السياسة والمجتمع يصدر تقريرًا حول اليوم التالي لانتهاء العملية السلمية
دعا خبراء وباحثون إلى ضرورة أن يتحول الأردن من مقاربة “حل الصراع” إلى الاعتراف باستمرارية الوضع الراهن غرب النهر عبر الانتقال نحو مقاربة “إدارة الصراع” مع الإسرائيليين، والقيام بدور أكثر فعالية في تقوية الحالة الفلسطينية والاشتباك معها.
جاء ذلك في ورشتين مغلقتين عقدهما معهد السياسة والمجتمع خلال شهري مايو/آيار و يونيو/حزيران – العام الجاري جمعت نخبًا أردنية وفلسطينية من الضفة الغربية والداخل المحتل الـ48، وبحثت الورشتان في واقع الأحداث التي شهدتها الضفة الغربية والقدس والاحتجاجات العارمة التي اجتاحت المدن الإسرائيلية، والغوص في اعتبارات الأمن الوطني والمصالح الاستراتيجية الأردنية والعلاقة مع الفلسطينيين في ظل المقاربات الاستراتيجية المطروحة لحل القضية.
وتأتي الدعوة إلى الانتقال نحو “إدارة الصراع” من منطلق حتمية الاشتباك الأردني في القضية الفلسطينية التي تتجاوز واقعيًّا الاعتبارات الإقليمية ولها امتداداتها العميقة في السياسات الأردنية، الداخلية والخارجية، وتؤثر على معادلة الأردن الجيو استراتيجية، إلى جانب تشابك المصالح الاستراتيجية الأردنية مع المصالح الفلسطينية، ديمغرافيًّا وثقافيًّا وسياسيًّا، وحتى اقتصاديًّا، ومن اعتبارات أن ما يحدث على الأراضي الفلسطينية يمسّ الأمن الأردني، بخاصة أنّ الأردن داخليًّا ودبلوماسيًّا مشتبك مع ملفات اللاجئين والحدود والقدس، مما يدفع إلى مراجعة مفهوم الأمن الوطني الأردني واعتبار ما يحدث في الضفة الغربية مرتبطًا به عضويًّا أو استراتيجيًّا. ورأى التقرير أن المطلوب أردنيًّا اليوم هو التفكير بصورة جدية وجديدة لإعادة هيكلة مفهوم الدور والمطلوب منه، بما يخدم المصالح الاستراتيجية الفلسطينية والأردنية على السواء، في ظل انهيار الحل السلمي، وهو ما يتطلب من صناع القرار في عمّان التخلي عن تحفظهم من الدخول في الشأن الفلسطيني والانطلاق إلى مفاهيم جديدة في التعامل مع المشهد هناك وتأثيراته على الأمن الوطني والمصالح الاستراتيجية.
ورأى التقرير أنه على الرغم من فشل كل المحاولات وتعثرها؛ فقد بقي مطبخ قرار السياسة الخارجية مصرًّا على الإمساك بهذا الخطاب الدبلوماسي الداعي إلى التمسك بحل الدولتين، حتى أصبح أخيرًا يبدو خارج السياق لما يجري من تطورات على أرض الواقع، بل واعتبر مشاركون أن الإصرار عليه يهدر الوقت، رغم التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي والتي أقرَّ فيها بأنّ “حل الدولتين يقوَّض، وقريبون من انتهاء جدواه”.
ولفت التقرير إلى أن جميع النخب الحاضرة في ورش العمل أقرت بانتهاء (حل الدولتين) ولم يعد واقعيًّا، فبعد 75 عامًا من النكبة و56 عامًا من الاحتلال فإن التغيير الحاصل في البنية الإسرائيلية اليوم هو تغير استراتيجي وليس عابرًا؛ فإسرائيل لم تعد احتلالًا إحلاليًّا واستعماريًّا، بل تحولت لنظام عنصري “أبرتايد”، وهو ضد الفلسطينيين في الداخل المحتل وغزة والضفة الغربية، وما تشهده القضية اليوم هو صعود قوة إسرائيلية تريد القيام بتطهير عرقي للشعب الفلسطيني. كما أن الخطة الإسرائيلية تتمثل بعملية تطهير عرقي للفلسطينيين من مناطق (ج) التي تشكل 62% من مساحة الضفة والتي تشهد تزايدًا مستمرا في اعداد المستوطنين. ما يعني أن الدعوة المستمرة والتمسك بحل الدولتين هو يميل في الواقع إلى تطبيع الفلسطينيين مع الوضع القائم.
وعلى صعيد الأحداث في إسرائيل وتداعياته المحتملة على الشأن الفلسطيني، فقد لفت التقرير إلى أن تيار اليمين المتطرف مع فوزه لم يعد يركز على مسألة الحسم على مستوى الفلسطينيين فقط بل انتقل هدف الحسم إلى الداخل الإسرائيلي الذي شهد ويشهد تاريخيًّا شرخًا دينيًّا-علمانيًّا؛ فالمتدينون منذ قرابة عقدين وهم يسيطرون على مفاصل الدولة ولم يتبقَ أمامهم إلا محكمة العدل العليا، كما أن نتنياهو عمد في حكومته المشكلة، إلى جانب التحالف مع الأحزاب الصهيونية الدينية، التحالفَ مع القوى اليهودية الدينية (الحريديم) التي لطالما كانت في السابق تعادي الصهيونية لكنها اليوم تسير بالاتجاه الذي يسير فيه نتنياهو وحكومته بعد أن استطاع حل مشكلاتهم المتعلقة بالمسكن، لكثرة المواليد، عن طريق منحهم مستوطنات وهو ما كان كفيلًا لإحداث انزياح لهم نحو اليمين، وهو ما قلب المعادلة سياسيًّا وينذر بانقلاب ديموغرافي أيضًا.
