وهج الشمس الحارقة، يكابدن المعاناة
والالم والصعوبات التي لا تطاق، من اجل دنانير معدودات بعدد اصابع الكف الواحدة، لا
تكفي لسد حاجات فرد في هذا الزمن الصعب فكيف بعائلات كاملة، نسيها الزمن كما لو
كانت أثرا خَلَفهُ التاريخ كأوابد الأغوار المجهولة.
سلة غذاء تنتجها
بطون جوعى

اذا كانت الاغوار تعتبر سلة غذاء البلد، ومصدر اغلب صادراته
الزراعية وموردا للعملة الصعبة، فهذه كلها تحققت وتتحقق بفعل الايدي "الناعمة"،
بحسب مجلات "الاتيكيت". فالاغوار بحكم العادات والتقاليد، والثقافة السائدة يعتمد
على قوة عمل المرأة في عملية الانتاج الزراعي.
تؤكد فضة الحديدي (أم محمد)، من
مؤسسة جمعية ذات النطاقين الخيرية، أن "هناك 60% من نساء وفتيات غور الأردن
يعملن بالزراعة. الغالبية العظمى من النساء هنا لا تسعها الدوائر الحكومية، فلا
وجود لمصانع أو متاجر للبيع لتعمل بها السيدات فيتجهن الى القطاع الزراعي في
الحقول، فيستيقظن من الساعة السادسة صباحاً وبعضهن يستمر بالعمل حتى الرابعة والبعض
الآخر حتى الخامسة، والأجرة لا تكون كافية لهن".

وتصف الحديدي
المعاناة: "رغم الحر وعدم وجود الضمان الاجتماعي، إضافة الى عملهن مع
العمالة الوافدة فالسيدات يعانين".

غير ان الحديدي تعتبر ان خطط
الحكومة الثلاثية والخمسية حققت تقدما مهما في تحسين ظروف عمل المرأة في الزراعة،
فتستدرك: "معاناتها في كل هذا تظل أخف من معاناتنا في الوقت السابق،
الزراعة تطورت الآن. قبل الخطة الثلاثية والخمسية لوادي الأردن والتي وجهتها
الحكومة ضمن خطط التنمية كانت المرأة تتوجه الى الحقل منذ الصباح الباكر مع زوجها
وأبنائها فلم يكن هناك عمالة وافدة، وكان العمل مضنيا جدا فلم يكن هناك كهرباء ولا
شبكات ري من الشبكات المكشوفة، وحتى البيوت البلاستيكية لم تكن موجودة، فكانت كلها
عبارة عن زراعة مكشوفة فتخرج من الصباح وتبقى حتى المغرب، حاليا الوضع تغير،
فالعاملات يذهبن الى المزارع بسيارات".

ولكن عن أي سيارات نقل تتحدث،
فرؤية عشرات النساء مكومات في صناديق الشاحنات "البكبات"، كما لو كن متاعا، هو
المشهد المألوف في الاغوار، والرحلة في صندوق كهذا هي جزء من المعاناة، وتحت شمس
الاغوار الحارقة ودرجة الرطوبة المرتفعة، والطرق الزراعية الترابية الوعرة، ورعونة
سائقي البكبات، في احيان كثيرة، تجعل من هذه الرحلة مخاطرة كبرى.
تقول
فضة: "المزارعة امرأة تستحق الحياة والاحترام، فالجهد الذي تبذله المزارعة
لا تبذله أية موظفة على مكتب. تخيل الخطر الذي تتعرض له النساء المزارعات حينما
تنقل 30 مزارعة على ظهر سيارة الـ بك – أب في الصيف أو الشتاء وكثيرا ما تسقط بعضهن
منه بسبب العدد الكثيف، امنيتي ان يكون هناك تصوير لمشاهدة هذا
المنظر".

