الإذاعة الأردنية : ملاحظات على هامش الدورة البرامجية الجديدة

الرابط المختصر

يبدو أن الإذاعة الأردنية، التي تأسست عام 1948 بعد استيلاء موظفون عرب بمساعدة الجيش العربي على إذاعة الانتداب البريطاني بقيت لمدة طويلة محكومة في برامجها لهذه النشأة "التحريرية" فطغى الهم الوطني السياسي على برامجها، وقد أسهمت بذلك، في تأجيج مشاعر الأردنيين والفلسطينيين تحديدا، إزاء الاحتلال الإسرائيلي.



وأسهمت من خلال برامج معروفة استمرت لفترات طويلة مثل "مضافة أبو محمود" و"جيشنا العربي" و"رسائل شوق" من بين برامج أخرى، في بناء الوحدة الوطنية وتعزيز مشاعر الانتماء، وفوق هذا تعزيز مشاعر الأردنيين خصوصا تجاه الجيش العربي.



وحظيت الإذاعة، على ذلك، بنسبة مستمعين مرتفعة داخل الأراضي الفلسطينية ولا تزال تحظى بنسبة معقولة حسب استطلاعات الرأي.



وبالطبع لا يمكن نسيان البرامج "الخدمية"، مثل البرنامج الشهير "يا فلاح" الذي تحول إلى برنامج "مع المزارع"، وهو على ما قدم من خدمات للمزارعين فقد أبقى أيضا على مشاعر الانتماء للأرض بتمجيده للفلاح والزراعة.



وزد على ذلك فقد أسهمت الإذاعة أيضا في التنمية الثقافية في الأردن وأطلقت عدد من المبدعين سواء من خلال البرامج الثقافية أو من خلال المسلسلات التي اتخذت من أعمال الأدباء الأردنيين مادة لها. ونشير هنا خصوصا إلى البرامج المأخوذة عن أعمال الراحل روكس العزيزي.



واشتهرت الإذاعة، أكثر ما اشتهرت، بالبرامج التي عنيت بالبادية الأردنية والمسلسلات البدوية التي قدمت مادة غنية للمستمع حول حياة البادية وعاداتها وتقاليدها.



على أن تطورات العقود الأخيرة في عالم الإعلام، على رأسها الانتشار السريع والكبير للتلفزيون ثم الفضائيات وبعدها الانترنت والمنافسة من إذاعات دولية وعربية، ومن بعد التغيرات السياسية والاجتماعية والثقافية دفعت إلى تراجع مكانة الإذاعة أولا ثم دفعت الإذاعة إلى التفكير بمحاولة تطوير برامجها لتتناسب مع ما بات يعرف بـ"عصر الصورة".



الدورة البرامجية الجديدة الأولى لعام 2005 ومن قبلها دورات أخرى تعكس إلى حد كبير هذه التطورات.



ومن يتابع الإذاعة أو يقرأ الدورة البرامجية الجديدة قد يلاحظ أن أهم ما يميز أغلب البرامج الأخرى هو تقصير وقت البث خاصة للبرامج السياسية والأخبار والتركيز على الموجز السريع الذي بقي يبث كل ساعة، باستثناء برامج مثل "الإذاعة في خدمتك" الذي يحتوي على فقرات عديدة وقصيرة أيضا.



قياسا بالدورة البرامجية قبل الأخيرة والمنشورة على موقع الإذاعة على شبكة الانترنت فقد أبقت الدورة البرامجية الجديدة على نفس وقت البرامج الدينية وهو في حدود 300 دقيقة يوميا مع الأخذ بيوم الجمعة وبث الصلاة، ولكن الملاحظة هي في التغيير النوعي على طبيعة البرامج الدينية. ففيما كانت هذه البرامج تركز في الدورة القديمة على برامج مثل "أئمة الجهاد" و"حكايات السلف" و"الإسلام وحقوق الإنسان" و"الإنسان والشباب" و"في ظلال القرآن" مع تجاهل للاغاني الدينية، ففي الدورة الجديدة أصبحت البرامج الدينية "اقل تشددا" وأكثر تركيزا على الجانب الروحي، فقد أعطي وقت لبث الأغاني الدينية واختفت برامج مثل "أئمة الجهاد" و"الاقتصاد الإسلامي" ليحل محلها برامج من قبيل "رفيف النور" "ينبوع الهدى" و"الابتهالات الدينية" ومسلسل ديني وهو ما قد يوحي بتغير في سياسة هذه البرامج لتتناسب مع الظروف السياسية المستجدة. كما تركز وقت بث هذه البرامج في الساعات الأخيرة من الليل وساعات الفجر.



