ألقى الناشط السياسي والوزير الأسبق د. صالح ارشيدات محاضرة في منتدى الفكر العربي، مساء يوم الأحد تناول فيها الأزمة العربية وكيفية الخروج من المأزق الحالي؛ مشيراً إلى ما أصاب الأمن القومي من استباحة في العراق وسورية وليبيا، وكذلك ما تعرضت له الرسالة الإنسانية والحضارية الثقافية العربية والإسلامية من تزوير وتشويه في التفسيرات من قبل المليشيات الإرهابية، عدا سلب الأمّة طاقاتها ومواردها وإمكاناتها لدرجة أن بعض العرب يتعرضون للجوع والمرض والعطش، وما يزال الاحتلال يسلب العرب في فلسطين حقوقهم في أرضهم ومقدساتهم وحياتهم الكريمة الحرة؛ داعياً إلى مشروع حضاري نهضوي إنساني يعيد للأمة ألقها وأصالتها وحداثتها ودورها الإنساني بين الأمم.
أدار اللقاء وشارك فيه الأمين العام لمنتدى الفكر العربي والوزير الأسبق د. محمد أبوحمور، الذي قال في كلمته التقديمية : إن المستقبل الذي يدور الحديث حوله ليس بعيداً ويكاد يكون جزءاً من الحاضر المعاش، وما يشهده الوطن العربي من أزمات متلاحقة منذ عقدين على صعد مختلفة لم يأت من فراغ وإنما نتيجة ترابط هذه الأزمات وتداخلها؛ داعياً إلى تشخيص الأسباب قبل معالجة النتائج، والعمل على إيجاد الحلول الجذرية بدلاً من الحلول الآنية والجزئية.
وأضاف د. أبوحمور أن أزمة بناء الثقة مصدرها القصور التنموي في قطاعات التعليم والرعاية الصحية والتشغيل والاستثمار، إلى جانب مأسسة المشاركة وعدالة توزيع الفرص في مكتسبات التنمية، فضلاً عن شدة المعاناة من تداعيات الأحداث العربية وتراجع معدلات النمو وفشل العمل العربي المشترك؛ مشيراً إلى أن الأردن يمثل نموذجاً عربياً في مواجهة التحديات بما لديه من إمكانات سياسية متقدمة عبرت عنها الأوراق النقاشية الملكية في منطلقات المشاركة والإصلاح والممارسة الديمقراطية لحماية الأردن في إطار قيم المواطنة الفاعلة والحاضنة للتنوّع، وتعزيز مفهوم الانتماء في إطار الهوية الوطنية الجامعة.
من جهته، أوضح د. صالح ارشيدات في محاضرته بعد أن استعرض الأوضاع والتحولات العربية والدولية وخاصة خلال العقدين الماضيين، أن العرب يملكون مقومات إعادة النهوض الإنساني والحضاري والثقافي المشترك للدول والشعوب العربية، التي هي متجانسة ثقافياً ومتوحدة في الوجدان والتاريخ والآمال والمصير، شريطة اعتماد مشاركة الشعوب العربية في اتخاذ القرار، وإعادة إحياء النظام العربي على أسس حضارية، والاهتمام بالإنسان العربي وحقوقه الأساسية في الحرية والعدالة الاجتماعية والحياة الكريمة، وإشراكه في تحمّل المسؤولية، ضمن سيادة القانون وحقوق الإنسان في الدولة المدنية الحديثة.
ودعا د. ارشيدات إلى مصالحة عربية قبل إعادة تشكيل النظام العربي وآلياته من جديد، تلبّي المتطلبات الأساسية لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، وتكون ملزمة لكل الأطراف المشاركة، ضمن ميثاق لا يجيز لأي طرف التدخل في الشؤون الداخلية لأي طرف آخر، وإيجاد مؤسسة دفاع عربي قادرة على حفظ الأمن والاستقرار العربيين.