عمالة سُخرة
يحلو للكثيرين اطلاق لقب
عاملة او عامل على أي انسان يخرج الى العمل، بغض النظر عن ما تجنيه يداه في
المقابل، وفي عمل المرأة الغورية، شيئا يقترب من السخرة اكثر مما هو عملا بمقابل او
بأجر يتناسب والجهد المبذول والناتج.
واذا كانت السخرة هي العمل بالاكراه، فأي
شيء أكثر من الفقر يجبر الانسان على العمل الشاق بمقابل لا يكفيه خبزه كفاف يومه،
واحيانا لا يحصل على هذا الكفاف.
تقول فضة الحديد: "الأجرة كانت قليلة
في الماضي قبل سنين لكنها ظلت تزداد مع التطور الطبيعي فأصبحت دينار ثم دينارين
والآن وصلت الى 4 ولا تتجاوز الـ 5 دنانير في اليوم. والدوام حتى الساعة السادسة
مساءً. المالكون يحبون استخدام مزارعات لأنهن أرخص من العمالة المستوردة، ولأنهن
يصبرن، فليس ضروريا أن يأخذن أجرة اليوم في نفس اليوم بل تنتظر حتى يقتطع المالك
الإنتاج وثمنه وبعضهن قد ينتظرن شهراً أو شهرين حتى يأخذن أجرتهن والبعض منهن تعيل
اطفالها وبيتها فأحيانا بعضهن أرامل أو أزواجهن عاطلون عن العمل أو رواتبهم لا
تجدي".

والصبر الذي تتحدث عنه فضة، يتحول عند بعض المالكين الى تحايل
على العاملات للتخلص من الدفع. تقول عايشة، 27 عاما: "احيانا لا يعطوننا أي
أجر، ويقول بأنه ليس معه نقود. اذهبوا اشتكوا علي. أو انه يختفي. ونحن لا نشتكي
لأننا لن نستفيد ونحن الخسرانين لو اشتكينا".

وتحايل كهذا، قد يوحي بأن
الاجر الذي تتقاضاه عائشة وزميلاتها في العمل كبير، بيد ان واقع الحال ليس كذلك،
فكل ما تجنيه عائشة في اليوم ثلاثة دنانير فقط. تقول: "أعمل في القطاف
والزراعة والتعشيب حسب الموسم، والآن تعشيب الملوخية، من الساعة السادسة حتى
الحادية عشرة أو الثانية عشرة ظهرا براتب ثلاثة دنانير في اليوم تزيد إذا داومت
اكثر. أي تسعين دينارا في الشهر".

وتضيف واصفة حادثة حصلت لها قبل
فترة: "إضافة الى العمل تحت الشمس، هناك صعوبة تحصيل الأجرة من المالك إذا
كان نصابا أو ليس معه نقودا ليدفع لنا فيخدعنا. وحدث هذا قبل شهر حيث كنا نلقط
الفلفل فلم يعطنا اجرتنا لمدة شهرين ولم يساعدنا أحد لتحصيل أجرتنا".


ورنا خليفة شقيقة عائشة، 25 عاما، تعمل هي الاخرى بمرتب ثلاثة دنانير في اليوم
فقط، تقول: "أعدادنا تصل الى 10 أو اكثر أو أقل حسب ما يطلبه المزارع. أعمل
انا والوالدة في المزرعة وأساعد عائلتي. أعمل من الساعة السادسة صباحا وحتى الحادية
عشرة ظهرا. وأحيانا ساعات إضافية بأجرة إضافية، لكن الاجر يتأخر أحيانا
كثيرة".

والأجرة نفسها بالنسبة لسارة خليل، ولكن وقت العمل اطول:
"عرفت الحياة وانا اعمل في الزراعة. انا اعمل في تعبئة المحصول. ساعات
عملنا من السابعة صباحا حتى الثالثة عصرا. بأجر ثلاثة دنانير يوميا. واذا زادت
ساعات العمل يكون هناك نصف دينار زيادة على الاجر".