يلاحظ أيضا زيادة كبيرة في الوقت المخصص لبث الأغاني الحديثة وكذلك برامج المنوعات فتحولت برامج مثل "نساء وآراء" و"هي في حياته" إلى فقرات في برنامج "الإذاعة في خدمتك" تعطي وقتا لمسائل المطبخ والمكياج والاقتصاد المنزلي، إضافة إلى برامج أخرى مثل "يا هلا" و"ومسابقات على الهواء" و"تهاني وأغاني" من بين أخرى. وظهر برنامج جديد يلقي الضوء على إبداع المرأة بعنوان "رائدات أردنيات".



وفيما كانت فقرات الدورة البرامجية القديمة مقسمة بشكل تفصيلي، اعتمدت الدورة البرامجية الجديدة شكلا يبدو أكثر مرونة يتيح بث فقرات بديلة لفقرات غير متوفرة ومن هذه البرامج "الإذاعة في خدمتك" و"عالم الصباح" و"صباح الخير" و"استراحة الظهيرة".



أبقت الدورة الجديدة على أغلب قديم الدورات السابقة وان كان تغير عنوان بعضها فقط مثل "إذاعة القوات المسلحة"، و"استراحة الظهيرة"، "اقتصاديات"، "أثير الماضي"، "الإنسان واللغة"، "معالم من الأردن"، "المجلة الزراعية" التي كانت "مع المزارع"، "هذي بلدنا"، "أم كلثوم"، وبرامج أخرى، ما يعطي انطباعا بجمود الدورات البرامجية. وهو ما ينفيه مدير عام الإذاعة عبد الحميد المجالي، إذ يقول: "الحديث عن جمود الإذاعة يخص برنامج البث المباشر. هذا البرنامج هو الوحيد الذي صمد طوال أكثر من 20 عاما لأنه برنامج جماهيري ويتعلق بقضايا المواطنين، أما البرامج الأخرى فلم يتبق منها شيء على الإطلاق. كل دورة برامجية تتغير البرامج. تخلينا عن كثير من البرامج الجامدة والمعلبة، وركزنا على الفترات المفتوحة والطويلة التي يشارك فيها أكبر قدر ممكن من الجمهور".



أما البرامج السياسية فإن بقيت على حالها تحتل حيزا جيدا من وقت البث سواء الأخبار أو البرامج الحوارية وتتناول قضايا الساعة وعناوين الصحف قبل الطبع إلا انه من المشكوك في أن تكون هيئة تحرير هذه البرامج قد عملت على تطوير محتواها في ضوء استطلاعات الرأي المشغولة من قبل مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية وهي تظهر بوضوح تراجع نسب المستمعين الواثقين بمصداقية أخبار الإذاعة.



وعلى الرغم أن الاستطلاعات المشار إليها لم تفرد قسما للإذاعة على غرار التلفزيون وهو ما يدفع على الاعتقاد بتراجع أهمية الإذاعة بشكل عام ويدرجها ضمن واحدة من وسائل إعلامية أخرى كثيرة، فقد أظهرت الاستطلاعات التي أجريت في أعواما 1999 و2000 و2001 و2002 أرقام متدنية جدا بالنسبة للمستجيبين الذين يثقون بالإذاعة كمصدر للخبر السياسي المحلي والعربي والدولي. وورد أن نتائج الاستطلاع بالنسبة لثقة المستطلعين بمصداقية إذاعة عمان في الأخبار السياسية المحلية كانت على النحو التالي: 2.4%، 2.9%، 4.6% و5.4%.



أما بالنسبة للثقة بخصوص الأخبار العربية فكانت على النحو التالي 2.5%، 2.4%، 3.5% و4.6%. الأخبار الدولية فكانت كتالي: 2.5%، 1.7%، 3,3%، و3.9%. أعوام 2002 و2001 و200 و1999 على التوالي.



ومن المفارقة أن هذه الأرقام متدنية جدا قياسا بالتلفزيون، فمثلا كانت ثقة المستجوبين بالنسبة للأخبار المحلية في التلفزيون على النحو التالي: 52.4% عام 1999، 75.7% عام 2000، 48.6% عام 2001 و25.0% عام 2002.



يلاحظ في هذا الصدد غياب البرامج الموجهة إلى الخارج وقد كان عرف عن الإذاعة في قديمها برامج كهذه، منها مثلا نشرات الأخبار باللغة العبرية بيد أن الدورات الجديدة يغلب عليها الطابع المحلي تماما.



أخيرا، فإن الإذاعة وإن كان تقلص دورها لصالح وسائل إعلام أخرى إلا انه لا يزال هنالك جمهور واسع لهذه الوسيلة ولكن يبقى أن مزيدا من التطوير وربما خلق تعاون مع التلفزيون الوطني قد يساعد في إعادة المستمعين لإذاعة المملكة.


أضف تعليقك