لم تكمل مريم أحمد اثني عشر عاما حتى وجدت نفسها تعمل في بيت بلاستيكي تحت درجة حرارة مرتفعة، إلى جانب دراستها، لتساند والدها الذي بات يعمل بشكل متقطع بعد جائحة كورونا.
تعمل مريم، وهي لاجئة سورية، في مزرعة في دير علا بمنطقة الأغوار الوسطى بمحافظة البلقاء منذ أزيد من سنة مقابل دينار لكل ساعة عمل؛ متحملة درجات الحرارة العالية، لتقف بجانب أخوتها الستة.
تقول مريم، إنها بدأت بالعمل بعد أن أكملت الصف السادس لكنها تأمل أن تتحسن أوضاع أسرتها المادية لتتمكن من متابعة دروسها بشكل جيد.
"أنا الكبيرة بين أخواتي، بعد ما خلصت الصف السادس ونجحت على السابع بلشت أشتغل. كل يوم بعد المدرسة بروح على الشغل وبرجع تقريبا المغرب ومرات قبل، بس يوم الجمعة والسبت بروح من الصبح يعني الشغل صعب بس بدنا نعيش"، تقول مريم.
مهمة مريم في المزرعة بشكل أساسي هي قطاف المنتجات الزراعية إلى جانب آخرين، بينهم أطفال، يأتون من نفس المخيم.
يحاول والد مريم، خلدون أحمد (40 عاما) قَدم إلى الأردن سنة 2013، أن يحمي أطفاله البقية من الدخول إلى سوق العمل وإكمال دراستهم، لكنه يخشى من عدم ذلك، حسب قوله.
"أنا ضد عمالة الأطفال وأساسا أنا مُعلم لكن الظروف أجبرتني وإذا الوضع استمر هيك رح أضطر لأنه ما عندي خيارات"، يضيف أحمد.
يعيش خلدون أحمد إلى جانب عشرات العائلات السورية اللاجئة في مخيم عشوائي بمنطقة دير علا، حيث يتنقلون من منطقة أخرى حسب المواسم وتوفر فرص العمل.
بيئة عمل خطرة
يعتبر عمل الأطفال في القطاع الزراعي، واحدا من أخطر بيئات العمل عليهم، بسبب العمل تحت أشعة الشمس المباشرة واستخدام مبيدات من دون حصولهم على إرشادات السلامة العامة وكيفية التعامل معها.
سالم، أحد الأطفال من ذات المخيم لم يكمل 11 عاما، لكنه توجه إلى العمل في إحدى المزارع القريبة، حيث يعمل إلى جانب والده الأربعيني منذ أن كان في التاسعة من عمره.
يصف سالم عمله بأنه شاق ويعمل لـ 3 أو أربع ساعات من دون توقف؛ لكن "لا يوجد حل وهذه حياته".
"أبي بقول يلا والمعلم بقول يلا ومو ملحق شغل وبرجع هلكان وكل جسمي بوجعني"، يضيف سالم.
رفض والد سالم في البداية الحديث إلى معد التقرير، معتبرا أن ذلك لن يكون حلا لمشاكل الكثير من سكان المخيم، خاصة في ظل تراجع أوضاعهم المعيشية وضعف المساعدات، لكنه وافق من دون إدراج اسمه.
"ما في حل، عم نشتغل لنعيش وهي الأولاد تركوا المدرسة وبشتغلوا، صارلنا عشر سنين على نفس الحال، بس لإيمت رح نظل هيك ما بنعرف وعلى الله"، يقول والد سالم.
ويضيف أن ما يخشاه باستمرار أن يتعرض ابنه سالم لإصابة عمل سواء "ضربة شمس أو اختناق من مبيدات وغيره" لأن صاحب العمل لن يتكفل بعلاجه ويمكن أن يطردهم من العمل.
المرشدة النفسية تغريد راضي تقول إن عمالة الأطفال لها أثر لا يستهان به بسبب آثارها القريبة والبعيدة على الأطفال بالأخص دون سن 12 سنة؛ كونها فترة حرجة على نموهم الجسدي والعقلي، مما يسبب خطر عليهم سواء كانت الواجبات خفيفة أم ثقيلة، فهم يعملون دون انتباه أو حذر مما يزيد من احتمالية إصابات العمل أو فقد أحد أطراف اليدين أو الشيخوخة المبكرة بسبب حملهم أثقال لا تتناسب مع وزن أجسامهم، والموت بسبب التعرض لخطر سم المبيدات الحشرية التي تؤدي لأمراض صدرية خطيرة.
بحسب راضي، فإن المزارع من أخطر قطاعات العمل للأطفال من حيث التعرض للحرارة العالية، إذ شهدت المرشدة تغريد خلال عملها مع المنظمات في البرامج التعليمية موت العديد من الأطفال في المخيمات العشوائية في أماكن تجميع المياه والبرك بسبب الإهمال وعدم الدراية سواء من أصحاب العمل أو أولياء الأمور.