فضة الدايات (ام
عبدالله)، صاحبة مزرعة عائلية صغيرة، تستكثر الاجرة البسيطة التي تتقاضها النساء عن
عملهن، تقول: "كنت احضر فتيات للعمل معي في المزرعة مقابل ايجار يومي كن
يقمن بقطف الخضراوات كنت اعطيهم دينارين من الساعة السابعة صباحا حتى الساعة
الثانية عشرة. الان اختلف الوضع اصبحن يطلبن 4 دنانير لان الحياة اصبحت
غالية".

ورغم ان ام عبدالله تمتلك مزرعة عائلية لكن الوضع بالنسبة لها
ليس افضل حالا من العاملات، تقول: "دوامي من السابعة صباحا حتى السابعة
مساء، ازرع الفاصولياء والبصل. اقوم من الصباح بجمع البصل وتعبئته بشوالات وكذلك
البطاطا والباذنجان اجمعه وابعثه الى السوق من خلال سائق لكن احيانا ابقى لساعات
الصباح البكر عندما يكون هناك سقاية".

العمل في الأيام
القائظة

تنحني نساء الغور على الارض طيلة يوم العمل جمعا للثمار او
لزراعة الشتلات او تعشيبا حولها، في ظل ظروف بالغة القسوة، فأشعة الشمس في الاغوار
تبدو كما لو كانت عمودية طوال النهار، وهي تبلغ في بعض الايام اكثر من اربعين درجة
زائد الرطوبة المرتفعة بشدة، والحال في الشتاء ليس افضل فالجو بارد جدا.
تصف
عايشة الوضع: "كل فتيات الغور يعملن في المزارع تحت الشمس في الصيف والبرد
في الشتاء، وأحيانا وقوف صاحب المزرعة فوق رؤوسنا يستعجلنا في العمل بدون رحمة حتى
لمجرد أن ترفع المزارعة رأسها. ضربتني الشمس ذات مرة وانا اعمل، بقيت أسبوعين وانا
مريضة، فتعالجت منها وعدت للعمل، كل العمل يؤثر علينا، على ظهورنا واجسامنا، واليوم
الذي لا أعمل فيه لا آخذ عليه أجرا".

اما رنا فتقول: "نتعب في
الشمس الحارقة، ونشكي لكنهم لا يسمعونا. أصابتني ضربة شمس مرتين، لكنهم لم يسعفوني.
في كل المرات، حينما نظل نعمل تحت الشمس مدة طويلة نتعب اكيد، وأحيانا لا يسمحون
لنا بمجرد استراحة للذهاب الى الحمام أو غسل اليدين، نريد أن يأتوا ليرو حياتنا في
الغور، فنحن نتعرض للحر الشديد والمعاناة اليومية".

فضة الحديدي تتمنى
ان يتخيل بعض الناس وضع المرأة المزارعة: "تخيل حينما تتأخر السيارة عنهن
فيبقين جالسات تحت الشمس حتى يأتي، أو يضطررن ان يعدن على اقدامهن. هناك فرق كبير
بين أي عمل آخر والعمل الزراعي للسيدات، اقلها العمل تحت الشمس الحارقة طوال النهار
وتحت المطر والبرد".

ظروف قاسية لا تحتمل
لا يكفي
ان تعمل النساء في المزارع تحت وهج الشمس الحارق، فالبقاء طوال ساعات العمل محنيات
الظهر، على رؤوسهن يقف مالكين مستبدين او مراقبين بدون شفقة، وفي جو تملأه الحشرات
الهائمة ويمتلئ هواؤه برذاذ المبيدات الحشرية السامة بدون أي استراحة وبدون أي
اشراف طبي وبدون أي تأمين صحي او اجتماعي يجعل من المرأة المزارعة أشبه بعبيد عصر
الاقطاع.
تصف فضة الحديدي الوضع: "أثناء رش المبيدات الحشرية تتعرض
العاملة لها وتستنشقها وتعود بملابسها ملوثة، فلا نرتدي كمامات ولا أفرهولات ولا
نظارات حماية، فهن يتلثمن تلثم ويرتدين ملابسهن الخاصة بالمزرعة لكن هذا غير كافي،
هذا غير حمل الأشياء الثقيلة مثل الصناديق من الحقل لمكان السيارة. ستبقى المزارعة
تعاني بلا أحد يعطيها حقوقها، سواء ضمان اجتماعي أو تأمين صحي أو مواصلات أو حتى
مساعدات في البيت على فاتورة الماء والكهرباء".

