الأردن بين عهدين.. ماذا تغير اجتماعيا وسياسيا في المملكة؟

يستذكر الشاب دحام الفواز -وهو ابن شيخ قبيلة أردنية من المفرق- كيف كانت العلاقة الوثيقة التي تربط والده المرحوم الشيخ مثقال الفواز مع الملك الراحل حسين بن طلال الذي ما انفك يزورهم في المنزل ويشاركهم أفراحهم وأحزانهم.



يسرد الفواز لـ"عربي21" جانبا من تاريخ الأردن في الذكرى 22 لوفاة الملك الحسين، مسلطا الضوء على عهد احتلت فيه العشيرة مكانة متقدمة في دعم ركائز حكم الهاشميين، لكنه يعتقد أن بعض الوجوه طرأت على المشهد.



يقول لـ"عربي21": "ليس من الصالح العام إدارة الظهر لمن يعتبرون درعا حاميا لبناء وحماية هذه الدولة بجانب السلطة العليا".





 



وتميزت العشائر الأردنية بعلاقة قوية مع الهاشميين منذ قدوم الأمير عبد الله بن الحسين إلى مدينة معان في جنوب الأردن عام 1920، وتأسيس إمارة شرق الأردن بعدها بعام، وحصلت العشائر تاريخيا على معاملة خاصة في الوظائف الحكومية.



وشكلت العشائر الأردنية تاريخيا داعما للنظام والدولة، الا أن ظروفا اقتصادية ترافقت مع تهميش لبعض القيادات العشائرية لصالح شخصيات "ليبرالية"، جعلت أفرادا من العشائر ينتقلون من مربع الولاء إلى مربع المعارضة؛ للمطالبة بإعادة أموال القطاع العام التي خُصخصت و محاربة فاسدين، وخلال سنوات أطلقت عشائر حراكات إصلاحية تحمل أسماء العشيرة.



تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية 



الكاتب الصحفي، فايز الفايز، يعتقد أن "تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية في الأردن بدأت تتضح في منتصف عقد السبعينيات من القرن الماضي، إذ أثرت عوامل داخلية وخارجية مرتكزة على النتيجة التي أوصلت نظام الحكم فيها إلى الاستقرار، مدعوما بالمساعدات من الدول الداعمة لسياسة الملك الراحل الملك الحسين، فقد كانت تحركات الحسين متجاوزة المحاور العالمية حيث ارتباط الأردن مع السياسة الغربية لم تتقاطع مع تعاطيه في الجانب الاشتراكي الذي مثلته الكتلة السوفيتية، ما دعم عجلة الصناعة والتجارة والتوسع في التعليم الذي رفع من كفاءة الأيدي العاملة وموظفي الدولة. 



ويتابع: "من هنا بدأت التحولات الاجتماعية تعطي زخما للزحف نحو المدن بحثا عن مصادر العيش الأفضل، وهذا أنتج مع مرور الوقت تباينا ما بين الطبقات الاجتماعية، قابلها كسر للمفاهيم السائدة سابقا، تمثلت في نشوء المجتمع المتجانس غير المتطابق".



ويقول الفايز لـ"عربي21"، "كل ذلك أنتج مفاهيم جديدة متعلقة بالعمل السياسي لتخرج عن الأطر التي نشأ عليها نظام الدولة القديم والمرتكز على البيروقراط والعسكرية، إذ بدأت الرأسمالية تطل برأسها مع شخصيات تمركزت في دوائر صنع القرار، خصوصا بعد عودة الحياة السياسية والبرلمانية عقب ما عرف بهبة نيسان، وانتخاب مجلس جديد جاء بشخصيات مغايرة عن المألوف".



ويضيف: "هذا ترك أثره على النهج الجديد حتى نهاية عقد التسعينيات في المزاوجة البدائية ما بين الأعمال والسياسة، في ظل الأحكام العرفية الطويلة التي حطت رحالها بعد سنوات طويلة". على حد قوله.



التغيرات الاجتماعية والسياسية بدأت تتشكل في المملكة بعد أن جلس الملك عبدالله بن الحسين على العرش عام 1999، حيث استلم الملك الشاب ذو العقلية الليبرالية الذي لم يخف طموحه بتأسيس دولة مدنية وسط مجتمع قبلي.



