البعد والطقس والإهمال:داء المدارس الحكومية

البعد والطقس والإهمال:داء المدارس الحكومية
الرابط المختصر

لا اعتقد أن أحدهم يستطيع أن يغفل منظر لمدرسة ابتدائية على أطراف مدينة الزرقاء محاذية للطريق الدولي "عمان الشام" بغرفها الصفية الثلاثة المتلاصقة

..... على خط واحد ويفصلها عن حمام وحيد صغير جداً العديد من الأمتار.
لسنوات تزيد عن خمسة عشر سنة، وخاصة في فصول الشتاء كنت أكتفي بالتساؤل عن كيف يستطيع أطفال صغار  تترواح أعمارهم ما بين السادسة والثانية عشرة قضاء هذا الفصل المعروف ببروده القارصة في هذا المكان الصحراوي والذهاب للمدرسة كل يوم.
وحتى الآن ما زالت المدرسة قائمة بنفس البناء وحتى بنفس العلم المهترئ -المظهر الرسمي الوحيد على وجود مدرسة في تلك المنطقة- التي لا تعد نائية بالنسبة لمناطق أخرى في قلب صحراء الجنوب أو على المناطق الحدودية ولكنها لا تفرق عنا بالنسبة لمستوى الخدمات الشيء الكثير.
فغالبية المدارس التي تقع في قرى بعيدة عن مراكز المحافظات تعاني بشكل اعتيادي من نقص الخدمات والعناية والصيانة وتوفير متطلبات التعليم الأساسية‘ بحسب شادي أحد المعلمين الذي تنقل بين العديد منها لسنوات.
ورغم أمله في تحسن التعليم فيها إلا أن الواقع هناك أحبطه فإحدى المدارس التي بدأ مشوار التعليم فيها في قرية "فيضة الشعلان" 8 كيلومترات عن بلدة الرويشد على الحدود الأردنية العراقية، يتكون مبنى المدرسة ألأساسية الوحيدة فيها كاملاً من ثلاث غرف أحدهما للإدارة والباقي يتقاسمها أحد عشر طالباً ذكوراً وإناثاً هم عدد طلاب المدرسة كاملة بواقع الصف الأول والثاني في غرفة والثالث والرابع في الغرفة الأخرى وعدد الكادر التدريسي ثلاثة معلمين ومديراً للمدرسة"
ويصف شادي مستوى الخدمات في المدرسة بأنه" أقل من المتوسط فلا مكتبة ولا مياه في بعض الأحيان و للخدمات الصحية متواضعة و لا هاتف ثابت أما الهاتف النقال فقد تم تقوية البث مؤخراً فقط وحتى مخصصات التغذية المدرسة لا تصل لتلك المنطقة، وإذا احتجت إلى طبيب فالوصول إلى الرويشد لتأمينه معاناة كبيرة"
وهو إذ يعزوا التقصير في المكتبة مثلاً لقلة عدد الطلاب إلا أنه يقول" إن زيارات مشرفي ومسؤلي  التربية لتلك المدرسة كانت متباعدة جداً باستثناء الشهر الأول الذي يجري فيه دورات للمعلمين الجدد في المدرسة.
"ولولا الذكاء الفطري للطلاب هناك لما استطاع المدرسين تقديم الشيء الكثير لهم " يقول شادي فالأوضاع هناك جداً سيئة فالطلاب بعد المدرسة يساعدون أهاليهم في مهنتهم الأساسية وهي الرعي. ناهيك عن تواضع الخدمات التعليمية لهم، وتعطيل المدرسة لأيام بسبب سوء الطقس في الصيف خاصة نتيجة للعواصف الرملية التي تجتاح المنطقة، وكذلك الحال في بعض أيام الشتاء لعدم توفر المدافيء في الغرف الصفية الباردة".
 