اما بالنسبة لعائشة
فتقول: "عند رش المبيدات الحشرية، هَمّ المزارع أن يكتمل عمله ويخلص، فلا
يعطينا أي ثياب للحماية أو كمامات أو غيرها فنتأثر بهذه
المبيدات".

وبالنسبة لحليمة ضيف، فهي وجدت في زيادة كمية الملابس رغم
الحرارة المرتفعة سبيلا للوقاية من المبيدات، تقول: "الزراعة متعبة تحتاج
جهد ومعرفة ورأس مال ونفقات وتؤثر على الصحة، لان الامراض انتشرت في الغور بشكل لا
يوصف، كما ان المبيدات تؤثر على صحة المزارع واشعة الشمس الحارقة ايضا، لكننا نلجأ
لعدد من الامور الوقائية مثل لباس كمية من الملابس لتجنب ضربة الشمس، انت لا
تستطيعين العمل حافية القدمين في المزرعة".

وتقول سارة: "راجعت
الطبيب ومنعني من العمل يبدو انه عندي غده سرطانية، لكن الطبيب لم يخبرني بالمرض،
لكني شاعر به. لقد قمت بإجراء العملية واستأصلت الغدة السرطانية لكن ألم العملية ما
زال يرافقني في العمل".

حرمان كامل
لا تدفع
المرأة في الاغوار ثمن عملها من صحتها فقط او من عرق جبينها، فالثمن اكبر بكثير،
فهي إن كانت أم تدفع ثمنا مضاعفا، فعدى عن عنايتها بالاطفال تبقى في ظل ظروف لا
تتوفر فيها دور حضانة واجور زهيدة لا تكفي لشراء الخبز مشغولة البال على اطفالها.
ولا تجد الكثير من نساء الغور بدا من اصطحاب اطفالهن معهن للبقاء الى جانبهن تحت
وهج الشمس.
تقول ام عبدالله: "هذا العمل يؤثر على صحتي لكني اريد أن
اربي اطفالي. انا عندي ضغط واحتكاك بالقدمين، منذ 25 سنة وانا اعمل، الانسان الذي
يعمل ليل نهار سيتعب يوم ما. عندما كان أطفالي صغار السن جدا كنت آخذهم معي إلى
المزرعة، وكان يقوم برعايتهم ابني الأكبر، ليس باليد حيلة نريد ان نعيش. كنت اقول
لهم ضعوا يدي بيدكم وسنحقق احلامنا كما لو كان أبوكم موجودا، الحمد لله لقد حققت
أحلامهم".

اما سارة فتقول: "في العمل اقلق كثيرا على اطفالي
لكن في الصباح اكون قد جهزت لهم المصروف والطعام، وكل يوم على هذا
المنوال".

وبكلمات بسيطة تصف فضة الوضع فلا تترك مجالا للكتابة:
"انتم تعرفون اليوم التسارع في الحياة والتطور في المعيشة، فالإبن الذي كان
يرضى بـ5 قروش لم يعد يكفيه 15 قرشاً لأنه يرى مغريات كثيرة وحينما يرى شيئا في
التلفاز ويريده أنا كأم مزارعة من أين سأوفره له؟ كل شيء طرأ عليه تغيير إلا الحياة
اليومية للمزارع، فما هو مطلوب مني اكثر من الدخل الذي أتقاضاه. هناك بيوت يخرج
فيها كل الأفراد حتى يحصلون قوتهم اليومي. فهناك من تدرس أبنها في الجامعة وأخرى
تعالج فردا في المستشفى".

