"الانتقال العادل".. حقوق حتميه لظروف المرحلة وتداعيات التغير المناخي

 

أصاب أحمد سعيد وهو خريج طيران دفعة 2019، تخوف كبير إثر عمليات التحول العالمي نحو الطاقة البديلة، إذ يعتبر أن شركات الطيران سوف تتوقف عن العمل نظرا لاعتمادها على الوقود الاحفوري بشكل رئيسي وأساسي، مما يعرضه لفقدان عمله وضياع مستقبله.

وفي هذا الصدد، أوضح الخبير البيئي عمر شوشان أن التغير المناخي يحكم على جميع دول العالم الانتقال العادل نحو الطاقة المتجددة فالمرحلة قادة لا محاله، وشواهد عالمية عدة بدأت بحمايه عامليها وضمان مستقبلهم وهنا يبرز دور النقابات المهنية التي يلزم عليها أن تدرك التغيرات الجديدة الجذرية لغايات التكيف وأن تعمل على برامج تحمي العمالة من هذا الانتقال لتبني سياسية الاقتصاد الاخضر وتدفق الوظائف الخضراء التي تضمن حقوق العمالية وتوازيها مع مفهوم العدالة البيئية.

وشدد شوشان على المسؤولية العالمية المشتركة وخاصتا على الحصة الكبيرة التي تقع على عاتق الشركات الكبرى المساهمة في نسب كبيرة من الانبعاثات وحكومات الدول ليست معزل عن ذلك ولا تقل مسؤولية عنها من ثم يلقى الدور على النقابات حتى نتمكن من التصدي لعواقب وكوارث التغير المناخي.

وأوضح الباحث والمختص في شؤون التنمية الأستاذ بشار زيتون أن "الانتقال العادل" بمفهومه يبرز في سبل التحول نحو السياسات الصديقة للبيئة مما تساهم في التخفيف من الانبعاثات ثم التكيف مع تداعيات التغير المناخي وهذه الاجراءات ستكون مؤثرة بالشكل المباشر وغير المباشر على القطاعات المتعددة على مدى ثلاثة عقود قادمة الأمر الذي يجعل التحول لمصادر الطاقة المتجددة غاية في الأهمية.

وأشار زيتون بأن النقابات المهنية يبرز دورها في هذه القضية، من خلال حمايتها للوظائف وذويها من مخاطر التغير المناخي بالتالي يلزم عليها التوسع في فهمها للظاهرة وضمان الانتقال العادل نحو المصادر الطبيعية المتجددة. ومن الناحية الداخلية يلزم عليها التطوير من نظامها ليتناسب مع الظروف الراهنة ومدى تأثيرها على نوعية وعدد الوظائف المتاحة ومتطلبات إعادة التدريب وغيرها.

ومن الناحية الخارجية دعا زيتون النقابات لتوسع عملية بناء علاقاتها مع الجهات الحكومية التي تقوم بإعداد دراسات واستراتيجيات العمل المناخي من ثم اطلاق حوار مع المجتمع المدني ومؤسساته لبناء تحالفات من أجل حماية الوظائف التي قد تتأثر بالتغير المناخي.

كما أفاد زيتون أنه من الصعب ان تقوم النقابات بتنظيم حمله سياسية من أجل حماية الوظائف في المستقبل دون وجود فهم واضح لآثار التغير المناخي على القطاعات المختلفة وعلى رأسها القطاع الزراعي والنقل والطاقة، إذ يجب أن تعمل على جمع البيانات حول عدد الوظائف التي ستتأثر وربما نفقدها كليا بالمقابل نوعية وعدد الوظائف التي ستولدها المدن المستدامة وكيفية مساعدة العمال على التكيف مع هذا الانتقال بالاضافه  لمتطلبات أخرى كالحماية للحقوق واعادة التدريب المزايا والمعاشات وغيرها، فهي معنية بالنظر للقضية من جميع الجوانب التي تتعلق بالعمال.

وبين زيتون أن المخاطر التي سيتعرض له العمال تتمثل بالقطاع الحيوي مثل الزراعة والمياه ونتحدث هنا عن شح المياه وندرتها وتراجع الانتاج الزراعي كبداية لمخاطر سوف ترتفع وتتسبب بالبطالة بين المزارعين وعزوفهم عن المزارع وهرجتهم نحو المدن، وكذلك المخاطر التي تمس قطاع الطاقة والنقل وهنا نوه الى التحولات التي ستصيب هذه القطاعات سواء على المدى البعيد أو القريب، حيث ستتناقص الوظائف المعتمدة على الوقود الاحفوري في المستقبل تدريجيا، إلا أن هذا الانتقال من شأنه استحداث فرص عمل عند التوجه الى مصادر الطاقة المتجددة ومحطات الشحن الكهربائي الأمر الذي يستدعي تحديث شبكات نقل تناسب مع التطور في النقل.

وأكد زيتون أن النقابات ينطوي عليها مساهمة فعالة في فتح الحوار المجتمعي مع وزارة العمل والبيئة على أن يتم التوسع في هذا الحوار مع الوزارات المعنية الأخرى لغايات دمج سياسات الانتقال العادل في السياسات الاستراتيجية التي تقوم بتنفيذها، مع التنويه على أهمية إدارة العمل على المرحلة الانتقالية التي سنشهدها لا محاله.

