الصحافة تتابع العنف الاجتماعي، بحذر ولكن بلغة جديدة

الرابط المختصر

طيلة أكثر من سنتين ظلت أخبار المشاجرات العشائرية تحظى بأهمية اعتيادية باعتبارها مجرد أخبار جاذبة للقراء، وقد طالتها أحياناً بعض التعليقات السريعة هنا وهناك من قبل الكتاب المهتمين بالشأن المحلي. ولكن المشاجرة التي حصلت في الحادي والعشرين من آب الماضي في عجلون شكلت نقطة تحول في التغطية الصحفية الخاصة بهذه الظاهرة، فهي المشاجرة الأولى التي امتدت وبعنف شديد لعدة أيام ورافقتها مظاهر جديدة سيما لجهة عجز الحكومة وأجهزتها عن السيطرة على الموقف، ولهذا فإن الصحافة توقفت عندها كثيراً.

 

منتميزت المواد الصحفية المنشورة تميزت بالكثير من الحذر، وصيغت الأخبار بعناية وتركيز، وامتنعت بعض الصحف عن ذكر اسم العشيرتين صاحبتي العلاقة، ودفعت صحيفة مثل "الرأي" بالخبر إلى الداخل ربما رغبة منها بالإسهام في تهدئة النفوس.
 
الجديد هو محتوى التعليقات والمقالات التي استخدمت بشكل لافت مفاهيم سياسية واجتماعية جديدة بعضها يستخدم للمرة الأولى لوصف الحالة الأردنية. لقد وجد الكتاب أنفسهم أمام ظاهرة تحوي الكثير من الدلالات على تغيرات عميقة في المجتمع والدولة.
 
المقالة الأولى التي نشرتها الصحافة الورقية جاءت مباشرة في اليوم التالي لبدء المشاجرة وبالتزامن مع نشر أول خبر عنها وكتبها فهد الخيطان في "العرب اليوم" في 22 آب بعنوان يقول: "لا نرى في الساحة غير الدرك" تناول فيه مجمل المشاجرات العشائرية ورصد ما اعتبره مظاهر استقواء على الدولة التي اقتصر حضورها على قوات الدرك، بينما غابت باقي الأدوات وكل القوى الوسيطة في الدولة والمجتمع، لقد أصبحت الهراوة -برأي الخيطان- وسيلة الاتصال الوحيدة. ولكن الكاتب عاد في مقالة أخرى ليحذر من أن هذه المظاهر تعتبر دلالة على فشل عام، واستخدم لأول مرة مصطلح "الدولة الفاشلة"، وأرجع ذلك إلى تسليم مشروع الإصلاح إلى شركات العلاقات العامة والنخب الليبرالية الفاسدة.
 
زميله في الصحيفة طاهر العدوان كتب أن الاعتراف بأهمية العشيرة في تكوين البناء الاجتماعي للدولة الأردنية يفترض أن يصب في تعزيز مفهوم المواطنة في الدولة بما يخدم أن الأردنيين شعب وليسوا مجموعة عشائر. وأضاف أن مراعاة خصوصيات العشائر وشبكة روابطها وعلاقاتها لا ينبغي أن يعلو على سيادة القانون وهيبة السلطة.
 
صحيفة "الغد" كانت الأبرز في عدد المقالات حول الظاهرة، فتساءل سميح المعايطة عن "قدرة أدوات الدولة من حكومة ومجتمع على إدارة هذه القضايا"، وطالب الدولة بأن تقرأ ما حدث لأنه ليس مجرد حادثة قتل بل اختبار لأدوات هذه الدولة.
 
في نفس السياق كتب جميل النمري في "الغد" أيضاً عن تفهمه لقبول الأعراف العشائرية إلى جانب القانون المدني على أن لا تتجاوز عن القانون وتنتقص منه، وهذا المقال هو الأول الذي انتقد بوضوح بعض مجريات وشروط حل مشكلة مشاجرة عجلون بالذات، وخاصة تلك البنود التي تتضمن مخالفات قانونية صريحة، وأبدى النمري خشيته من أن تكون هذه الحالة سابقة قد تجعل البلد بمواجهة حالات مشابهة يفرض الناس فيها شروطهم الخاصة المتناقضة مع القوانين.
 
محمد أبو رمان في نفس الصحيفة ربط ظاهرة المشاجرات مع ظواهر اجتماعية أخرى جديدة وتحدث عن بروز الهويات الفرعية ونشوء حركات مطلبية محذراً أن المجتمع الأردني يمثل الطرف الأضعف في المعادلة.
 
مقالات أخرى استخدمت لغة أكثر استشعاراً للخطورة، فمهند مبيضين كتب عن "إعادة الاعتبار للعقل الكلي للدولة" مشيراً إلى أننا "استنفذنا فكرة الدولة ونحن نكرس القبيلة"، وحسب رأيه فقد جرى "هدم أخلاق الدولة وكانت النتيجة أن تقدمت العشيرة واستقال العقل".
 
في مقالة لاحقة أكثر ملامسة لبعض مجريات حادثة عجلون انتقد المبيضين الحالة التي تصبح فيها العشيرة صاحبة الحق في منح الدولة صك أمان للتدخل، واعتبر أن ترك الأمر للعشيرة لتتولى حل النزاعات هو قتل للقانون، ورأى أن الدولة الأردنية بهذا تراجعت إلى الوراء أربعين عاماً.
 
من الملاحظ ان صحف الرأي والدستور والسبيل كانت مقتصدة نسبياً في المقالات والتعليقات، فكتابها الرئيسيين امتنعوا عن تناول الموضوع، وفي الدستور كتب رمزي الغزوي ابن عجلون مقالة فيها قدر من الوجدانيات وقال متأسياً: "أن كل ما نتعلمه ونتشربه منذ صغرنا وكل ما نلهج به من نعمة الأمن وما نصرح به من أننا دولة قانون ومؤسسات يضيع أمام لحظة غضب".
 
خارج نطاق المقالات، كان هناك عدد من المواد الصحفية التي ناقشت العنف الاجتماعي عموماً، وفي السياق خصصت صحيفة "العرب اليوم" زاويتها الاسبوعية "قضية الاسبوع" لمناقشة الظاهرة، واقترحت على قرائها عدة محاور للنقاش المفتوح.
 
على العموم يمكن ملاحظة أن الصحف الأردنية اكتشفت مؤخراً خلل وقصور الصيغة الاعلامية التقليدية التي تتحدث عن أن العنف "غريب عن طبيعة مجتمعنا"، وانتبهت إلى أن طبيعة مجتمعنا ذاتها قد تغيرت، وأن هذا هو ما يستحق النقاش.