وتتمنى فضة من "قطاع الزراعة" شيئا
واحدا: "تأمين صحي مجاني، أنا حينما اكون مزارعة ولي تأمين صحي أكون ساعدت
زوجي بطريقة ما. لو ان فاتورة الكهرباء وفاتورة المياه تقل في شهور الصيف لكان
الوضع اخف في هذا الجو الساخن. التربية قامت بزيادة أيام السنة الدراسية وتخيل كيف
يذهب الأبناء الى المدارس في مثل هذا الجو الساخن .أطلب طلبا من المسؤولين أن يكون
هناك تأمين صحي للمزارعين أو المزارعات حتى نؤمن علاج اولادنا ولا تكون الفاتورة
كبيرة علينا وخاصة مع درجات الحرارة العالية هذه.

وفضة التي ترى أن
هناك عدم إنصاف للمرأة في هذه الظروف، تشدد على رغبتها بالعيش الكريم.
"أعمل بيدي ولا ألجأ لغيري. تمر أيام احتاج ان آخذ ابني معي ليعاني معي في الحر أو
أضعه عند احد بأجر مدفوع فكل جهد له ثمن، ثمن اتصالي بعائلتي، فحينما أخرج من البيت
الساعة السادسة صباحا وأعود الساعة السادسة مساء فما هو حال أطفالي ورائي. هناك
تفكك اسري وبنفس الوقت أريد أن اعيش بكرامة أقل ما فيها ان انال احترامي لذاتي.

ورغم أن فضة كافحت لتخريج أبناء ثلاث من الجامعات، لكنهم ما زالوا
عاطلين عن العمل وما زالت هي تتحمل الجهد الأكبر. "ربما الحق على المناهج
فهي غير مهيأة لتصبح مزارعا فيجب أن يهيأ الطفل إذا أراد ان يكون مزارعا، فلذلك أنا
كمزارعة سأتعب وأشقى حتى أؤمن قوت عائلتي، والجهد الذي أبذله صباحا سأبذل مثله في
الليل حينما أصل الى البيت فأطبخ وأغسل وأهيئ البيت، هنا جهد كبير على
المرأة".

واذا كانت الظروف الطبيعية في الاغوار قاسية، حتى بالنسبة
للمصطافين، فإن ما يفاقم هذه الظروف ويجعلها غير قابلة للاحتمال هو تجبر المالكين
ايضا. تقول سارة: "يوجد اناس نتعب عندهم بالعمل. العمل متعب خصوصا للظهر
لاننا نقوم بالزراعة وظهورنا منحنية لساعات. هناك "معلمين" لا يدعونا نرتاح والطعام
عليهم، وهو لبن وحمص وفلافل، لكن الظروف سيئة. ماذا افعل وزوجي مصري الجنسية تركني
واطفالي رضع ولم يسأل عني. الان اريد ان اخرج الولد من المدرسة واكمل تعليم الفتاة،
لا استطيع دفع الرسوم المدرسية له. في المزرعة بعض المعلمين (المشرفين) يراقبونا،
البعض لا يدعنا نأخذ معنا خضراوات، في بعض الاحيان يتم تفتيشنا، وهذا يؤثرا فينا
جدا ويجرح مشاعرنا، نخبرهم نحن ايضا لدينا اطفال يريدون ان
يأكلوا".

