الصحافة تؤجج "سعار" رمضان وتتملق العامة

الصحافة تؤجج "سعار" رمضان وتتملق العامة
الرابط المختصر

مع كل عام وقبل حلول شهر رمضان تبدو البلاد والعباد في حالة استنفار شامل بحثا عن الغذاء وكأانه سوف لن يكون. واغلب الظن ان الصحافة تجد في هذه "الحمى" فرصتها الدورية للتأجيج، وربما المزاودة تحت شعار "خدمة المواطن"...نظرا لطبيعة شهر رمضان فأن استهلاك المواد الغذائية يصبح همّا للمواطن، الامر الذي قد يفسر ارتفاع اسعار بعض السلع واختفاء بعضها مؤقتا. فتسارع الصحافة الى الانضام لحملة سعار الغذاء وتبدأ في نشر اخبارا وتقارير لـ"طمأنة" العامة على "المخزون الغذائي:

 
 
-       مواطنون : نطالب بخفض اسعار السلع الرئيسية مع قرب حلول رمضان.
 
 
 
-       المحيسن : الحكومة ستضمن ثبات الأسعار في رمضان.
 
 
 
-       كفاوين : لا قرار بصرف معونات إضافية خلال شهر رمضان.
 
 
 
-       انطلاق قوافل الخير الهاشمية غدا بمناسبة قرب حلول شهر رمضان المبارك.
 
 
 
-       «حماية المستهلك النقابية» تحذر من ارتفاع الأسعار مع اقتراب رمضان المبارك.
 
 
 
-       المعاني: سوق شعبي في صويلح خلال "رمضان".
 
 
 
-       الدوام الرسمي في رمضان من التاسعة صباحا وحتى الثانية.
 
 
 
-       انشاء اسواق شعبية ببلدات وقرى الوسطية في رمضان المبارك.
 
 
 
-       تهافت على الأسواق عشية رمضان.
 
 
 
بالامكان مواصلة ايراد امثلة، الى ما لا نهاية، حول طبيعة المواد التي تنشرها الصحافة بمناسبة "اقتراب حلول رمضان"، لكن، الواضح ان الصحافة في كل ما تفعله تحاول استرضاء الناس بأي وسيلة دون النظر الى السلوك "الاستهلاكي" المفرط الذي لا يتناسب مع ما هو مفترض في شهر "تقشف".
 
 
ويبلغ "تملق" العامة من الناس ذروته لدى كتّاب المقالات اللذين يستلون اقلامهم لـ"الدفاع" عن حق المواطن في طعام وافر ورخيص في شهر الصيام.
 
 
"توفير المواد الغذائية والسلع في الأسواق خلال شهر رمضان المبارك إجراء سليم ومهم ، لأنه يضع حدا للاحتكار...ويقطع الطريق على المتاجرين بقوات المواطنين ، ولكن.. ، وحتى يكون لهذا القرار صداه وتأثيره اللازمان ، فإن المطلوب من الحكومة ، وبالذات من وزارة الصناعة والتجارة ، تحديد أسعار السلع الاستراتيجية.."، اجراءات ناقصة، مقال لرشيد حسن في "الدستور، 2/8.
 
 
ولان السياسات التي تتعلق باحوال الناس تقوم على الحقائق لا الامنيات ، فان على صانعي القرار وغيرهم من الفاعلين الاقتصاديين والسياسيين اعداد العدة لهذا الشهر الكريم بشكل يختلف عن كل عام لان أسعار المواد الغذائية العالمية تشهد ارتفاعا غير مسبوق وهناك ازمة حقيقية تشكو منها كل دول العالم ، وتتساوى في ذلك الدول المتقدمة مع الدول النامية..." الدكتور نبيل الشريف، رمضان وازمة الغذاء العالمية، الدستور 4/8.
 
 
والحال هذه، فأن الصحافة لا تلعب دورا متوازنا في التغطية الاعلامية لشهر رمضان. فهي تتحول الى مجرد "دعاة على ابواب الجنة".
 
لكن هناك من سوف يقول ان مهمة الصحافة "خدمة المواطن" والكشف عن السلبيات التي بينها ارتفاع الاسعار او فقدان بعض المواد الغذائية خلال شهر الصيام. لكن اليس ما يحصل فعلا هو ان الاعلام والاعلان هما المسؤولان اولا واخيرا عن تأجيج حالة "السعار" هذه.
 
 
" جزء من المشكلة يتعلق بالاعلام ، الذي يريد ان يمارس الطمأنة في مخاطبته للناس ، لكنه يسبب الشعور بنفاد السلع المحتمل ، والنفس البشرية ضعيفة بطبيعتها وتستحلي كل سلعة يرتفع ثمنها ، او كل سلعة مهددة بالاختفاء ، ولذلك نرى ان الاثار الراجعة للصياغات الاعلامية ، ليست حصول الطمأنة ، بل مهاجمة الاسواق مثل الجراد"، ماهر ابو طير، الدستور، 6/8.
على اي حال، فأن الصحافة هي "جزء" من المشكلة، من عدة نواحي، فلا يمكن بحال من الأحوال إغفال الكم الهائل من الاعلانات الاستهلاكية التي تنشرها الصحافة.
 
 ولا تلتفت الصحف كثيرا الى مدى تأثير هذه الاعلانات في خلق حالة "السعار" الاستهلاكي. لا بل ان شهر رمضان يشكل بكل المقاييس فرصة "ربحية" للصحف من خلال زيادة الاعلانات وخاصة المتعلقة بالسلع الغذائية والمطاعم والوجبات وغيرها.
 
 ولا تمتلك الصحف اي "ميثاق مهني" للاعلانات التي قد لا يتوفر في بعضها ادنى الشروط في حماية المستهلك.
 
 مهما يكن من امر، اذا كانت الصحافة تصدت الان، كما في كل مرة يقترب فيها شهر رمضان، لمشكلة ارتفاع الأسعار، فهي لزمت جانب وتجاهلت جوانب.
 
فقد تجاهلت الصحافة مدى تأثبر هذا السعار الاستهلاكي على الزيادة غير المبررة في المستوردات وتاليا الخسارة في مخزون العملات الصعبة. وتجاهلت شيوع ثقافة استهلاك مفرطة في التبذير تؤدي الى زيادة حدة مشكلة الارتفاع هذه وقد نسيت الصحافة ان للمواطن دور في ضبط الاسعار من خلال ترشيد الاستهلاك خلال الشهر او على الاقل الحفاظ عليه كما هو في الاشهر الاخرى.
 
 
ونسيت الصحافة ايضا تدني نسب انتاجية العمل في رمضان وتدني القدرة الشرائية بما يجعل من اي راتفاع في الاسعار مبالغا به.
 
 الصحافة، قامت "بواجبها" في الحديث عن التهاب الاسعار وتجاهلت المسببات الرئيسية الا وهو السلوك الفج للمستهلك في شهر من المفترض ان يكون شهر تقشف وعبادة.