وتذكر راضي أن الخطر الأكبر يكمن في حرمان الطفل من طفولته والشعور بالدونية بالأخص عند رؤية أقرانه الآخرين من الأطفال يمارسون حياتهم الطبيعية.
320 مخيما عشوائيا في الأردن
تنتشر المخيمات العشوائية للاجئين السوريين في الأردن في كافة محافظات المملكة، للعائلات التي تعمل في القطاع الزراعي، حيث يتنقلون حسب المواسم الزراعية، لكن تلك المخيمات تفتقر إلى الخدمات.
مدير العمليات في مؤسسة متين للاستشارات والتدريب أسامة أبو كويك، يقول إن 320 مخيما عشوائيا للاجئين السوريين تنتشر في كافة المحافظات، باستثناء العقبة، تختلف أوضاعهم حسب موقع المخيم.
"عدد الأطفال العاملين في المخيمات العشوائية حسب الموسم لأن أغلب عملهم في الزراعة. فالنسبة متفاوتة حسب الموسم الزراعي وارتفعت بعد جائحة كورونا بنسبة بسيطة، نسبة العمالة بين الأطفال في تلك المخيمات 13-14%"، يضيف أبو كويك.
اللاجئ السوري الخمسيني محمد صبيح، يقول إن عدم قدرته على تأمين مصاريف الدراسة لأطفاله أجبره على إخراج ابنتيه، 12 و13 عاما، من المدرسة، وأصبحن يعملن في المزارع كغيرهن.
"بناتي منقطعات عن المدرسة من سنتين وما بعرفوا يقرأوا ويكتبوا منيح ودايما بطلبوا يرجعوا على المدرسة لما يشوفوا أطفال المخيم رايحين الصبح بس الوضع ما بسمح"، يضيف صبيح.
في رد لليونيسيف على خمسة أسئلة لمعد التقرير حول عمالة الأطفال من اللاجئين السوريين، ردت المسؤول الإعلامي ديمة سلامة عبر البريد الالكتروني أنه "لا يخفى عليكم عدم وجود دراسات بعد المسح الوطني 2016"، إضافة إلى 4 روابط لبيانات سابقة لليونيسيف فقط.
تقرير سابق لليونيسف وجد أن نصف الأطفال في المخيمات العشوائية ممن هم في سن المدرسة يلتحقون بالتعليم الرسمي. ومع ذلك، انخفض هذا الرقم إلى أقل من واحد من كل خمسة في الفئة العمرية 16-17 سنة.
ممثلة اليونيسف في الأردن، تانيا شابويزات، اعتبرت أن الافتقار إلى وسائل النقل المدرسي يشكل أحد المعوقات الرئيسية أمام الأطفال والتي تعمل عليها اليونيسف. وقد ساهمت عمالة الأطفال والصعوبات الاقتصادية والافتقار إلى الوصول الرقمي أثناء إغلاق المدارس خلال الجائحة في تسرب الأطفال في المخيمات العشوائية من المدارس.
ووفقا لآخر مسح لعمل الأطفال لعام 2016 يتضمن أرقام لعمالة الأطفال في الأردن ونسب الخطورة في العمل لكل جنسية مقسمة إلى 3 فئات: الأردنيون، واللاجئون السوريون، و"جنسيات أخرى".
نتائج المسح الوطني لعام 2016
لكن نتائج مسح أممي نُشرت في نيسان/أبريل الماضي، أظهرت ارتفاع نسبة الأطفال العاملين من اللاجئين خارج المخيمات من 1.8 % في العام 2016 الى 3.3 % في العام 2021، اي بما يقارب الضعف.
ووفق المسح الذي أجرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالتعاون مع البنك الدولي، بشأن تقييم هشاشة اللاجئين، وأعلنت نتائجه مؤخرا، فإن 3.3 % من الأطفال اللاجئين انخرطوا بشكل او بآخر في أنشطة العمل، في حين أن 59 % من الأطفال العاملين يعملون في بيئات عمل خطرة.
ويعمل 17 % من الأطفال في القطاع الزراعي.
هذه النتائج التي حملها التقرير، بشأن زيادة نسب الأطفال العاملين من اللاجئين.
رئيس مركز بيت العمال المحامي حمادة أبو نجمة، اعتبر أن الحل الأفضل للحد من توجه الأطفال للعمل هو معالجة الفقر فهو السبب الرئيسي.
"على الحكومات والجهات المعنية ان تشتغل مع الأسر لتحسين وضعهم المادي بتقديم المعونات وتشغيل رب الأسرة وفرد من العائلة"، يضيف أبو نجمة.
ووفق تقرير تقييم الضعف لعام 2022 للمفوضية في الأردن فإن توظيف فرد واحد من الأسرة السورية في الأردن لا يكفي لتلبية الاحتياجات المنزلية الشهرية ونتيجة لذلك ارتفع عدد الأسر اللاجئين المدنيين بنسبة 39% مقارنة مع عام 2018.