مديرة زراعة الأغوار، المهندسة نجاح مصالحة، تبين أن عدد
العاملات في الزراعة بالأجرة يتجاوز عشرة آلاف امرأة أردنية، وهن عاملات عرضيات أي
يعملن على أساس موسمي حسب الطلب. وارتفع هذا الرقم منذ عام 2004 حيث كان قرابة
8,650. هذا عدا النساء غير المأجورات كالتي تساعد أمها أو زوجها. أما عدد المزارعات
المتخذات قرار في إدارة مزرعة فقليل.
وعزت مصالحة السبب إلى أنه "لا
يوجد مجال آخر أمام النساء في الغور، حيث نسبة الأمية مرتفعة، لرفع مستواهن المعيشي
سوى العمل في الزراعة وتحت ظروف قاسية نسبيا، وهي ظروف بيئية واجتماعية واقتصادية
سيئة. لأن نسبة الأمية مرتفعة هناك".

وترى مصالحة أنه "لا يوجد
جهة تتابع عمل هؤلاء السيدات العاملات في الزراعة، لكن يمكن أن يكون ذلك من خلال
شركات خاصة، شركات استخدام، بحيث ينظم رحلاتهن للمزارع، وسقف أجور معين، ضمان
اجتماعي وتأمين صحي. ووزارة العمل هي المسؤولة عن مراقبة تطبيق ذلك. في حين تتحمل
وزارة الزراعة مسؤولية مراقبة تنظيم قطاع الزراعة وإدارة
المزارع".

ويوضح رئيس اتحاد مزارعي وادي الأردن، المهندس سليمان
الغزاوي، أن الاتحاد يضم فقط النساء اللاتي يتملكن أراض زراعية أو يحترفن الزراعة،
وليس العاملات في الزراعة.
ويرى أنه "يجب على وزارة الزراعة أن تنظم
قطاع الزراعة بداية، وأن يكون هناك عملا مؤسسيا، أو كشركات، وتفعيل هذا القطاع
ليكون مربحا للمزارع، بحيث يجد أولا فرص عمل لهؤلاء العاملات في وادي الأردن، ويؤمن
حقوقهن".

ويشير إلى أن "عدد المالكات للمزارع قليل جدا، في حين
أن الإنتاجية في وادي الأردن تعتمد بشكل كبير على الأيدي العاملة النسائية، في
عملية القطف وجمع المحصول وتغليفه مبدعات أكثر من الرجال".

وتعزو نجاح
مصالحة الاعتماد الأساسي على الأيدي العاملة النسائية في الغور إلى "ثقافة
في المجتمع الريفي ناتجة عن الفقر والأمية والبطالة، تشجع الشاب على اختيار العمل
السهل والبرستيج الخاص مهما كان مستوى الفقر. لكن المرأة الريفية تعي واقعها
المرير، والمتمثل بالاتكال عليها في إعالة الأطفال وتعرضهم لمخاطر عملها، وتعدد
الزوجات".

وتصف الجمعيات الأهلية والتعاونية في الغور بأنها منهكة ولا
تقدم الشيء الكثير، سواء في النواحي الاجتماعية أو حتى الاقتصادية.
تكاد قسوة
ظروف الحياة بالنسبة للنساء في الاغوار تذكرنا بتلك الحياة التي يعيشها البعض في
اكثر مناطق العالم فقرا، كنساء دولة افريقية تعاني المجاعة، الا ان كل ذلك يحصل تحت
سمع وبصر الجهات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني، التي لا تفعل الكثير لنساء الغور.
وفيما تعطي الحكومة في كل يوم ترخيصا لنقابة او جمعية ما فإن نساء الغور لا يجدن من
يدافع عن حقوقهن بل لا يجدن من يرفع صوته مساندا.
هل يعقل ان يجري كل هذا في بلد
يفخر بتمسكه بحقوق الانسان، هل يعقل ان تترك النساء في هذا القطاع عرضة للاستغلال
البشع من المالك والأب والزوج، وعرضة للامراض بل والموت تحت اشعة الشمس الحارقة
وبفعل المبيدات الحشرية وغياب اجراءات السلامة، هل يعقل ان تعمل النساء اكثر من
ثمان ساعات يوميا بأجر لا يكفي لسد رمق الحياة.

أضف تعليقك