"الاحتضان" فسحة أمل لمن حرموا نعمة العائلة

"الاحتضان" فسحة أمل لمن حرموا نعمة العائلة
الرابط المختصر

بعد خمسة عشر عاماً من المحاولات الفاشلة لسماع كلمة "ماما" ما تزال رانيا 36 عاماً تحلم هي وزوجها بأن تضيف لصورة العائلة طفل أو طفلة تمنح حياتهما حيوية وأمل طال انتظاره.

ولكن للأسف ما زال مكان هذا الحلم خالياً بعد 8 عمليات لطفل أنابيب وعمليتين تلقيح مجهري ومئات العلاجات والأدوية التي انتهت بفقدانها لأحد مبايضها بعد إحدى العمليات التي قاربت أن تنجح بحمل ثلاث توائم إلا أن هذا الحلم ما لبث أن تلاشى.

الإيمان بالقدر والنصيب موجود، وهو ربما ما منع رانيا هذا العام من إجراء عملية أخرى بناءً على رغبة زوجها الذي يحلم بأن ينجب طفلاً من صلبه، وهو الرد الذي تلقته عندما أبدت رغبة بتبني طفل بعد أن أنهكت جسدياً ونفسياً في انتظار أن تنجب واحداً.

وللإنصاف فإن الرغبة في الإنجاب هي عامة لدى كل الناس والحلم باستمرار العائلة بالنسب وعلاقة الدم نجدها بوضوح في المجتمعات الشرقية بحكم العادات والتقاليد التي تقوم بشكل أساسي على رابطة الدم ومنظومة العشيرة والعزوة.

ولكن كما في حالة رانيا فإن الكثيرين أيضاً -إما لأسباب لدى ألأم أو الأب لا فرق- فإنهم لا يستطيعون الإنجاب حتى بأكثر الطرق الصناعية كفاءة، والسؤال المطروح لماذا يلاقي خيار التبني لطفل نوعاً من الرفض أو على ألأقل الصمت تجاهه في هذه الحالات التي يرغب من ابتلي فيها بالإنجاب ورعاية طفل؟

  تقول رانيا" لقد طرح خيار التبني بشكل قوي وأعتقد أنه ما زال مطروحاً وقمنا بالبحث عن طفل مناسب لكن تم تأجيل هذا الإجراء بناء على رغبة زوجي  الذي يرغب بمحاولة أخيرة، ولكنني اعتقد أنني بالنهاية سألجأ لذلك"

التبني في الأردن بحسب الشريعة الإسلامية ممنوع وتم استبداله بنظام يراعي ذلك تقوم به وزارة التنمية الاجتماعية يسمى بنظام الاحتضان، بحسب مدير برامج التوعية في الوزارة د فواز الرطروط، الذي يقول" إن الوزارة انتهت من وضع نظام قانوني لهذه العملية وكذلك كتيب توضح فيه الإجراءات التي تسهل على ألأسر المحتضنة للأطفال مهمتهم"
 
وزارة التنمية استقبلت 23 طفلا مجهول النسب (لقيطا) منذ مطلع العام الحالي، وفق مدير مديرية الأسرة والحماية في الوزارة محمد الخرابشة ولا تشمل هذه الإحصائية  الطفلة التي عثر عليها عامل نظافة أول من أمس في حاوية قمامة.

وفور تحويلهم إلى الوزارة، يخضع الأطفال مجهولي النسب إلى إجراءات طبية للتأكد من سلامتهم الصحية ثم يحالون إلى مؤسسة الحسين الاجتماعية حيث "يحظون برعاية كبيرة" إلى أن يلتحقوا ببرنامج "الاحتضان"، بحسب الخرابشة  الذي أوضح" أن نحو 21 طفلا من هؤلاء استفاد من برنامج الاحتضان منذ مطلع العام الحالي مقابل 25 طفلا العام الماضي".

