إجراءات بنكية تعيق وصول المكفوفين للخدمات المصرفية (انفوجرافيك)

الرابط المختصر

شعر الكاتب الصحفي والشاعر هشام عودة باستياء كبير بسبب رفض البنك الذي يتعامل معه في عمان تجديد بطاقة الصراف الآلي الخاصة به، عندما لاحظت الموظفة أنه مكفوف.

وتفاجأ عودة بتعامل البنوك مع المكفوفين على أنهم فاقدي الأهلية، كما يروي، وبحاجة لاصطحاب معرف لدى إجراء أي أمر مالي في البنك، إذ لا يكفي تقديم أوراقهم الثبوتية كما أبلغوه، مشيراً إلى أنها المرة الأولى التي يحتاج فيها إلى تجديد بطاقته منذ فقدانه البصر بسبب مرض السكري.

ويعتبر عودة أن تغول البنوك على حقوق العملاء من ذوي الإعاقة البصرية تعكس حالة الجشع وعدم الإكتراث بإحساسهم الإنساني من أجل توفير النفقات، بدلاً من القيام بمسؤولياتهم الإنسانية والقانونية، وتوفير أفضل السُبل لخدمتهم ومساعدتهم على استكمال حياتهم في ظروف طبيعية وباستقلالية تامة، وفقاً للقانون.

 

تراخٍ في تنفيذ القوانين

يرى خبير حقوق الإنسان هاني جهشان أن عدم توفير الخدمات البنكية للأشخاص من ذوي الإعاقة ومن بينهم ذوي الإعاقة البصرية، يشكل انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان ولحقوق هذه الفئة على وجه الخصوص، يتحمل مسؤوليته المباشرة البنك المركزي، كونه المؤسسة الرسمية التي تشرف مباشرة على البنوك استناداً إلى التشريعات النافذة، معتبراً أن تراخي جمعية البنوك بتنفيذ القانون والتعليمات غير مبرر، وتتحمل هذه الجهات أي ضرر يلحق بالأشخاص ذوي الإعاقة بسبب قصورهم.

بينما يعتبر مدير عام جمعية البنوك الأردنية عدلي قندح أن الإجراءات البنكية المتبعة لا تنتقص من حقوق ذوي الإعاقة البصرية، ولا تعدّ تعقيداً لأمورهم الحياتية، وإنما هي إجراءات قانونية أمنية احترازية متفق عليها، تهدف إلى الحد من الاحتيال المالي، أو الاستخدام غير الصحيح للحسابات المصرفية وبطاقات الصراف الآلي  لهذة الفئة.

وتمنع ضبابية المعلومات المتعلقة بعدد المكفوفين وأماكن إقامتهم من توفير الأمن والحماية للحسابات المصرفية الخاصة بهم إن منحوا إمكانية التصرف بلا معرّف، بحسب قندح، مشيراً إلى صعوبة إلزام البنوك أن تزود كافة فروعها بصراف آلي مهيءٍ لخدمة المكفوفين، نظراً لارتفاع التكلفة المالية لتوفير ذلك، علماً أن بنكي القاهرة عمان والأردني الكويتي بادرا إلى توفير صرافات خاصة لاستعمال المكفوفين وضعاف البصر وذوي الإعاقة الحركية، لكن ذلك لا يمكن تعميمه على بقية البنوك بسبب الكلفة، وعدم قدرتهم على تحمل المسؤولية القانونية لذلك، ويرى قندح أن من غير المنطقي التعامل مع هذة الإجراءات بالعواطف، فأصل الأمر يرتبط بتكلفة مادية وحقوق عملاء وبنوك. على حدّ قوله.

ويردّ جهشان على مبررات قندح بشأن عدم توفر الإحصائيات وارتفاع التكلفة، وصعوبة توفير الخدمات اللوجيستية بالتأكيد على توفر البيانات عن جميع الإعاقات في الأردن لدى المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ولدى دائرة الإحصاءات العامة، بما في ذلك توزيع سكنهم الجغرافي. 

