
اقتصاديون : رفع العقوبات عن سوريا يعزز التعاون الاقتصادي أمام الأردن في مختلف القطاعات

يعتبر اقتصاديون القرار الذي اتخذه الرئيس الأمريكي دونالد ترمب مؤخرا برفع العقوبات عن سوريا، بما في ذلك إلغاء العمل بقانون قيصر، تحولا استراتيجيا في العلاقات الإقليمية والدولية مع دمشق.
ولاقى هذا القرار ترحيبا واسعا في الأوساط السياسية والاقتصادية الأردنية، وسط توقعات بأن يسهم في تعزيز جهود إعادة الإعمار في سوريا ويفتح آفاق التعاون الاقتصادي بين البلدين بشكل غير مسبوق.
وفي شهر أيار الماضي، التقى الرئيس السوري أحمد الشرع مع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في العاصمة السعودية الرياض، حيث أعلن ترمب رسميا رفع العقوبات، مؤكدا دعم بلاده لعملية التعافي السوري.
هذا التقارب الدولي مع دمشق ترافق مع تحرك أردني بحسب خبراء اقتصاديين يساهم في تفعيل العلاقات الاقتصادية الثنائية، خاصة في قطاعات الطاقة والمياه والتجارة والإعمار.
الخبير في الاقتصاد السياسي زيان زوانة يوضح في حديثه لـ "عمان نت" أن قرار رفع العقوبات عن سوريا يصب في مصلحة الأردن، من حيث تعزيز العلاقات الثنائية وفتح آفاق التعاون الاقتصادي بين البلدين، معتبرا أن القوانين والإجراءات التي فرضت لمحاصرة سوريا خلال السنوات الماضية ألحقت ضررا مباشرا بسوريا، وانعكست سلبا أيضا على الأردن، لارتباط البلدين بعوامل جغرافية وتاريخية عميقة.
ويقول زوانة إن أي تخفيف أو رفع للعقوبات المفروضة على سوريا يعني بالضرورة فتح السوق السوري على مصراعيه أمام الصادرات الأردنية في مختلف المجالات، خاصة أن سوريا بحاجة إلى كل شيء، مضيفا أن القرب الجغرافي بين البلدين يسهل حركة التبادل التجاري ويخفض كلف الشحن، مما يعزز من فرص التبادل المربح للطرفين.
وفيما يتعلق بأبرز القطاعات التي يمكن للأردن أن يلعب فيها دورا محوريا في التعاون مع سوريا، يقول زوانة إن قطاع التجارة يأتي في المقدمة، إضافة إلى وجود فرص كبيرة في قطاع الإعمار، فضلا عن الإمكانات الهائلة في مجال الشراكات الصناعية، لا سيما أن الأردن استقبل خلال السنوات الماضية استثمارات صناعية سورية مهمة، ويمتلك المستثمرون السوريون في الأردن امتدادات داخل سوريا، مما يمكن رجال الأعمال الأردنيين من عقد شراكات فعالة ومباشرة.
كما أثبت القطاع الخاص جاهزيته العالية بحسب زوانة وذلك لاستثمار فتح الحدود واستغلال الفرص التجارية والصناعية بين البلدين، داعيا إلى دعم هذه الجاهزية واستمرارها لتسهيل حركة التبادل التجاري والاستثماري، خصوصا في ظل الحاجات الواسعة التي تعاني منها السوق السورية.
تعاون أردني سوري في الطاقة والمياه
في إطار تعزيز العلاقات الثنائية، يعلن وزير الطاقة والثروة المعدنية صالح الخرابشة أن الأردن يجري مباحثات مع الجانب السوري لتزويد سوريا بالطاقة الكهربائية، مشيرا إلى أن هناك خطة عمل مشتركة وتنسيقا لتأهيل خط الربط الكهربائي بين البلدين.
كما لفت إلى دراسة لرفع قدرة الخط إلى 300 ميغاواط، وهو ما يدعم سوريا في جهودها لإعادة بناء بنيتها التحتية الحيوية، ويعزز في الوقت ذاته مكانة الأردن كمركز إقليمي للطاقة.
من جهته، يوضح وزير الطاقة السوري محمد البشير أن البنك الدولي قدم منحة لإعادة تأهيل خط الربط الكهربائي، وأن اجتماعات مكثفة عقدت مع شركات الطاقة الأردنية، سواء في مجال الغاز أو الطاقة المتجددة، مؤكدا وجود تنسيق عال جدا في مختلف القطاعات.