كما دعا د. ارشيدات إلى وضع خطة انتقالية فعالة مقبولة للجامعة العربية لتطوير هيكلة عملها المؤسسي، وإيجاد مؤسسات عربية فاعلة للجامعة نفسها (تفعيل البرلمان العربي)، ويكون لهذه المؤسسات مسؤوليات تنفيذية وشرعية محددة لمناقشة القرارات والتصويت عليها قبل إرسالها الى القادة العرب لتنفيذها، ولها صلاحيات ملزمة في المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي (التجارة العربية الحرة والسوق العربية المشتركة، واتحاد الجمارك وتوحيد المواصفات العربية)، وتأسيس صندوق عربي لدعم الدول المستضيفة للاجئين وعودة اللاجئين العرب إلى ديارهم، وإعادة إعمار الدول العربية التي تضررت .
وبشأن القضايا المصيرية أكد د. ارشيدات أهمية تحديد موقف عربي موحد من هذه القضايا المصيرية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وتداعياتها نتيجة تنفيذ صفقة القرن، وضمن الإمكانات العربية والتوازن الدولي الجديد والانفتاح على العالم كله بهدف تنفيذ القرارات الدولية للسلام والمبادرة العربية، وإزالة الاحتلال الاسرائيلي عن الأراضي العربية.
وأضاف أن على العرب البدء بإصلاح الخطاب الديني ، وتفعيل آليه دحض الفكر التكفيري باتجاه الوصول إلى تحقيق هدف رسالة الإسلام السمحة، والتنوير في مجال الثقافة والإعلام والمناهج والوعظ والإرشاد، مع إعطاء قضايا الشباب مزيداً من الاهتمام والرعاية وإنشاء صندوق عربي لدعم الشباب، ورفع درجة الوعي العام العربي لتحصين الجبهة الداخلية، وتشكيل منظومة فكرية دينية ثقافيه إعلامية، تصل إلى كل الناس من مؤسسات المجتمع المدني والجهات الرسمية، مهمتها إعادة تأهيل خطباء الجوامع، والقائمين على التربية والتعليم، ومؤسسات الشباب وإعادة مراجعة المناهج المدرسية، وطرق التدريس، والانفتاح على العلوم والفلسفة.
ودعا د. ارشيدات أيضاً إلى العمل المنهجي للتوفيق بين مذهبي السنَّة والشيعة، وفك الاشتباك المذهبي السياسي بين المسلمين، والتحرك لإنقاذ المجتمعات العربية من حمله التشويش على الإسلام السمح، وقال: إن حملة التشويش هذه تهدد هوية الدين الإسلامي وتفرق كلمته وتنال من مقدساته . وأن على الإعلام العربي العمل مع العلماء والمفكرين والسياسيين، ضمن خطة طويلة ، للحرب على الإرهاب والتطرف، وهي حرب إعلامية وثقافية بالدرجة الاولى، كما فعل الأردن من خلال "رسالة عمّان" والحوار بين أتباع الأديان؛ مشيراً إلى أن فهم المتغيرات الثقافية، التي جاءت بها العولمة، هي نتيجة عملية التسارع الرقمي للتغير الاجتماعي الذي يشكل العنصر الأساس في الحداثة، والذي أدى إلى تبدل القيم والعلاقات وأنماط الحياة اليومية للناس، مما يجعل الرهان الحقيقي في الوطن العربي اليوم هو رهان تربوي ثقافي بالدرجة الأولى، كما أن رقعة الصراع الحقيقي لا تتمثل في المجال السياسي المباشر بالضرورة.
واختتم د. ارشيدات محاضرته بالتأكيد على أن القيم والمبادىء التي تقوم عليها الدولة المدنية الحديثة تتمثل في ترسيخ المواطنة الشرعية المتكافئة، والنهج الديمقراطي، و سيادة القانون، وسيادة الشعب الشرعية الدستورية، والأمن والاستقرار، والاقتصاد التنموي، وفصل السلطات، واستقلال القضاء وتداول السلطة التنفيذية السلمي؛ داعياً إلى تفعيل منظومة الإنتاج الاجتماعي المادي والروحي، وهي حلقة وصل بين المجتمع والمواطنين وبوتقة انصهار وطني لنمو بنى وعلاقات منظمات المجتمع المدني العامودية في النقابات المهنية والعمالية والمنظومات الثقافية والسياسية.