وأوضح أن ارتفاع تكلفة الخدمات ليس مبرراً لعدم توفيرها، فالبنوك تحقق أرباحاً ضخمة سنوياً، والادعاء بارتفاع التكلفة غير منطقي في موضوع يخص حقوق الإنسان وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والمساواة بين المواطنين، وعدم القيام بتوفير هذه الخدمات يؤدي حتماً للسمعة السيئة لهذه البنوك بعدم التزامها بالمعايير المهنية والأخلاقية، ويخفض تصنيفها المهني على المستوى الإقليمي والدولي. 

أما عن صعوبة تطوير الخدمات لذوي الإعاقات البصرية من الناحية اللوجيستية، فلفت جهشان إلى أن التطور التكنولوجي وانخفاض التكلفة المستمر ينفي صحة وجود عوائق، لعدم واقعيته في ظل ثورة الاتصالات والمعلومات التي يشهدها العالم.

 

0

حقوق مكفولة بالتشريعات

يؤكد مدير مديرية الوصول والتصميم الشامل في المجلس الأعلى لشؤون الأشخاص ذوي الإعاقة، رأفت الزيتاوي، على ضرورة اعتماد البنوك لتوقيع الأشخاص المكفوفين أو اعتماد خيار البصمة الإلكترونية، خلال معاملاتهم المصرفية، دون اشتراط اصطحاب معرفين لهم، إذ يقر الشخص المكفوف باطلاعه وعلمه بمضمون المعاملة ومتطلباتها إذا وقّع عليها بالإمضاء أو ختمها بختم خاص به، أو استخدم البصمة الإلكترونية، مشيراً إلى إمكانية توثيق المعاملات المصرفية التي يقوم بها ذوو الإعاقة بالصوت والصورة والاحتفاظ بها لمدة زمنية محددة، منعاً لحدوث أي مشاكل.

ولا بدّ من وجود تطبيقات على الهواتف الخلوية خاصة بالمكفوفين، أو تطوير التطبيقات الحالية لتصبح سهلة الإستخدام بالنسبة لهم، حتى يتيسر لهم إدخال اسم المستخدم وكلمة السر ورقم النفاذ عبر تحويل الأصوات إلى نصوص وأحرف وأرقام، تدخل مباشرة للتطبيق دون استخدام لوحة المفاتيح، واعتماد الأمر ذاته في مواقع المصارف الإلكترونية لتصبح صديقة للمكفوفين، كما يقترح الزيتاوي، موضحاً أن من مسؤولية البنوك توفير أجهزة لقراءة بيانات البطاقة البنكية للمكفوف، وكذلك أجهزة الصراف الآلي من المفترض أن تُهيأ لتحويل التعليمات البصرية إلى سمعية بتوفير مقبس لسماعات يستخدمها الكفيف، وفي حال عدم توفر ذلك يجب أن تطور لوحة مفاتيح الخاصة بجهاز الصراف، وذلك بإضافة نتوءات على مفاتيح الأرقام، ليميزها المكفوف، وخاصة الرقم المتوسط (5) ومفتاح الدخول ومفتاح الإلغاء.

كما أن توفير بطاقات توقيع إلكترونية يستخدمها المكفوفون عند الحاجة للتوقيع على المعاملات المصرفية، من شأنه التسهيل عليهم وضمان سلامة الإجراءات، بحسب الزيتاوي الذي يؤكد على أن البنوك مطالبة  بطباعة الوثائق البنكية والنصوص على البطاقات البنكية بلغة بريل، مع وجود علامة أخدود صغير على حافة البطاقة لتمييزها عن بعضها.

وتعتبر التشريعات الوطنية والأممية التي صادقت عليها المملكة واجبة التنفيذ منذ لحظة إقرارها، لذلك فإن البنوك ملزمة بتوفير كامل الخدمات التقنية واللوجيستية الخاصة بذوي الإعاقة في فروعها المختلفة، على أن يراقب البنك المركزي إجراءاتها لضمان تنفيذ التعليمات، يقول الزيتاوي، رافضاً حديث مدير عام جمعية البنوك الأردنية عن صعوبة تنفيذ هذه المطالب، فهي ضرورية لتوفير الإجراءات الميسرة أمام ذوي الإعاقة واحترام حقهم في الخصوصية وسرية حساباتهم، على أساس من المساواة مع الآخرين.

