الضم سينزع الأمل، مما سيؤدي لانفجار

داود كُتّاب هو صحفي فلسطيني وأستاذ صحافة سابق في جامعة برنستون الأمريكية
الرابط المختصر

رغم استمرار الاحتلال الإسرائيلي على مدى العقود الماضية، إلا أن الفترات الرئيسة التي شهدت حالات انفجار من الشعب الفلسطيني ضد هذا الاحتلال، هي تلك الفترات التي كان الفلسطينيون يفقدون الأمل فيها. في كل عقد كانت هناك أمور تؤجل الانفجار. ففي السبعينيات من القرن الماضي، توقع الفلسطينيون الخلاص على يد العرب. ورغم أن حرب عام 1973 ومفاوضات السلام المصرية التي تبعتها لم تجلب سلامًا للفلسطينيين، إلا أن تفاعل دولة عربية كبرى مع إسرائيل أعطى الشعب بصيصًا من الأمل. وفي الثمانينيات، أدت الحرب الإسرائيلية ضد منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان إلى تلاشي الأمل بأن ينجح مقاتلو المنظمة بإجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي المحتلة. وفي غياب الأمل، انفجر الفلسطينيون عام 1987 بما عرف بالانتفاضة الأولى، والتي كانت مقاومة غير مسلحة أدت في نهاية المطاف لموافقة إسحاق رابين وشمعون بيريس على اتفاقية تهدف إلى انسحاب تدريجي للجيش الإسرائيلي. ولكن هذا التحرك توقف عندما قام يهودي متطرف استوحى الإلهام جزئيًا من الخطاب المناهض للانسحاب باغتيال رابين. بعد ذلك نجح الداعم الرائد لمناهضة الانسحاب بنيامين نتنياهو في الفوز بنسبة ضئيلة على خصمه بيريس بالانتخابات، رغم خسارته بعد ذلك أمام إيهود باراك، وتوقف منذ ذلك الوقت العمل الجاد للسلام. لقد شكل فشل باراك في مفاوضات كامب ديفيد الثانية للسلام، والتي لم يكن معدّا لها بالشكل الجيد، تبديدا لأي أمل بالسلام عندما زار رئيس المعارضة آنذاك أرييل شارون المسجد الأقصى من دون دعوى. نتج عن الزيارة احتجاجات قام الجنود الإسرائيليون بقمعها بشكل عنيف. أدى فشل السلام وزيارة شارون إلى اندلاع الانتفاضة الثانية والتي كانت أكثر عنفًا وأعادت الأمور إلى الوراء. انتهت الانتفاضة الثانية بوفاة غير واضحة لياسر عرفات، وجلبت للحكم نائبه محمود عباس والذي انتخب عام 2005. وقد تبنى عباس بصورة استراتيجية حل الدولتين، فيما قلل من تشبته بحق العودة، وأبدى استعداده للقبول بحلول إبداعية في القدس، والتواجد الدولي في الغور بما فيه قوات من الناتو. ولكن رغم قيام الفلسطينيين بتقديم حلول واقعية، إلا أن إسرائيل كانت تسرع نحو اليمين المتطرف بقيادة صاحب أطول فترة في رئاسة الوزراء. وقد أصبح مستقبل بنيامين نتنياهو رهنًا لليمين القومي الصهيوني والحركة الاستيطانية المتطرفة، إضافة إلى محاولته البقاء في الحكم لتجنب السجن. لقد وفر الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري نافذة أمل في المفاوضات عام 2014 إلا أنها تبخرت. وقد أشار كيري في شهادة لمجلس الشيوخ الأمريكي، إلى حصر المسؤولية على الجانب الإسرائيلي باستمراره في بناء المستوطنات، والتراجع عن إطلاق سراح سجناء كبار السن والذين كان قد تم اعتقالهم قبل بداية التحرك السلمي. إن المحاولة الحالية لضم أراضٍ في الضفة الغربية ستطفئ أي شعلة أمل تبقت لحل سلمي. فإن كان زعيم فلسطيني معتدل مثل عباس مع عالم عربي أقل عداء لإسرائيل مستعدين لتوفير حق الفيتو لإسرائيل في موضوع حق العودة للفلسطينيين لا يستطيعون صنع السلام، فإن النقاش يدور حول من يستطيع ذلك؟ لأول مرة منذ عقود لم يعد غالبية الفلسطينيين مؤمنين في حل الدولتين المقبول عالميًا. وغالبية الفلسطينيين اليوم تحت سنة 29 عامًا يعتقدون بانتهاء الأمل بحل سلمي في حال تم تنفيذ مخطط الضم. لذلك ليس غريبًا أن كبار الجنرالات وخبراء الأمن الإسرائيليين يحذرون من قيام نتنياهو فعلا بتنفيذ الضم، الذي سينجم عنه انفجار شعبي فلسطيني، أو ما يصفه بعضهم بـ”الانتفاضة الثالثة”. إن الأمل قوة صالحة ولكن إذا تم إطفاؤه فإنه يصبح قوة مدمرة. السلام يتبخر من بين أيدي الشعبين من قبل قوى تؤمن بأن القوة هي الحق وليس الحق هو القوة. لقد رفضت إسرائيل بالقيام بما هو مطلوب منها بسبب تساهل المجتمع الدولي معها طيلة السنوات الماضية. ولقد حان الوقت لكي يقول العالم “لا” للظلم، ويطالب بإنهاء الاحتلال من خلال تحرك متعدد برعاية دولية متعددة كي يتم تنفيذ معادلة السلام مقابل الأرض والتي ستسمح بإقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل.

المقال نقلا عن الواشنطن بوست