ويعيش 64% من اللاجئين في الأردن على أقل من 3 دنانير في اليوم الواحد أي ما يقارب 4 دولارات كما أن 90٪ من عائلات اللاجئين يستخدمون استراتيجية واحدة على الأقل للتكيف السلبي.
انتهاك للقانون
الخبير القانوني والعمالي حمادة أبو نجمة يرى أن رقابة مفتشي وزارة العمل ضعيفة، بينما تزيد أعداد الأطفال في سوق العمل على 70 ألف، ومن المتوقع أن يكون قد زاد عددهم نتيجة الجائحة على 100 ألف طفل عامل.
وزارة العمل، أكدت قيامها بجولات تفتيشية مستمرة على كافة القطاعات، بما فيها القطاع الزراعي، إذ قال الناطق باسم الوزارة، جميل القاضي، إن مديرية التفتيش تنفذ أكثر من 23 ألف جولة خلال العام لضبط الانتهاكات والمخالفات بما فيها عمالة الأطفال، في كافة محافظات المملكة.
وأضاف القاضي أن أكثر من 22 ألف جولة نفذتها وزارة العمل خلال العام الحالي وحتى الأول من تشرين أول/أكتوبر الماضي بمختلف القطاعات.
"أي ملاحظة ترد الوزارة تتم متابعتها من خلال الجولات التفتيشية، ويتم تطبيق القانون عند ضبط أي مخالفة"، وفق القاضي.
حتى آذار 2021، كان القطاع الزراعي والعاملون فيه غير مشمولين بقانون العمل، وبالتالي كانت الأحكام المتعلقة بعمل الأطفال في قانون العمل لا تنطبق على الأطفال العاملين في القطاع الزراعي، ولكن بعد صدور نظام عمال الزراعة في آذار 2021 أصبح القطاع الزراعي مشمولاً بقانون العمل وأصبحت الأحكام الخاصة بعمل الأطفال واجبة التطبيق في القطاع.
وقد حظرت المادة 75 من قانون العمل الأردني تشغيل الحدث أكثر من ست ساعات يومياً بشرط أن يعطى فترة للراحة لا تقل عن ساعة واحدة بعد عمل أربع ساعات متصلة، كما منعت تشغيل الحدث بين الساعة الثامنة مساءً والسادسة صباحاً وفي الأعياد الدينية والعطل الرسمية والأسبوعية، وبالنسبة إلى الأجور فتطبق عليهم الأحكام كما غيرهم من العمال، ومن ذلك الحد الأدنى للأجور البالغ حاليا 260 ديناراً.
كما أوجبت المادة (76) من قانون العمل على صاحب العمل عند تشغيل الحدث (ما بين 16 و18 سنة) أن يحتفظ بالمستندات والأوراق الخاصة بالحدث، من أبرزها موافقة ولي أمر الحدث خطياً على العمل في ملف خاص مع بيانات كافية يوضح فيها محل إقامته وتاريخ استخدامه والعمل الذي استخدم فيه واجره وإجازاته.
المادة 77 من قانون العمل تعاقب صاحب العمل المخالف للأحكام الخاصة بعمل الأحداث أو أي نظام أو قرار صادر بمقتضاه بغرامة لا تقل عن 300 دينار ولا تزيد على 500 دينار وتضاعف هذه العقوبة في حالة التكرار ولا يجوز تخفيض العقوبة عن حدها الأدنى للأسباب التقديرية المخففة.
إذا كان الاستخدام قد تم بصورة جبرية أو تحت التهديد أو بالاحتيال أو الإكراه، تتراوح الغرامة بين 500 و1000 دينار إضافة إلى أي عقوبات تنص عليها القوانين الأخرى.
وتنص المادة (4) من نظام عمال الزراعة 2021:
1 -تكون ساعات العمل الزراعي 8 ساعات في اليوم الواحد على ألا تزيد على 48 ساعة في الأسبوع توزع على ستة أيام على الأكثر.
2 -يمنح عامل الزراعة فترة للراحة وتناول الطعام لا تقل عن ساعة واحدة في اليوم بحسب ظروف العمل ولا تحسب من ضمن ساعات العمل الزراعي.
ب. لا يجوز تشغيل عامل الزراعة أكثر من ساعات العمل اليومية أو الأسبوعية دون موافقته ويشمل ذلك الموسم الزراعي وفترات الإنتاج الزراعي.
الأردن صادق على اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1989 التي دخلت حيز التنفيذ عام 1990، إلى جانب بعض اتفاقيات منظمة العمل الدولية المتمثلة في اتفاقية الحد الأدنى لسن الالتحاق بالعمل رقم 138، واتفاقية حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال رقم 182، اتفاقية العمل الجبري رقم 29.
وأقرت الأردن قانون حقوق الطفل لسنة 2022، إذ نُشر في الجريدة الرسمية في 12تشرين أول/أكتوبر الفائت على أن يبدأ العمل به بعد تسعين يوما.