وهناك حالياً في الوزارة 60 أسرة على قائمة الانتظار لاحتضان أطفال من الوزارة بحسب الرطروط،  ووفقا لشروط خاصة، يحق لأسر لا يوجد لديها أطفال التقدم بطلب لاحتضان طفل من مجهولي النسب، الذين ينقسمون بين ثلاث فئات" اللقطاء، أبناء السفاح، مجهول النسب التي لم تستطع والدته تحديد والده"
 
وبالنسبة للشروط التي يجب أن تتوفر في الأسرة لكي تستطيع أن تحتضن طفل:  أن تكون الأسرة مسلمة وأمضى الزوجان 5 سنوات في زواجهما، فضلا عن كون الزوج أو كلا الزوجين غير قادرين على الإنجاب. أن لا يزيد عمر الزوج على 55 عاما ولا يقل عن 35، وأن لا يزيد عمر الزوجة على 50 ولا يقل عن 30 عاما.
 
ويؤكد الدكتور الرطروط أن الوزارة تشدد على أن تكون الأسرة المحتضنة قادرة مالياً ومعنوياً على تربية هذا الطفل" لذا من المهم  تمتع الزوجين بأوضاع صحية ونفسية جيدة، والقدرة على توفير وسائل الرعاية الصحية والتعليمية والأسرية الجيدة كافة. وأن لا يقل دخل الأسرة عن 350 دينار.
 
الناطقة باسم وزارة التنمية الاجتماعية مديرة العلاقات الدولية زين سحيمات أشارت "إلى أن الأطفال حديثي الولادة يحولون إلى مؤسسة الحسين الاجتماعية التابعة للوزارة من قبل الشرطة حال عدم التمكن من معرفة أمهاتهم أو آبائهم، ويتم الاعتناء بالطفل و فحصه طبيا واستلامه بتقرير طبي يؤكد أن صحته العامة مستقرة ولا يعاني من مشاكل تستدعي بقاءه بالمستشفى حيث يتم الاعتناء به وإعطائه اسما يسجل في أوراق المؤسسة".

وبينت سحيمات أن احتضان هؤلاء الأطفال خصوصا حديثي الولادة هي الطريقة الأنسب لهم لتوفر لهم أجواء أسرية بدلا من بقائهم بالمؤسسات طوال عمرهم . وبينت إحصائيات المؤسسة أن عدد الأطفال - مجهولي النسب - على مدار الستة أعوام السابقة وصل إلى ستة عشر طفلا منهم ستة أطفال العام الحالي فقط وهو العام الذي شهد ارتفاعا بإعداد الأطفال حديثي الولادة مجهولي النسب مقارنة مع الأعوام السابقة.
 
ويؤكد الرطروط أن الأطفال مجهولي النسب ليسوا مشكلة أو ظاهرة في الأردن" فالحديث يدور حول نسبة تتراوح منذ الخمسينات ب 20 طفل سنوياً وهذا رقم غير كبير برأيه"
 
ورداً على  مشكلة الأطفال من ذوي البشرة السمراء، التي تبرز في هذه الحالة بناءً على تأكيدات من  القائمين على مؤسسة الحسين الاجتماعية أن هؤلاء هم الفئة المحرومة من الاحتضان بسبب لون البشرة ما يضاعف مأساتهم ويعمقها، يقول الرطروط"لا نستطيع إجبار أسرة ترغب باحتضان طفل على اختيار غير الذي تراه مناسباً"
لكنه يعيد التأكيد أن المفرح في الأمر "أن قائمة العائلات التي ترغب بالاحتضان طويلة مما يؤشر على فرص كبيرة أمام هولاء الأطفال للاستقرار".

إن مأساة شخص قد تفتح باباً لحل مأساة آخر، ليس تسوية أو حلاً أنانياً في هذه الحالة، وإنما هي فرصة لثلاثة أشخاص اثنان حرموا نعمة الإنجاب والآخر تفتحت عيناه على الحرمان فجاءت هذه المعاناة فرصة لتغيير مسار حياتهم معاً، وهي مناسبة لأن يتخلص من ابتلي بها من الفكر التقليدي بأن الأمومة والأبوة لا تأتي إلا بالدم فالعنوان الأساسي للعائلة هو العطاء من غير حدود ودون انتظار مقابل وهو سيكون واضحاً جداً في هذه الحالة.