اضطراب ما بعد الصدمة.. خطر على الأطفال من الحرب

الرابط المختصر

منذ بداية تنفيذ عملية "طوفان الأقصى"، يجد العديد من الأسر أنفسهم يقضون ساعات طويلة يوميا في متابعة تداعيات ما يجري في قطاع غزة، حيث يجلس بعض الآباء والأمهات مع أطفالهم أثناء مشاهدتهم للأحداث، وهو الأمر الذي يثير قلق الخبراء في مجال الصحة النفسية، الذين يرون أن هذا النوع من المشاهدة قد يكون له تأثير سلبي على نفسية وشخصية الأطفال.

خلال الأيام الأخيرة، شهدنا توالي الأحداث ناجمة عن التصاعد في التوترات بين الجانب الإسرائيلي وقطاع غزة، حيث تم عرض العديد من الأحداث عبر مختلف وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، بما في ذلك مقاطع فيديو قصيرة على يوتيوب، تظهر صواريخ وطائرات حربية وصور لجنود، فضلا عن حوادث استشهاد الأطفال والنساء، وفقدان العائلات بأكملها، هذه المشاهد يمكن أن تتسلل إلى عقول الأطفال وتترك تأثيرا عميقا.

هذا الأمر حذرت منه العديد من الدراسات الاجتماعية، مؤكدة أن الأطفال الذين يشاهدون التلفزيون دون رقابة أو اختيارية محددة يمكن أن يصبحوا أقل حساسية لآلام الآخرين ومعاناتهم، كما قد تزيد مشاهدة العنف والقتل من ميل الأطفال إلى ممارسة السلوك العدواني وزيادة استعدادهم للقيام بأفعال مضرة.

تقدر دائرة الإحصاءات العامة أن هناك ما يقرب من 3.8 مليون طفل دون سن 18 في المملكة، مما يمثل أكثر من 40٪ من إجمالي السكان.

 

سلوك عدواني وخوف

مستشار أول في الطب النفسي، ودكتوراه التخصصية في الطب النفسي عند الأطفال والمراهقين اللواء المتقاعد الدكتور أمجد الجميعان يشدد على ان متابعة الأطفال لمشاهد الحرب تشكل تداعيات نفسية خطيرة، حيث يفقد الاطفال القدرة على التركيز ويمكن ان يعانوا من حالات اكتئاب تظهر خلال النوم، فبعض الاطفال يصبحون خائفين من النوم بمفردهم ومن الظلام، ويعانون من تخيلات مرعبة تشمل أصوات الطائرات والرصاص والجنود.

ويشير الجميعان إلى إن هذا الوضع يؤثر على الكبار أيضا، ولكن يكون أثرها أكبر بكثير على الأطفال، قد يتعرض الأطفال لاضطرابات ما بعد الصدمة، مما يؤدي إلى تطوير سلوكيات عدوانية وارتفاع ملحوظ في معدلات الانفعال لديهم، هذه الآثار يمكن أن تظهر على الفور أو تتأخر قليلا، خاصة إذا استمروا في مشاهدة هذه المشاهد بانتظام، مما يزيد من احتمالية تطور مشكلات نفسية لديهم.

عند مراجعة طبيب متخصص، يمكن أن يكون من الصعب على الطبيب تشخيص الحالة بشكل دقيق وربط الأعراض بمتابعة الأطفال لأحداث الحرب، ولكن يتحمل الآباء والأمهات مسؤولية حماية أبنائهم من هذه المشاهد وتقديم الدعم النفسي والعاطفي لهم وفقا للجميعان.

 

متى يبدأ الطفل التحليل؟

الدراسات تشير إلى أن الاطفال يبدأون في تحليل ما يرون او يسمعون منذ سن الخامسة عادة،  ومن بعض الامور التي تجذب انتباه الأطفال في وسائل الاعلام مشاهد العنف والدمار والصراخ والبكاء، مثل الحروب. من الأفضل عدم السماح للأطفال بمشاهدة هذه المشاهد نظرًا لتأثيرها السلبي على صحة نفسية الأطفال. 

ويمكن أن تتسبب هذه المشاهد في إثارة القلق والهلع لدى الأطفال، وتبقى في خيالهم لفترة طويلة، مما يمكن أن يؤدي إلى فقدانهم للشعور بالأمان، وهذا الشعور هو أمر أساسي للأطفال. 

وقد يتسبب ذلك في اضطرابات في النوم مثل الكوابيس والنوم المتقطع، ويمكن أن يتأثر نمط الأكل والمزاج، وفي بعض الحالات، قد يؤدي ذلك إلى مشاكل مثل التبول اللاإرادي وقضم الأظافر.

بالإضافة إلى ذلك، قد يحفز مشاهدة هذه المشاهد الأطفال على السلوك العدواني، مما يجعلهم أقل تعاطفًا مع معاناة الآخرين نتيجة لتعودهم على مشاهدة مثل هذه المواقف.

 

دور الأهل

ويأتي هنا دور الأهل في أهمية الرقابة على المحتوى الذي يتعرض له الأطفال في وسائل الإعلام، وإيصال العديد من المفاهيم بطريقة مبسطة وإنهاء الحوار بطريقة مطمئنة للأطفال، مع الحرص بعدم مشاهدة الأطفال كل شيء يعرض كي لا تزداد التساؤلات التي تحتاج الى اجابة، وان تكون الأوضاع تحت السيطرة .

لا توجد رقابة فعالة على المحتوى المنشور على وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات مشاركة الفيديو مثل يوتيوب، حيث أن  العديد من الأفراد الناشطين على هذه المنصات ينشرون بلا قيود مقاطع فيديو تحتوي على مشاهد عنيفة ومروعة من الحروب والجرائم، وهذا يمكن أن يتعرض له الأطفال عن طريق مشاهدتهم هذه المحتوى على هواتفهم الخلوية.

تشير الأبحاث العالمية إلى أن يوتيوب، كواحدة من أشهر المنصات على الإنترنت، تحتل المرتبة الثالثة فيما يتعلق بأكثر المواقع زيارة حول العالم، وفقًا لإحصائيات Alexa الأخيرة.

ينشر أكثر من 48 ساعة من الفيديو على يوتيوب كل دقيقة، ويتم مشاهدة مقاطع الفيديو على يوتيوب يوميا من قبل فئات عمرية متنوعة، بما في ذلك الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة، حيث يصل عدد المشاهدات اليومية إلى 3 مليار مشاهدة.

من جانبه يوضح الجميعان، أن معظم المشكلات التي تؤثر على الأطفال ناشئة من مشاهد الفيديو القصيرة المروعة الموجودة على يوتيوب، وهذه المشاهد تحمل مخاطر خطيرة على الأطفال بالإضافة إلى القضايا الأخلاقية.

لذلك، يشدد الجميعان أن دور الأهل ضروري في مراقبة المحتوى الذي يتعرض له أطفالهم عبر وسائل الإعلام، وضرورة توجيههم وتوضيح المفاهيم بطريقة بسيطة وتهيئة الأجواء لإنهاء النقاش بشكل مطمئن للأطفال.

كما يجب أيضا تجنب عرض الأطفال لجميع المحتوى حتى لا يثير الاطفال تساؤلات تتطلب إجابات، ويجب أن تكون الأوضاع تحت السيطرة من جهة الأهل.