وعلى الرغم من حالة الاختلاف المتنامية إلا أن الصراع بين القوى الإسرائيلية محصور في مسائلها الداخلية؛ فجميع القوى اليمين واليسار الإسرائيلية تسعى لإلغاء القضية الفلسطينية من على طاولات التفاهم، ومحصلة ذلك أن الرهان على رحيل رئيس الوزراء بنيامي نتنياهو من عدمه هو مضيعة للوقت -بحسب التقرير-. ففي ظل حالة الاضطراب الداخلية ما تزال إسرائيل تملك أوراقًا من القوة والتصميم على المضي قدمًا في إطار المشروع الصهيوني، الذي يرى أنّ فلسطين هي أرض إسرائيل الموعودة، وهي التي تمثل وطنًا قوميًّا لليهود، والفلسطينيون الموجودون هم عبء في هذه الأرض لا بد من إيجاد مخرج للتعامل معه.
أما على صعيد السلطة في الضفة الغربية ومستقبلها في ظل سؤال الشرعية الذي يواجهها؛ فقد دعا التقرير أن الفكرة الأساسية المطالب بها اليوم في العديد من الأوساط ليس حل السلطة وإنما تغيير وظائفها، وإخراج منظمة التحرير من عباءة السلطة التي فقدت قدرتها على إدارة الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، في ظل افتقادها للشرعية لدى الكثير من مكونات الشعب الفلسطيني. ويتطلب الأمر من السلطة أن تركز جهودها في تبني بناء قطاع خدمات جيد، لأن العديد من الفلسطينيين بدأوا يُخلون الأراضي الفلسطينية بحثًا عن خدمات وفرص أفضل.
وفيما يتعلق بالسيناريوهات المحتملة فقد رأى التقرير أنه على الرغم من الدعوات التي بدأت تطرح مقاربة الدولة الواحدة التي تركز على الحقوق الفلسطينية من منطلق عدم إمكانية تطبيق حل الدولتين مع وجود المستوطنات والتحولات في الوسط الانتخابي والمشروع الإسرائيلي وتحول النظام في تل أبيب إلى نظام ابرتايد (فصل عنصري) مدان عالميا إلا أن هذا الطرح يواجه نقدًا وإشكاليات كبيرة بعضها مرتبط بالنخب الإسرائيلية، تحديدًا اليمينية منها، التي ترى فيه انتحارًا سياسيًّا وبعضها الآخر مرتبط بحل السلطة الفلسطينية وهذا يتطلب قرار استراتيجي من السلطة نفسها ومن النظام الإقليمي العربي. ويتوقع التقرير أنه في ظل الوضع القائم فإن الأمور قد تتجه إما نحو الترانسفير (التهجير القسري) أو اللجوء إلى سيناريو الكناتونات؛ فعلى الرغم من ان سيناريو الترانسفير بالنسبة لنخب اردنية وفلسطينية غير ممكن من منطلق أنّ الفلسطيني لا يمكنه التخلي عن أرضه ووطنه، وقد تعلّم من التجربة المريرة. لكن يرى اتجاه آخر بارز -بحسب التقرير-، أنه في ضوء الوقائع الجديدة في المنطقة، فإنّ سيناريو الترانسفير ليس مستبعدًا، فهنالك ملايين المهجرين السوريين والعراقيين واليمنيين والأوكرانيين، وبالتالي فإن هذا السيناريو لن يكون مستبعدا من قبل الإسرائيليين الذين قد يعمدون إلى فرض واقع انساني معين داخل الأراضي الفلسطينية. وأمام هذا الجدل القائم فقد يُفرض سيناريو آخر وهو سيناريو “الكانتونات” أو ما أطلق عليه التقرير “الترانسفير السياسي”، وهو الذي قد يكون الأقرب، بالنسبة لنخبة اليمين الإسرائيلي، للواقع، ويتقاطع تمامًا مع المشروع المتدرج والمتدحرج الذي يمضي الإسرائيليون فيه، ويراهنون عليه، وهو “الكانتونات الفلسطينية”، المرتبطة بسلطة حكم ذاتي ذات طابع أمني، وترتبط عضويًّا بالاعتبارات الأمنية والاستراتيجية الإسرائيلية، وهو السيناريو الذي يدفع العديد من الفلسطينيين الشباب إلى التطلع للخارج للتخلص من هذه الظروف القهرية في ضوء عدم وجود خيارات نضالية استراتيجية واضحة، ما قد يجعله السيناريو الأقرب والأكثر واقعية واحتمالية في التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي، ويقوم على محاولة ضغط الفلسطينيين جغرافيًّا وتحفيز أسباب وموجبات الرحيل الطوعي وتعزيز الأزمة الفلسطينية الداخلية.