وواجه الملك عبدالله الثاني تحديات إقليمية في مسيرة حكمه استطاع تجاوزها، مرورا باحتلال العراق وتداعياته على الأردن والتعقيدات في الملف الفلسطيني، وصولا إلى ثورات الربيع العربي، والحرب في سوريا، وتمكن الأردن من عبور هذه التحديات بأقل الخسائر.



تغيير في المنهجية



الكاتب الفايز، يعتقد أن "العهد الجديد الذي بدأه الملك عبدالله الثاني، حصل فيه تغيير في المنهجية وإن كانت بطيئة، حيث افتتح الملك عبدالله برؤية جديدة وقراءة لمستقبل دولة عصرية، ولكن ذلك لم يكن بالأمر السهل، فالملك أراد تصورا لدولة حديثة مدنية تراعي جيلين، وكان مصرا على العمل لتغيير النمطية القديمة المعتمدة على الأسماء التي تكررت طويلا، إذ حاول القفز عن مراحل التدرج، ولكنه اصطدم بجدار الماضي القوي، حيث إن رئيس وزرائه الذي استمر معه في الحاكمية، فايز الطراونة، كان لا يزال امتدادا للعهد البيروقراطي القديم، لذلك لم يكن سهلا على الملك آنذاك أن يسرّع في التحول إلى النمط المعاصر أو المحاكي للتطور الغربي دون الالتفاف على الطبقة المتغلغلة في الجهاز الرسمي، ولكن مع تقدم السنين حصل تغيير منهجي في إدارة الحكم، وإن كانت آثاره لم تظهر إلا في العقد الأول من الألفية الثانية".



ويقول: "في المحصلة كان واضحا أن أي تغيير لا يمكن أن يقع بين ليلة وضحاها، فالملك أصلا هو ابن المؤسسة العسكرية، وهي إحدى أهم روافع البيروقراطية الانضباطية، ومهما حاول لا يمكنه تجاوز شعب له نمط حياتي مؤطر ما بين قبيلة عريقة وطبقة وظيفية معتمدة على جهاز الدولة مدنيا وعسكريا، وهذا أبقى الحرس القديم كمداميك متوالية ترافقه في السنوات الأولى، إذ خلف الطراونة رئيس جديد من العهد القديم وهو عبدالرؤوف الروابدة، الذي كانت له تجارب سابقة ورؤى سياسية لا يمكنه التخلي عنها، بناء على وعيه واستشرافه لما اتضح عن المبشرين بالتحولات الشاملة اجتماعيا وسياسيا".



ويتابع: "لكن الملك عبدالله حاول مرة أخرى لتجربة الدولة المدنية والسوق الحر والتحالفات غير التقليدية، فكلف رئيسا محسوبا على الرأسماليين ممثلا بعلي أبو الراغب، حيث أبقى مجلس النواب شاغرا لثلاث سنوات، أصدر خلالها أكثر من مئتي قانون مؤقت دعمت التخلص من الإرث القديم وانتهاج سياسة السوق المفتوح والتوسع في الخصخصة، التي بدأت منذ نهاية عقد الثمانينيات".



"هذا أنتج واقعا متناقضا في السياسات الحكومية المتعاقبة ما بين بيروقراطية وليبرالية، تمكنت من اقتلاع شأفة الماضي الاقتصادي بإدخال ما سمي بالشركاء الاستراتيجيين، الذي فتح الباب لدخول الاستثمار العالمي على مؤسسات الدولة التي كانت رصيدها الثقيل، ومقابل ترشيق المؤسسة الرسمية، كانت الأزمة الحقيقية مختبئة في موازنة الحكومات التي لم تتخلص أي منها بفاتورة دين يقل عن ثلاثة مليارات في أحسن الأحوال، ما جعلت صورة الدولة مزيجا من المحافظين والليبراليين والرأسمالية، التي تتحكم في عديد من القرارات الحساسة سياسيا واقتصاديا، وفي المحصلة بقي العهد الجديد ملتحفا بالعهد القديم والجديد معا لمواجهة التحديات التي تواجهها الدولة"، بحسب الفايز.



