إذاعات مرصودة للنجاح وأخرى تكافح للبقاء

الرابط المختصر

لأن أساليب المنع والردع لم تعد تجدي في عالم اليوم، فان الدولة بدأت تدرك طرق اخرى لمنافسة الإعلام الخاص، ولكن بطرق "غير شريفة".

شهد الأردن خلال السنوات الأخيرة إنشاء عدد كبير من المحطات الإذاعية الخاصة، وصل عددها الى حوالي عشرين محطة.

على ان هذه الاذاعات لا تعامل على مقاييس ومعايير واحدة من قبل الحكومات، ففيما يتم التشدد مع بعضها في المسائل الادارية والمالية، ناهيك عن المضمون، تعطى إذاعات اخرى تسهيلات كبيرة تجعلها في وضع مريح من حيث المنافسة مع الأخريات.
 
ولم يعد خافيا على احد أن إذاعة "فن إف إم" هي أكثر الإذاعات التي استفادت من التسهيلات الحكومية، بعكس بقية المحطات الاخرى، ولكن فيما يعلن يوميا عن نية بعض مؤسسات الدولة انشاء محطات خاصة بها، كأمانة عمان، فما هو المانع من ان تحصل على امتيازات من الدولة.
 
الغريب في موضوع هذه التسهيلات، ان المحطات المعنية تعمل على أسس ربحية وتذهب ارباحها الى القطاع الخاص، وليس الى الجهة التي تنطق باسمها.
 
الوضع هذا يثير تساؤلات عدة، مدير إذاعة "وطن" هيثم العتوم، يؤكد على عدم قانونية مثل هذا الاجراء بوصفه يخالف قانون المنافسة المشروعة.
 
"هذه المؤسسات الإعلامية، او الإذاعات بالتحديد، حصلت على تراخيص باسم مؤسسات رسمية حكومة، او مؤسسات الدولة، وبالتالي فهي أعفيت من غالبية، ان لم يكن من مجمل، كلف التراخيص، وتلقت دعما من مؤسسة الإذاعة والتلفزيون على اعتبار انها تابعة لمؤسسات الدولة، فعملت معهم دوائر الهندسة في الاذاعة والتلفزيون ومنحوا حتى حق استخدام منشآت تابعة للدولة دون مقابل".
 
"ناهيك ايضا عن كلف اضافية تحملتها مؤسسات الدولة لضمان عمل هذه الاذاعات، وفوجئنا فيما بعد بان هذه الاذاعات اصبحت تدار كإذاعات خاصة من القطاع الخاص ولغايات إعلانية، وتسيطر على أغلبية العائد الإعلاني الموجود في السوق، لان لديها القدرة على تغطية الاردن بكامله، فلديها ترخيص لتغطية كافة مناطق المملكة ولديها مواقع عديدة تتعدى العشر مواقع لتقوية البث في كافة ارجاء الاردن ولا تتحمل أي اعباء مالية، وتدار كقطاع خاص مبني على علاقات خاصة. وبالطبع عندما يقدم الشخص نفسه كممثل لاذاعة تابعة لقطاع رسمي فبالتالي فهو يلقى تقبل او تجاوب حتى من القطاع الخاص المعلن".
 
"وبالتالي هذا في اعتقادنا، طالما فتح المجال امام القطاع الخاص للاستثمار في الاعلام المرئي والمسموع يجب ان تراعى وتحترم القوانين والتي من بينه قانون المنافسة الشريفة وهذا يتعارض مع هذه القوانين لأنه لا يوجد في مساواة في التعامل ويكاد يكون احتكارا للجانب الاعلاني، خاصة وان هذه الاذاعات لا تتحمل نفس أعباء الإذاعات الأخرى من حيث الكلف التشغيلية".
 
على أي حال، قد يكون من حق المؤسسات الرسمية، ان تنشئ إعلامها الخاص بها، وان كانت تجربة الاعلام الرسمي أثبتت انها لا تزال مهلكة لجيوب دافعي الضرائب وعاجزة عن تقديم خدمة حقيقية لهم، ولكن ما هو ليس حق لهذه المؤسسات هو ان تنافس القطاع الخاص او الاعلام المستقل بطريقة غير عادلة.
 
والحال، ان ما تقوم به هذه المؤسسات يتعدى إهدار المال العام، وتحميل المواطنين كلف تشغيل هذه الاذاعات، وانما هو ايضا اهدار لحقوق الاردنيين في التساوي الفرص، كما ينص الدستور.
 
ما تقوم به بعض المؤسسات لا يدخل في نطاق التضييق على الاعلام المستقل او الخاص، عبر خلق اعلام "مدعوم" وانما محاولة لخنق أي فرصة للاستثمار في هذا القطاع، وهو الى جانب ما يحمله من قمع مبطن للحريات والاعلام الخاص فهو كذلك يحد من اقدام المستثمرين على بذل اموالهم ليس في قطاع الاعلام فحسب بل في القطاعات الاخرى، فالدولة التي تسمح بما يجري في الاعلام قد تسمح لما هو مثله ان يجري في قطاعات اخرى، وهذا الامر سوف يضعف ثقة أي مستثمر بمناخ الاستثمار في البلد.