ولا يفرق وضع المدرسين كثيراً في هذه القرية عن وضع طلابهم فالرواتب متدنية والمواصلات شبه معدومة حتى أنهم يضطرون إلى استئجار سيارات على حسابهم للوصول إلى المدرسة أما العودة فالاعتماد فيها على الأهالي الذين هم أصلاً لا يملكون سيارات خاصة وإنما سيارات نقل ثقيلة كصهاريج المياه "ويساهم الأهالي في تقديم الخدمات للأستاذة بمبادرات فردية تعبيراً عن الامتنان لهم الأمر الذي ساعدهم على  الاستمرار في هذه المهنة" كما يقول شادي.
الواقع التعلمي في هذه القرية مشابه إلى حد كبير مع العديد مع المدارس في القرى النائية التي تنقصها الخدمات الصحية والتعليمة إلى حد واضح كما يقول شادي بناء على تنقله في العديد منها ويرى أن تحسين هذا الواقع أهم بكثير من تزويدها بالحواسيب التي لم تشغل في إحدى المدارس التي عمل فيها لعدم وجود كهرباء أصلاً، ويرى أن الأساس هو أن يحس الطالب بالرعاية والعناية والخدمة التعليمة الجيدة ثم ينتبه بعدها إلى تعليم الحاسوب الذي يعد ثانوياً في هذه الحالة"
ويستدرك شادي أنه خلال خدمته في إحدى المدارس في قرية في محافظة المفرق لمس واقعاً مغايراً عما عايشه سابقاً سواء من حيث المبنى المجهز جيداً، أو نوعية التعليم والخدمات الصحية والمرافق الجيدة وتزويدها بالماء والكهرباء والحاسوب،وتبين لاحقاً أنها مقامة على حساب المشاريع ، وهذا يعني بعبارة أخرى  أنها منحة من إحدى الحكومات أو المنظمات في هذه المنطقة ولا يد بيضاء عملياً لوزارة التربية والتعليم فيها.
ولمس شخصياً النتائج الإيجابية لهذه التجربة من خلال تفوق الطلبة فيها والتحاقهم في الجامعات بتخصصات جيدة كالطبق والهندسة والكيماء زاملوه أثناء استكماله للدراسات العليا.
وهذا الواقع مؤشر على ضرورة تنبه وزارة التربية والتعليم إلى ترتيب أولوياتها في العناية العلمية للواقع التعليمي ليس في مدارس المحافظات فحسب وإنما في مختلف المدارس لأن الامتعاض من هذا الواقع أصبح واقع مكرر من خلال الاعتصامات والاحتجاجات من الأهالي  والطلاب لأسباب مختلفة كان آخرها اعتصام العشرات من طلاب المرحلتين الثانوية والأساسية وأولياء أمورهم في وادي موسى صباح الاثنين اعتصاما أمام مديرية التربية والتعليم في لواء البتراء احتجاجا على النقص الحاصل في الهيئات التدريسية في مدارسهم وعدم اكتمال هذه الهيئات لتخصصات الكيمياء والفيزياء وعلوم الأرض والرياضيات والحاسوب بالإضافة إلى اللغة الفرنسية.
بدوره استعرض مدير التربية والتعليم في لواء البتراء ابراهيم الخليفات بدوره سلسلة الجهود التي تبذل منذ بداية العام الدراسي لتأمين المدارس بالكوادر التدريسية المطلوبة وتغطية النقص حسب الإمكانات المتاحة ومن خلال التعليم الإضافي أو إجراء مناقلات بين المعلمين في نفس التخصص من مدرسة لأخرى".
 
كما اعتصم بنفس اليوم أيضاً عدد من أهالي شفا بدران ــ حي مرج الفرس احتجاجا على تخصيص مدرسة الفرس الثانوية لتدريس الإناث، رغم أن المنطقة تحوي أربع مدارس للإناث مقابل مدرسة أساسية واحدة للذكور. ووعد المسؤلون الذين تواجدوا في الاعتصام  عزمهم على إجراء اللازم لحل هذه المشكلة.
 
وإذا كانت هذه الاحتجاجات نتيجة لأسباب محددة وواضحة ، فإن واقع المدارس المتدني في المحافظات لا يفرق كثيراً عن مدارس تابعة للعاصمة مع الاختلاف في بعض التفاصيل مثل الاكتظاظ الكبير وغياب التدفئة في الشتاء وغياب الصيانة وتقسيم الدراسة لفترتين وغيرها من الأمور السلبية التي يعاني منها الأهالي والطلاب معاً مما أثرت بشكل واضح على نوعية التعليم الذي يقدمه أساتذة أجورهم متدنية ويستقبله طلاب منهكون من عدم توفر الخدمات.
 والدعوة لوزارة التربية أن تزيل الغبار عن  طريقتها في إدارة السياسة التعليمة بالتزامن مع إزالة الغبار عن الحواسيب التي زودت بها المدارس النائية والتي لم يراها الطلاب إلا لمرة واحدة ولغايات البروتوكولية فقط.

أضف تعليقك