الاستثمار فـي الإنسان

الرابط المختصر

إنّ من أفضل الأولويات وأهمها على الإطلاق على صعيد النهوض والتقدم لأي شعب أو أمة، أن يبدأ بالإنسان، فهو عماد التنمية، ومحور التطوير، وقيادة النهوض الحضاري بكل معانيه وفي كل مجالاته بلا استثناء.

وإنّ المتصفح لكل حالات النهوض عبر التاريخ يجد بلا أدنى شك أنّ السر الحقيقي في النجاح يكمن في القدرة على بناء الإنسان، وصياغته صياغة شاملة عقلاً ووجداناً، وروحاً وجسداً، بتوازن مدروس، ووفقاً لنظرية فلسفية واضحة، مترابطة ومتكاملة، وموافقة للفطرة، ومواكبة لأحدث التطورات الفكرية والاكتشافات النفسية التي لا تنقضي.

في الأردن ـ ذلك البلد المحدد في موارده ـ الذي لم يعثر حتى هذه اللحظة على البترول، والذي يعاني من شح المياه، وحصار القريب والبعيد، حريّ بنا أن نلتفت إلى أهمّ مصادر التنمية على الإطلاق ''الإنسان''.

نحن مضطرون ولسنا مختارين أن نضع نصب أعيننا ونحن نخطط لمستقبل الأردن أن يكون النصيب الأكبر من العناية والاهتمام منصبّ على الجانب البشري، وما يعقب ذلك من حصص حقيقية في الموازنات الموضوعة التي تدل دلالة واقعية وتؤشر بصدق على العناية بالجوانب التي تمس الارتقاء بالإنسان الأردني مسّاً مباشراً وعميقاً.

فالجانب الأول هو ''مجال التربية والتعليم'' منذ سن الروضة حتى التخرج من أعلى الدرجات، بحيث يتم أولاً وضع الفلسفة التربوية التي يشارك بها كل الكفاءات والعقول من مختلف الفئات الأمينة والمنتمية والمشهود لها بالأصالة والتجربة الفذة، ثم بعد ذلك تخصيص حجم كبير من الموازنة لا يقل عن ضعفي ما هو مخصص في الموازنات السابقة.

ثم بعد ذلك وضع خطة زمنية لتطوير الكادر التعليمي، بحيث يكون قادراً على استيعاب أفضل الكفاءات العلمية والتي تحوز على أعلى الدرجات عن طريق إغرائهم بزيادة المداخيل زيادة استثنائية مجزية، تجعل الإقبال على الانخراط في سلك التعليم مطلباً يتنافس عليه المتنافسون، وأصحاب المواهب والإبداع، والقدرات المؤهلة تأهيلاً علمياً وتربوياً ومسلكياً.

أمّا الجانب الآخر الذي ينبغي الالتفات إليه في هذه العملية التنموية الفذّة، هو عضو هيئة التدريس الجامعي، الذي يجب تنقيته من كل أشكال المحسوبية والشللية والتدخل غير العلمي في إبعاد الكفاءات وأصحاب القدرات، بل إننا نقرأ في الصحف أحياناً ما يبعث على الخجل والقلق على مصير الأجيال مصير الأجيال السابقة عندما يتسلل إلى سلك التدريس الجامعي من ليس بأهل لهذه المرتبة، لا من حيث العلم ولا من حيث الكفاءة ولا من حيث المسلك والخلق، بل ربما يتسلل إلى سلك التدريس من يحمل شهادة مزورة من جامعة غير موجودة على الأرض لمدة سبعة عشر عاماً، يدّرس ويشرف على رسائل الماجستير والدكتوراة!!.

إنّ عملية الاستثمار في الإنسان ليست شعارات لا تجد حظها في الميدان وواقع التنفيذ، وإنّما هي عملية شاقة وكبيرة ودقيقة، تحتاج إلى عزيمة وهمة وذكاء متوقد، وانتماء خالص، وبعد عن حظوظ النفس، وكم يكتنف هذه العملية من صعوبة ودقة بالغة، لكنها ميسورة وممكنة وخاصة في الأردن، الذي يمتاز بالإقبال الواسع المنقطع النظير على التعليم، الذي يحتاج إلى توجيه ورؤية وفلسفة واضحة.

إن عملية الاستثمار في الإنسان إن تمت برؤية صحيحة، وتخطيط محكم، وتنفيذ دقيق، فسوف يعود علينا وعلى الأمة والوطن بالخير العميم والإنتاج الوفيرالذي يعوض النقص في كل الموارد الشحيحة، وسوف يكون هذا المجال أثمن من البترول والطاقة، وأثمن من اليورانيوم والفوسفات، وسوف تنعكس آثاره على كل مجالات الحياة رقياً وتقدماً وحضارة.

إنّ الاستثمار في الإنسان يجب أن يتجاوز الشكليات التي تعوق التنمية.