الأردن وحماس.. لماذا الآن؟

الرابط المختصر

عامان إلى الوراء، حين كانت الحكومة الفلسطينية العاشرة تقودها رموز حركة حماس، وفي حالة من الاحتقان الفلسطيني الداخلي عززتها ظروف الحصار، أشارت بوصلة الحكومة الفلسطينية إلى المحيط العربي والإسلامي، فبدأت جولات مكثفة بقيادة هنية والزهار لضمان الدعم والمساندة عربيًا وإسلامياً، وبين مقاطع دون مبررٍ أخلاقي يذكر، ومستضيف لهم على استحياء، جاء الموقف الأردني من إمكانية زيارة قيادة الحكومة الفلسطينية سلبياً، نتاج الكشف عن خلايا لحماس تقوم بتأمين السلاح داخل الأردن.

بين النفي الحمساوي والتأكيد الأردني، تجددت القطيعة بين الأردن وحماس لتُتمّم ما بدأ عام 1999م، حين أُغلقت مكاتب الحركة في العاصمة عمّان، ليستقر بها الحال في دمشق. بنفس الغموض الذي اكتنف توتر العلاقة بين الأردن وحماس عام 2006، يتابع الفلسطيني اليوم تحسناً ملحوظاً في العلاقات بين الطرفين. غموض المشهد حين توتره و استقراره، أثار أسئلة عديدة، إجاباتها تحمل التفاؤل تارةً، حين ينظر لتحسّن العلاقات بداية لفك الحصار سياسياً على الأقل، والتشاؤم تارةً أخرى، حين ينظر لتحسّن تلك العلاقات كمحاولة لاحتواء حماس.

محاولة التعرف على ماهية النتائج التي من الممكن أن تتمخض عنها جولات الحوار تلك، لن تكون متاحة دون بحث في أسباب عودة التواصل الأردني الحمساوي وخلفياته. لأجل ذلك تأتي هذه السطور في محاولة لقراءة أهم العوامل الدافعة لتحسن العلاقات بين المملكة وحماس، حينها يترك للقارئ أن يستنتج ما يمكن أن يكون لتلك الخطوة من آثار على الوضع الفلسطيني.
 
يجدر هنا التنويه إلى أن حالة القطيعة بين الأردن وحماس -رغم أنها امتدت إلى ما يقارب نصف عمر حركة حماس- هي الاستثناء وليست الأصل، فالعلاقة بين الأردن وحماس ليست سياسية فحسب ولا تجاور جغرافي فقط، وإنما اتصال عضوي، ارتقى إلى حد التماهي بحكم امتزاج الشعبين. أما ما حصل من توتر للعلاقات فهو يأتي ضمن فلسفة الأردن السياسية القائمة على مبدأ الأولويات ومن ثم التوازن، وضمن سلم الأولويات فإن الأردن أكثر قرباً لوجهة منظمة التحرير السياسية منها إلى حركة حماس، وبالتالي من المنطقي والمتوقع أن تقيم علاقات أقوى وأمتن مع حركة فتح وقيادة السلطة في رام الله.
 
أولويات..
وبما أن الفلسطينيين باتوا خصوماً منذ لحظة فوز حماس، وأصبح في الساحة طرفي نزاع، لا بد للأطراف الدولية من صوغ علاقاتها مع طرفي الخصام وفق مبادئها وتوجهاتها السياسية وأولوياتها. في الحالة الفلسطينية أولوية الأردن وفقاً لرؤيتها السياسية وعلاقاتها الدولية تدفع لأن تكون علاقتها بحماس محدودة لصالح حركة فتح. بمعنى أن العامل المحدد في تشكل العلاقات الأردنية مؤخراً كان عاملاً فلسطينياً وليس أردنياً.
 
مبدأ الاولويات تحت شعار الأردن أولاً، الذي دفع إلى قطع العلاقات مع حماس هو ذاته يمكن اعتباره اليوم سبباً في عودة الوصال، كيف ذلك؟! منذ أن حوصرت حماس وهمّت تستنجد بمحيطها العربي، بدت دول عربية كثر كمن "جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم" فما كان من حماس إلا أن توسع دائرة خيارتها، فتتجه صوب إيران، ولم تخيّب الأخيرة ظنّهم ، فاستُقبل هنية في طهران بصفته رئيسا للوزراء بحفاوة مميزة.
 
