الإعلام المستقل: مسؤول وحر ومراقب
في كل فعالية إعلامية تُعقد وتناقش واقع الإعلام العربي أو المحلي سرعان ما يظهر على السطح نقاش حاد و متضارب حول الدور الفعلي للإعلام، هل هو نقل الحقيقة فقط، أم معالجة أخطاء الواقع ومشاكلة، وهل يكتفي الإعلاميّ بنقل الخبر أم يتعدى دوره للبحث عن حلول لتلك المشكلة وأبعاد تأثيرها على المجتمع.
وتبقى عجلة الجدل تدور ما بين ضرورة سيادة قيم الحياد المطلق في العمل الإعلامي، بأن يكون الإعلامي محايداً ولا ينحاز بالطرح تحت أي مبرر، وما بين الحياد "الموضوعي" بحسب ما يحلو للبعض توصيف نقل الخبر مع مراعاة خصوصيات مجتمعية أو دينية أو أخلاقية متعارف عليها، أو مصلحة وطنية عليا تقررها جهات عليا مبهمة.
ومن المعروف أن غالبية وسائل الإعلام مرهونة في توجهها للجهة التي تمولها، سواء أكانت سلطة دينية أو حكومية أو طائفية أو سياسية ما، وإن كان بالفعل هناك حق لبعض الجهات بأن تملك مؤسساتها الإعلامية، فإنه واجب على الدول أن تؤسس لوسائل إعلام عامة تهتم بالعامة ومصالحهم.
فلا يعقل أن يترك المواطن العادي وحيداً في مواجهة هذا السيل العارم من البث الإعلامي الذي يضخ الأفكار والتوجهات المختلفة والمحكومة بأمزجة ومعتقدات مختلفة تساهم بشكل مباشر أو غير مباشر بتعظيم الشرخ في المجتمعات، الأمر الذي يطغى على مهمة الإعلام الأسمى كما هو مفترض؛ وهي المساءلة والمراقبة والبحث عن الحقيقة.
فانشغال الإعلام بكل ما يقسم المجتمعات ويسيء إلى مكوناتها، ويعزز القيم المغلوطة والأفكار الزائفة، ويقصي القيم والأفكار الجادة والإنسانية، يزيح الإهتمام المفترض عن أخطاء السلطة بمختلف أشكالها،
وتجاوزاتها، أو تقصير القائمين عليها في أداء واجباتهم بدءاً من أصغر موظف وانتهاء بأعلى سلم التراتبية هناك.
فلم يطلق أسم السلطة الرابعة عبثا على الإعلام، الذي يجب أن يملك سلطة معنوية للبحث والرصد ومراقبة أداء الموظفين كباراً وصغاراً، ومختلف الجهات الرسمية وغير الرسمية التي يتعلق عملها بالمواطنين ومصالحهم.
فالمصلحة الوحيدة العليا التي يجب أن يراعيها الإعلام هي مصحلة الناس وبخاصة المهمشين منهم، أولئك المنسيين الذين لا صوت لهم في المحافل الإعلامية الرسمية أو الموجهة، سواء اخترنا الحياد المطلق في العمل الإعلامي، أو الحياد المقيد بخصوصية ما.
فلا رهان على مصلحة الناس واهتماماتهم اليومية وحياتهم الكريمة عندما تكون على المحك، نتيجة غياب دور سلطة ما في تقديم خدمة تعليم أو صحة أو بنية تحتية أو حق في الحياة الكريمة، ولا أقوى ولا أفضل من الإعلام المستقل المحايد في متابعة هذا الأمر وبيان وجه التقصير ومسببيه.
ويبرز دور الإعلام المجتمعي في الرقابة والمساءلة بشكل أقوى في السنوات الأخيرة لعدة أسباب، أهمها أنه غير مملوك لسلطة ما، ولا يتحكم به رأس المال الذي يميل لجهة ما حسب مصالحة، كما أن العاملين به والقائمين عليه في غالبيتهم مواطنون صحفيون أو بدأوا كذلك، هدفهم نقل هموم الشارع لأنهم جزء منه، وليس لديهم مصلحة إلا التغيير نحو الأفضل لخدمة مجتمعاتهم ومواطنيهم.
وبقدر ما للإعلام العالمي والعربي في المحطات الكبرى من تأثير واسع وسلطة على الرأي العام العربي، أو المحطات الرسمية المملوكة من الحكومات، فإن الإعلام المستقل وبخاصة المجتمعي يستطيع خلق طرق مبتكرة للمنافسة والتأثير، وأسهل تلك الطرق وأسرعها هو أن يأخذ دوره في الرقابة والمساءلة.
وهذه المهمة بالغة السهولة للإعلام المجتمعي المستقل خاصة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة كمنصات حرة ومتاحة للتعبير وإبداء الرأي، التي يجب استغلالها بالشكل الأمثل من قبل الشباب المنخرطين في العمل الإعلامي لمعرفتهم بخباياها وأسرارها من جهة، ورغبتهم الحقيقية والمدروسة بالتغيير نحو الأفضل.