الصحافة المتابعة للإرهاب لم تعد خاضعة للإرهاب
لغاية الآن لم تكتمل تفاصيل قصة اعتقال الشاب حسام الصمادي في أمريكا بتهمة تتصل بما يعرف في الإعلام بقضايا الإرهاب، ولكن طريقة تعاطي الصحافة المحلية مع الخبر كانت لافتة من حيث أنها اختلفت عن الأسلوب المتبع في هذا المجال منذ ثمانية أعوام. فقد عاش الإعلام المحلي، مثله مثل غيره في كثير من دول العالم متردداً خائفاً أمام أية قصة أمريكية أو غربية، ولم يملك كثيرون جرأة التشكيك بالرواية القادمة من الغرب. لقد كانت تلك الرواية مصدقة حتى لو ثبت عكسها أحياناً.
في الصحافة الأردنية كان الحذر واضحاً منذ الأيام الأولى التي تلت تفجيرات الحادي عشر من أيلول، وهو الشهر الذي أصبح اسمه الوحيد "سبتمبر" عندما يتعلق الأمر بهذا الحدث وذلك تمشياً مع التسمية الأمريكية التي أصبحت عالمية.
قصة حسام الصمادي شكلت انقلاباً في طريقة تعاطي الصحافة مع القضايا الشبيهة، وهو ما أثّر مباشرة على الموقف الإعلامي الرسمي. فقد سجلت الصحافة ملاحظة على الموقف الأولي الذي أعلنه الناطق الرسمي باسم الحكومة نبيل الشريف عندما سارع إلى شجب الإرهاب وأعلن الاستعداد للتعاون مع السلطات الأمريكية وأن الأمر بيد القضاء هناك، وبادر إلى الإعلان عما لديه من معلومات عن أسبقيات جرمية للشاب حسام وهو في الرابعة عشرة من عمره.
الصحافة أوردت تصريحات الناطق الرسمي التي أدلى بها لوكالة الأنباء الرسمية (بترا)، غير أن عدداً من كتّاب الصحف سارعوا إلى نقد الموقف الرسمي ولاموا ما لاحظوه من تصديق سريع للرواية الأمريكية.
المقالة الأولى التي تناولت بقدر ملحوظ من القسوة الموقف الرسمي كتبها محمد ابورمان لكنه لم ينتظر صدور عدد صحيفته "الغد" فنشرها في موقع (عمون) ظهر يوم السبت 26/9 لتشكل أول تعليق على موقف الناطق الرسمي، وذكّر أبو رمان بموقف مماثل اتخذته الحكومة في قضية الطبيب الأردني محمد عشا الذي اعتقل في بريطانيا لمدة عام ونصف قبل أن تتم تبرئته.
بعد ذلك تتالت المقالات كما تغيرت عناوين التغطيات الصحفية للخبر، فصحيفة "الرأي" التي حرصت في أول تغطية لها على بداية تقليدية تقول: "الأردن أكد موقفه الرافض للإرهاب"، عادت في اليوم التالي الأحد إلى وضع الخبر تحت عنوان أن "الأردن طلب معلومات رسمية"، لكن "الرأي" إلى جانب "الدستور" أوردتا في العناوين الرئيسية إشادة والد الشاب حسام بالموقف الرسمي، وكأنهما بذلك تردان على منتقدي الناطق الرسمي، بل إن "الدستور" أشارت في العنوان إلى أن والد حسام يؤيد موقف الناطق الرسمي بالذات.
طاهر العدوان في "العرب اليوم" ذكّر بقصص اثبت القضاء أنها مفبركة بعد أن اعتقل أصحابها وقال أن 88 ألف عربي ومسلم تم إخضاعهم للتحقيق، وأن خمسة ألاف منهم تم اعتقالهم هناك دون إدانات. وختم أن من حق حسام على دولته وحكومته أن تتابعا عن قرب مجريات التحقيق وأن توقفا له محامين أكفاء.
فهد الخيطان في نفس الصحيفة تساءل: من هو الإرهابي في القصة؟ هل هو الشاب أم جهاز الأمن الأمريكي (اف. بي. آي) الذي استدرج الشاب حتى بحسب الرواية الأمريكية؟
في "الغد" كتب ياسر ابوهلالة مطالباً بعدم التخلي عن الشاب حتى لو كان مذنباً، وقال: تمنيت لو أن حكومتنا كانت في سوية الحكومة اليمنية التي لم تتخل عن أبنائها في حالات مشابهة، وأكد أن حسام سواء كان بريئا أم مذنبا هو ضحية لا يجوز أن يتخلى
عنه المجتمع والدولة.
ياسر الزعاترة في "الدستور" هذا الصباح الاثنين كتب عن "استدراج رخيص تم للشاب الصمادي" وذكّر وهو الكاتب المختص بشؤون الجماعات الإسلامية بالكثير من القضايا التي راح ضحيتها ألوف الشباب الأبرياء، وأعاد الزعاترة الأمر إلى ما سماه "لوثة الإرهاب ولعبة تشويه المسلمين منبهاً إلى أن الاعتقال عادة ما يكون خبراً دسماً في الاعلام غير أن أحكام البراءة تمر مرور الكرام ولا يدري بها أحد.
وحدها مقالة جميل النمري في "الغد" هذا الصباح أيضاً جاءت تحمل لغة مختلفة، فقد انتقد النمري زملاءه الذين جعلوا من حسام بطلاً وضحية وجعلوا من الحكومة الأمريكية ورجال الـ(اف. بي. آي) متآمرين وجلادين. كما رفض الانتقادات التي وجهت للناطق الرسمي باسم الحكومة.
من الواضح أن القضية لا تزال في بدايتها والنقاش قد يستمر مع تتالي الأخبار القادمة من واشنطن، ولكنه نقاش يسمح باستنتاج أولي بأن الإعلام المتابع للإرهاب لم يعد خاضعاً للكثير من الإرهاب.











