تقليدياً، عرف عن الأردن رفضها لسياسة المحاور، وتخوفها مما أطلقت عليه الهلال الشيعي في المنطقة. لذلك، ليس من مصلحة الأردن الاستمرار في سياسة قد تكرس وتعزز ما تتخوف منه. وبعد ما يزيد عن العامين من الحصار وابتعاد كثير من الدول العربية عن حماس لا يبدو أن حماس إلى زوال، بل إن كثير من المعطيات تشير إلى أن المرحلة القادمة هي مرحلة سيتعزز فيها الوجود الحمساوي، وفق المؤشرات التالية:
·        ولاية الرئيس الفلسطيني أبو مازن، باتت في مراحلها الأخيرة.
·        حركة فتح التي يُنظر لها كمنافس، ما زلت تتجرع مشاكلها الداخلية وتنتظر عقد مؤتمرها السادس.
·        ايهود أولمرت بات في عداد رؤساء الحكومات السابقين.
·        بوش الإبن صاحب رؤية حل الدولتين، سيغادر نهاية العام ليؤكد أن رؤيته لم تكن سوى أضغاث أحلام.
·        آجلاً أم عاجلاً، فإن حماس ستباهي الجميع بصفقة تبادل الأسرى.
 
هذه المؤشرات كفيلة بأن تعيد الأردن رسم سياستها وعلاقتها وفق منطق -أكثر توازناً- يتعامل مع حركة حماس كمُؤثر قوي ومستمر على الساحة السياسية الفلسطينية. إضافة لذلك فإن الأردن أدركت أن ابتعادها عن إقامة علاقات مع حركة حماس لا يعني ابتعاد دول أخرى عنها، لها نفس رؤية الأردن السياسية، فدولة مثل مصر وقطر والسعودية واليمن، كلها أقامت وما زالت تقيم علاقات مع حركة حماس، وإن كان بدرجات متفاوتة.
 
أسباب أخرى..
رغبة الأردن في إعادة العلاقات مع حركة حماس لتفادي تكريس سياسة المحاور الإقليمية، تأتي نتاجاً لأسباب أخرى، بينية إقليمية، وداخلية أردنية، وداخلية فلسطينية.
على المستوى الإقليمي، لا يمكن أيضا النظر إلى ما أقدمت عليه الأردن من سعي نحو إعادة العلاقات مع حماس، وإمكانية استضافة مشعل في زيارة رسمية لها، بمعزل عن التطورات الإقليمية الحالية، والتي توحي برغبة كامنة في تهدئة البؤر المتوترة في المنطقة، فأميركا عدّلت سياساتها تجاه إيران، والحديث أصبح أكثر مقبولية عن تفاوض سوري إسرائيلي، وزيارة ميشيل سليمان إلى دمشق.
 
أما على المستوى الأردني الداخلي، فيبدو واضحاً أن وجود حركة حماس لا يقتصر على الأراضي الفلسطينية، فهو واضح في الأردن عملياً بحكم الوجود الفلسطيني هناك، ومعنوياً بحكم شعبية حماس في بعض الأوساط العربية، وفكرياً بحكم وجود الإخوان المسلمين كتيار سياسي قوي في الأردن، لم تؤثر انتكاسته الانتخابية الأخيرة على وجوده ونفوذه في المجتمع الأردني.
 
أقوى المدخلات في السياسة الأردنية الداخلية والمؤثرة على الموقف من حماس، هو علاقة النظام الأردني بالإخوان المسلمين، والمراقب للمستجدات الأخيرة في الساحة الأردنية يلحظ أن اللقاءات التي أجريت بين مدير المخابرات الأردني وقيادة حماس جاءت موازية للقاءات أخرى بين قيادة جبهة العمل الإسلامي والمراقب العام للإخوان المسلمين مع مدير المخابرات. هذه الجزئية بالتحديد تعطي مؤشرات على أن تحسن العلاقات بين الأردن وحماس جاءت مسبوقة بتحسن آخر بين الحكومة الأردنية والإخوان المسلمين، وحالة من المغازلة السياسية بين الطرفين.
 
على المستوى الفلسطيني الداخلي، فإن دعوات الحوار مؤخراً وتسارع الجهود نحو إعادة اللحمة الفلسطينية، بقيادة اليسار الفلسطيني والجهاد الإسلامي، إضافة إلى بعض الدعوات من بعض الشخصيات في حركة فتح وحماس، تدلل على إمكانية تحقيق تقدم على طريق الوفاق الوطني الفلسطيني. وفي أي اتفاق وفاق جديد فإن حماس ستبقى طرفاً قوياً، وهذا ما يدفع الأطراف الإقليمية ومن بينها الأردن أن تبني علاقاتها بشكل يتناسب مع إمكانية تحقق مثل هذا الاحتمال، بما يضمن لها علاقات جيدة مع كافة العناصر المؤثرة في السياسة الفلسطينية.


*  محاضر في قسم العلوم السياسية- جامعة النجاح الوطنية