الإذاعات المجتمعيّة؛ (معان الجديدة) نموذجا

الرابط المختصر

تلبّي الإذاعات المجتمعيّة، أهدافا وغايات عديدة، وفي مقدّمتها؛ ضرورة خلق ثقافة صديقة للتنمية، وتفعيل الشراكة الإيجابيّة، التي تسهم في التعريف على الحاجات المجتمعيّة، و محاولة تقديم إجابات واقعيّة حولها، مع الإسهام المدروس في إعادة ترتيب الأولويّات، في ضوء الإمكانات والخصوصيّات المحليّة.

ولعلّ تجربة إذاعة معان الجديدة، التي يديرها مركز الدراسات وتنمية المجتمع في جامعة الحسين بن طلال ؛ تعبير جليّ، عن الوعي بأهميّة الاستفادة من التطبيقات المعاصرة للإعلام التنموي، من حيث انتهى العالم. حيث تسعى الإذاعة إلى تحقيق رسالة الإعلام التنموي المحلي، بنشر المعرفة والوعي وخلق ثقافة ذات توجه تنموي في أوساط الشباب الأردني في محافظة معان؛ باعتبارهم الطاقة القادرة على التغير الإيجابي والتحديث، وذلك من خلال تغيير الاتجاهات التقليديـة، المقاومـة للتنميـة، ونشر الأفكار المستحدثـة والمبتكرات وتنميـة الحياة المدنيـة والإسهام في الحراك الاجتماعي.
لقد أتيحت لي الفرصة، الأسبوع الماضي، بدعوة من الصديق الدكتور باسم طويسي، لزيارة مقرّ الإذاعة، والاطلاع على طبيعة عملها، ومضامين رسالتها وأهدافها. وكانت الرؤية، ملفتة بحق.. والتجربة رغم حداثتها، تدعو للإعجاب، و جديرة بأن تكون بمثابة النموذج؛ فهي، وبكل وضوح، تعبّر عن تجربة متقدّمة في الإعلام المجتمعي والتنموي، وتكاد تكون غير مسبوقة على الصعيد الوطني، وربما: الإقليمي، نظرا لمستوى ونوعية المنتج الإعلامي وحجم التأثير الذي تركته في المجتمعات المحلية التي تستهدفها؛ إذ استطاعت الإذاعة تطوير مضامين وأساليب إعلامية محلية، تستند الى سلسلة من الدراسات والبحوث الميدانية، ما مكنها من الوصول الى مجتمعها بمهنية عالية، وقدرة على كسب ثقة جمهور ليس من السهل لفت انتباهه أو كسب ثقته.
و في بيئة ليست اعتياديّة، تعاني من تراكم الإحباط لدى الشباب المتعلم والنخب الجديدة؛ يستطيع الاتصال التنموي أن يقدّم مساهمة كبيرة وفاعلة. وإذا ما تم التخطيط له علمياً، فانه قادر على خلق ثقافة ايجابية جديدة ترتقي بأساليب التعبير ، وتقدم أدوات مجتمعية للرقابة.
لقد استطاعت إذاعة معان الجديدة، خلال اقل من عامين من إطلاقها، خلق مفارقة كبيرة في التأثير الايجابي والتفاعل مع المجتمع المحلي؛ فالإذاعة تقدم 17 برنامجا بين يومي وأسبوعي من إنتاج العاملين فيها وطلبة الجامعة، تشمل كل أشكال ومضامين العمل الإذاعي الهادف والمدروس، والقادر على خلق وقائع جديدة وإعادة ترتيب أولويات الناس واهتماماتهم. وتنفذ تلك البرامج ضمن مجموعة من السياسات المخطط لها، ومنها على سبيل المثال: الخصوصية الايجابية المعنية بإعادة تشكيل وجدان أفراد المجتمعات المحلية، بما يتفق مع قيم الدولة الأردنية؛ ثم سياسة الثقافة الصديقة للتنمية، والتي تحرص على تنمية وعي الأفراد بشكل إيجابي نحو المال العام والعلاقة مع المؤسسات، وسياسة الفرص الواعدة: و يتوجه هذا المرتكز بشكل مباشر إلى الشباب، ويهدف إلى جعل الإذاعة أداة من أدوات حل تحديات الفقر والبطالة وتحسين نوعيـة الحياة، من خلال تعريف الشباب بفرص جديدة للإنتاج والاستثمار والمبادرة وتعزيز المعرفة والإدراك لقيم وثقافة النجاح والاعتماد على الذات.
إذاعة معان الجديدة، تعبّر، بجلاء، عن استجابة علميّة و عملية، متميّزة، لرؤية جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، للدور التنموي للشباب والإسهام المنشود من هذا الجيل بالذات، في قيادة التغيير. و هي قصّة نجاح حقيقيّة، تفوق الكثير من القصص الإنشائية التي تلوكها وسائل إعلام مختلفة. ومع كل أسف، فإن هذه التجربة، لم تحظ، بعد، بما تستحق من صدى إعلامي في الإعلام المحلي، وكذلك على صعيد الدعم والمساندة.