ونوه زيتون على أهمية التوازن ما بين الانتقال العادل وما بين الدور المنوط على النقابات في تهيئة وتطوير الأوضاع المجتمعية لإدراك الظروف المتوقعة والتي من خلالها ستنقرض وظائف تقليدية عدة بالمقابل سوف يتم توليد غيرها بنوعية متطورة أكثر.

ومن ناحية أخرى قال زيتون أن النقابات مؤخرا بدأت بتنظيم ورشات عمل حول التغير المناخي وتم التعرض بالتفصيل للظاهرة وتأثيرها عالميا ومحليا على كافة القطاعات الاقتصادية والحيوية، بالاضافة  للتطرق للسياسات الدولية التي ستؤثر حتما على القطاعات الخاصة كالنقل والطاقة عالميا ومدى تأثير ذلك على الأردن وعمالها.

وأضاف زيتون أن الظاهرة المناخية هي في الأصل غير عادله إذ نلحظ تاريخيا من المتسبب بها ومن الدول التي لا تمتلك القدرة على التكيف في ظل هذه الظاهرة بالمقارنة مع الشرائح الأخرى غير القادة وهو ما يؤكد انعدام العدالة المناخية، يعزوا ذلك للقدرات الكبيرة الفنية والمالية التي تملكها الدول الصناعية المسبب الأول للتغيرات المناخية للتكيف معها، بينما تفتقر الدول النامية للموارد اللازمة لغايات التكيف، وفي أمورها الداخلية يتطلب منها قدر الإمكان اعداد القطاعات وتهيئتها سيما القطاع الحيوي حتى تكون قادرة على الأقل بتقليل الاضرار التي سوف تتعرض لها الدول النامية على وجه الخصوص.

وفي الأردن يعتبر النقل الأقل تضررا في الأوقات الراهنة بالمملكة إذ يسبقه القطاع الحيوي ويستدعي ذلك إيجاد سياسات مستقبلية حتى لا تتعرض لمعاناة شديدة عند الوصول إلى مرحلة الانتقال العادل في العقد الحالي والقادم.

ومن الجانب القانوني العالمي، أكد زيتون أن دول عالمية عدة سارعت بسن تشريعات وأنظمة تلزم الحكومات بتعويض العمال المتضررين من القضية المناخية مثل ألمانيا، وتعمل منضمات بحثية عالمية على رسم الطريق لانتقال الدول بطريقة آمنة.

وفي الدول النامية والأردن خاصة، لم نصل الى هذه المرحلة بعد إذ لا يوجد تشريعات قانونية لكن يوجد استراتيجيات وخطط عمل تنفذها الوزارات المعنية إلا أنها غير ملزمة قانونيا لكن الحكم المسبق أمر غير صحي لتقييم نتائج هذه الاستراتيجيات ولابد أن تسارع بالانتقال من مرحلة الخطط الى مرحلة التنفيذ والتطبيق باعتبار أن السنوات الخمس المقبلة تعتبر حاسمة من أجل الحكم على نجاح هذه الخطط باعتبارها تمتلك فهم كامل للقضية وتداعياتها.

ونوه زيتون الى أن مجالي الزراعة والنقل يتطلبان جهود حثيثه وسريعة للتطوير إذ نحن لا تتمثل القضية هنا باستحداث تقنيات جديدة بل عن إصلاح نظام وممارسات سياسية وزراعية ومائية مثل كفاءة استهلاك المياة التي ستخفف وتقلل من الأضرار المتوقعة مما تساعد على التكيف مع عملية الانتقال والتحول.

ومن ناحية أخرى أعرب زيتون عن قلقه إزاء الواقع السياسي العالمي الذي يشكل عائق أمام التقديم السريع نحو الحلول الحقيقية إذ لم ترتقي نتائج قمة المناخ الأخيرة بما هو مطلوب من أجل احراز تقدم ملموس وحقيقي في تخفيف الانبعاثات والتحكم بالتغير المناخي، شيرا لأن التغيرات السياسية هي ليست جديدة بل تتطلب التطوير والتطوير لتتناسب مع عملية التكيف مع الظاهرة.

ودعا زيتون وزارة البيئة للاستجابة للحوار مع النقابات والعمل معها لتنفيذ خطط عمل تساهم في التكيف مع الظروف الراهنة والعمل على استحداث قوانين وتشريعات أسوة بالاتحاد الاوروبي والخطة القانونية التي ينفذها لغايات تخفيف الانبعاثات بنسبة 50% وبحلول 2050 ستصل الى نسبة صفرية من الانبعاثات، وأمثلة أخرى عالمية ينبغي تعميمها في النامية والضغط بها على الشركات النفطية العالمية التي تحبط المساهمات التشريعية للدول.

ويضمن الانتقال العادل وفقا لسياسات ومناهج استراتيجية مدروسة ومستعجله في حفظ الأمن الوطني ومستقبل الاجيال والشباب، وهو الأمر الذي لا يمكن أن تتجاهله حكومات الدول لتتكيف مع الأوضاع الراهنة والمتوفع حدوثه في المستقبل القريب إثر التغير المناخي وتداعياته وكوارثه.

 

*التقرير بالشراكة مع مؤسسة فردريش ايبرت

أضف تعليقك