كما أعلن البشير عن تشكيل لجان فنية لمتابعة ملفات التعاون المائي، خاصة اتفاقية حوض اليرموك، بما يعكس توجه البلدين لحل الملفات العالقة بروح الشراكة.
يرى الباحث الاقتصادي المختص في شؤون النفط والطاقة، عامر الشوبكي، في حديثه لـ "عمان نت"، أن زيادة ضخ الغاز إلى سوريا عبر الأردن تحمل عدة انعكاسات ومكاسب، سواء على الجانب الأردني أو السوري، معتقدا أن يكون مصدر الغاز شركة شيفرون وحقول شرق المتوسط، في حين تكمن الفائدة للأردن في رسوم العبور، أما الفائدة الكبرى فهي لسوريا التي تعاني من انعدام مصادر الغاز الطبيعي وعدم توفر بنية تحتية لاستيراده بحريا عبر الغاز المسال.
وبحسب الشوبكي، فإن الاعتماد على الغاز الطبيعي المار عبر الأردن يعد الحل الوحيد المتاح أمام سوريا لتوفير طاقة أقل كلفة مقارنة بالوقود التقليدي المستخدم حاليا في توليد الكهرباء.
أما بشأن رفع العقوبات عن سوريا، فيرى الشوبكي أن ذلك قد يفتح الباب لتعزيز التعاون في مجال الطاقة، لا سيما في ظل توفر فائض في الاستطاعة الكهربائية الأردنية، والذي يكلف المملكة مبالغ طائلة نتيجة الخسائر التي تتكبدها شركة الكهرباء الوطنية، والمقدرة بنحو نصف مليار دينار سنويا، تراكمت لتصل إلى نحو 6.2 مليار دينار من الدين العام.
ويشير الشوبكي إلى أن تصدير جزء من الكهرباء الفائضة إلى سوريا يمكن أن يخفف العبء عن شركة الكهرباء الوطنية، ويقلل من تكاليف توليد الكهرباء في الأردن، كما يسهم في تزويد الجانب السوري بمصدر كهرباء سريع، إلى حين تمكنه من إعادة بناء محطات توليد مستدامة، خصوصا في المناطق الجنوبية.
تحديات أمنية رغم الفرص الاقتصادية
ورغم تفاؤل الخبراء الاقتصاديين، إلا أنهم لم يغفلوا عن وجود ملفات عالقة بين الأردن وسوريا، مثل تهريب المخدرات والأسلحة، وقضية المياه، معتبرين أن هذه القضايا الأمنية تتولاها الجهات السيادية المعنية في كلا البلدين، وسط امال عدم تعطيل الانفتاح الاقتصادي بسببها، بل السير في المسارين الاقتصادي والأمني بشكل متوازن وسريع.
ودعا زوانة إلى إعادة النظر في تنظيم المعابر الحدودية، خاصة معبر جابر، في ظل الكثافة المتزايدة في حركة السلع والمسافرين، مشددا على أهمية تطوير البنية التحتية للمعابر وتعزيز كوادر الجمارك والجوازات وأجهزة الفحص، لتسهيل عمليات الانسياب التجاري والعبور البشري، مضيفا انه لدينا فرصة ذهبية يجب ألا ننتظر أكثر للاستفادة منها، إن فتح السوق السوري أمام الأردن يتطلب جهدا منظما واستعدادا فعليا على المستويين الرسمي والخاص.
رغم التحسن في العلاقات الأردنية السورية، يرى اقتصاديين بأنه لا تزال التحديات الأمنية تشكل هاجسا رئيسيا، وعلى رأسها تهريب المخدرات، خاصة الكبتاغون، عبر الحدود الشمالية، إلى جانب محاولات تهريب الأسلحة والسلع بطرق غير شرعية.
كما يواجه الأردن مخاوف من هشاشة الوضع الأمني في الجنوب السوري، واحتمالات تسلل عناصر متطرفة، إضافة إلى ملفات عالقة مثل المياه ووجود مخيمات لاجئين قرب الحدود، ما يستدعي استمرار التنسيق الأمني المكثف مع دمشق لحماية الأمن الوطني دون إعاقة فرص التعاون الاقتصادي.