العائلات في ظل جائحة كورونا.. هل كانت على متن ذات القارب؟
لم يُغيِّر فايروس كورونا من نهجِ حياتنا العملية والعلمية أو مناخنا المادي فحسب، لكنه استطاع أيضًا أن يخترق نفوسنا ويُغيِّر من أمزجتنا بطريقةٍ واضحة، كانت أحيانًا مُهيمنة وغير عادلة فيما يخص انفعالاتنا وتعاملنا مع مشاعرنا ومشاعر الآخر.
ففي الوقت الذي بدأت فيه بعض العائلات بإعادة تشييد روابطها الأسرية من جديد، بلمسةٍ من التقارب العاطفي، كان البعض الآخر منها يُقاسي الأمرَّين، ويؤرِّقها إحساسٌ بالتهديد والغضب، أو مشاكلٌ مفتعلة قد تبرز من العدم، بحجَّة الضجر والقلق.
ولكي ندخل أكثر في نفوس وأجواء بيوت العائلات خلال جائحة كورونا، حلَّ الخبير في حماية الأطفال والأسرة سيد الرطروط ضيفًا على برنامج معًا لنهزم الكورونا، والذي يُبَث على راديو البلد، بيَّن باستضافته تلك أبرز التحديات "الأسرية" التي شُكِّلَت أثناء جائحة كورونا.
الرطروط أكدَّ ظهور علاقات مخفية بين الأسر نشطت أكثر بالأزمات، أو مشاكل لا مرئية برزت أكثر خلال الجائحة، فالتقارير التي رُصِدَت مقارنةً بالسنة المعيارية ٢٠١٩ في الأردن، تؤكد ازدياد حالات العنف الأسري؛ إذ أن هذه الجائحة نشَّبت بأظفارها بطريقة أصعب على أسر عديدة.
الرطروط أشار إلى أن ازدياد وتيرة العنف في هذه المرحلة الصعبة تؤكد أن العلاقات الأسرية فيما مضى كانت مهزوزة و"مغطَّاة بقشَّة"، تم الكشف عنها خلال الأزمة نتيجةً لوجود الضجر أو تصاعد عدم توافر احتياجات مُلبَّاة ومغطَّاة؛ فالاحتكاك والتفريغ الانفعالي بوجود الحظر استطاع أن يظهر بشكل أوسع.
وفي سؤاله عن الأثر على المدى الطويل للصحة النفسية للأسر، أجاب الرطروط أن العائلات التي كانت علاقاتها دافئة في إطارها الأسري فيما مضى، كانت هي الأدوم في المسار التي تتجه إليه نحو التعافي، أمّا الأسر التي أخفقت في التواصل الإيجابي وتأمينها للاحتياجات، واعتمادها لنهج القسوة، فهي بحاجة إلى التدخل النفسي الاجتماعي لتفكيك المشاكل الحاصلة وتقويم مسار الضرر الذي حدث في بنية الأسرة.
الرطروط في نهاية حديثه أشار إلى دور الحكومة وأذرعتها المختلفة في "المعاملة التلطيفية" لكل من فقد عمله أو مرَّ بظرف قاهر؛ وذلك في سبيل أن يشعر المواطن بالأمان وبأنه "غير منسي" من قبل الحكومة، مؤكدًا ضرورة أن يصل هذا الخطاب إلى الحكومة قبل إصدارها أي قرار من شأنه أن يؤثر على المواطن، إذ لابد من وجود إدارة أزمة وتدخلات نفسية عميقة تتبَّع الأثر النفسي لتلك الأزمة الراهنة.
التركيز الدائم على اكتشاف طرق واضحة لمواجهة العصبية التي قد تغزونا خلال تواجدنا في المنزل، وكذلك التنفيس عن إحباطنا وضجرنا بطريقه بنَّاءة تمنعه من أن ينفجر على أفراد أسرتنا هي العلاج النفسي الأول "الذاتي والمجاني" في ظل جائحة كورونا، وبانتهاجنا هذا العلاج نكون قد اجتزنا شوطًا نفسيًا طويلاً في رحلة التعافي النفسي من تبعات هذه أزمة المُتعِبة.