100 عام على تأسيس المملكة



ويحيي الأردنيون في نيسان/ أبريل المقبل مرور 100 عام على تأسيس الدولة الأردنية، وتقول الكاتبة والمحللة السياسية رنا الصباغ أن العنوان الأبرز لها يجب أن يكون "الصمود والتحدي والنماء"، وتعتقد في حديث لـ"عربي21" أن "الصمود كون الأردن أسس في موقع صعب وفي ظل موارد شحيحة، وصمد في مهب الريح، وثبتت أمام الزوابع في الإقليم غير المستقر".



من المحطات المفصلية التي أثرت على الأردن بشكل كبير -حسب الصباغ- "حرب عام 1948 التي تركت أيضا جدلا حول شكل هوية الدولة، واستحوذت المملكة خلال المائة عام من عمرها على مليارات المنح التي ساهمت في بناء البنية التحتية والجامعات وتحسين نوعية الخدمة المقدمة للمواطنين، كما أدت الأردن دورا كمتحدث باسم العرب مع الإدارة الأمريكية وإسرائيل، لكن هذا الدور تغير بعد أن طبعت دول عربية مع إسرائيل، وفقد الأردن دوره المحوري أو كجدار عازل مع إسرائيل".



وترى الصباغ أنه خلال عمر الدولة "شهدت المملكة تغيرات كبيرة في التحالفات الإقليمية، مع إبقاء على علاقات استراتيجية مع أمريكا وإسرائيل، الأمر الذي وفر حماية للمملكة في كثير من المراحل".



لكن ما التغيير الذي طرأ بين العهدين؟ تجيب الصباغ: "إلى اليوم لا نستطيع حل مشكلة ازدواجية الهوية وبقي بعبع الجغرافيا والديموغرافيا، لليوم لم نستطيع أن نقرر هل نريد أن نكون بلدا عصريا أم بلدا منغلقا على نفسه وملتزما بالعادات والتقاليد، الإصلاح السياسي كان بواد والإجراءات بوادٍ آخر، إلى جانب انتشار الفساد أفقيا وعاموديا، كل هذا ولم يقم أحد بمراجعة أين أخطأنا وأين أصبنا".



ولعل التحديات الداخلية أرقت المملكة خلال العقدين الأخيرين أبرزها التحدي الاقتصادي الداخلي، بعد سياسات ضريبة فرضتها برامج "التصحيح الاقتصادي" التي وضعها صندوق النقد الدولي وشكلت هذه البرامج جوهر السياسات الاقتصادية للحكومات المتعاقبة، التي رفعت أسعار ورسوم سلع أساسية وخصصت مؤسسات في القطاع العام، الأمر الذي اعتبره الأردنيون "سياسة جباية وإفقار".



الكاتب والمحلل السياسي، لبيب القمحاوي، يقول إن "الملك الراحل الحسين أدار دولة مؤسسات أثرت في كل مفاصل الحياة مع تدخل أمني مسيطر عليها وحكم بنفس ديمقراطي نسبيا، وشهدت تلك المرحلة فسادا محدودا، الآن نفتقد ذلك بشدة".



يشعر القمحاوي الآن أن "هنالك تفردا في الحكم وتركيزا للسلطات بيد جهة واحدة"، يقول لـ"عربي21": " التحديات في عهد الملك حسين كانت مصيرية ومنها الحروب مع إسرائيل، التي كان لها عواقب وخيمة، وواجهها الملك الذي تولى الحكم وهو صغير في العمر وبنى مؤسسات مهمة مثل الفوسفات والبوتاس والاتصالات التي خصخصت لاحقا".



ومازالت المملكة تواجه أكبر هواجسها: بطالة مرتفعة، وجيوش من المتعطلين المحبطين، ونمو اقتصادي متواضع، وارتفاع كبير في معدلات البطالة تفاقم مع جائحة كورونا التي رفعت أيضا مديونية المملكة الداخلية والخارجية، بالتزامن مع تضييق على الحريات العامة.

أضف تعليقك