ضرر نفسيّ وماليّ

 يلحق عدم توفير الخدمات البنكية المخصصة للأشخاص ذوي الإعاقة ضرراً نفسياً ومالياً بهم، كما توضح الخبيرة القانونية لارا ياسين، مشيرة إلى أنه لا يوجد أي عائق لرفع قضايا حقوقية لجبر الضرر المالي، استناداً لأحكام المادة (256) من القانون المدني الأردني، والتي نصت على أن "كل إضرار بالغير يلزم فاعله ولو غير مميز بضمان الضرر".

وتكفل المعايير الدولية حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، وخاصة اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي صادق عليها الأردن عام 2008، ونشرت في الجريدة الرسمية، وتقضي المادة (12) منها بالاعتراف بالأشخاص ذوي الإعاقة على أساس المساواة مع الآخرين أمام القانون، إذ ينص البند (5) من المادة ذاتها على "رهناً بأحكام هذه المادة تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة والفعالة لضمان حق الأشخاص ذوي الإعاقة على أساس المساواة في ملكية أو وراثة الممتلكات، وإدارة شؤونهم المالية وإمكانية حصولهم على القروض المصرفية والرهون وغيرها من أشكال الائتمان المالي على أساس المساواة مع الآخرين وتضمن عدم حرمان الأشخاص ذوي الإعاقة بشكل تعسفي من ممتلكاتهم. إضافة إلى حق اللجوء للقضاء وفقا لأحكام المادة (13) من الاتفاقية".

كما كفل الدستور الأردني حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة كما جاء في الفقرة الخامسة من المادة (6)، وتنص على أن "يحمي القانون الأمومة والطفولة والشيخوخة ويرعى النشء وذوي الإعاقات ويحميهم من الإساءة والاستغلال".

تعليمات ملزمة

تلزم تعليمات البنك المركزي المتعلقة بحماية المستهلك المالي - للعملاء ذوي الإعاقة رقم 18/2018 الصادرة العام الماضي البنوك بتوفير الخدمات المالية لهم، وتيسير وصولهم لها.

وتقضي التعليمات التي دخلت حيز التنفيذ في نوفمبر من العام الجاري، أي بعد مضيّ عام على صدورها، بأنه " يتوجب على جميع البنوك في الأردن توفير الخدمات للمكفوفين كما تضمنتها التعليمات من الناحية الإدارية وبمعايير فنية مهنية"، على أن يقوم البنك المركزي برصد جودة الخدمات التي تقدمها البنوك، استناداً إلى المادة (13) من التعليمات.

وتؤكد ياسين على حق المكفوفين بالوصول إلى الخدمات البنكية، استناداً إلى المادة (43) من قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم (20) لعام 2017، والتي تحظر تقييد وصول الأشخاص إلى الخدمات المصرفية وخدمات الائتمان على أساس الإعاقة أو بسببها.

ومع دخول تعليمات البنك المركزي حيز التنفيذ في نوفمبر المنصرم، تستمر مطالبات المكفوفين للبنوك بإنفاذ هذة التعليمات ومنحهم حقهم في الاستقلالية والخصوصية المالية، لمساعدتهم على كسر حواجز الإعاقة والاستمرار في حياتهم بشكل طبيعي.

وفي الوقت ذاته، يؤكد مدير دائرة حماية المستهلك المالي في البنك المركزي وليد القصراوي أن البنك المركزي يضمن حصول ذوي الإعاقة على الخدمات المصرفية بشكل كامل دون انتقاص لأي سبب كان، قائلاً: "إن البنك المركزي ملتزم بتحقيق العدالة والمساواة لهذة الفئة، وألزم البنوك العاملة في البلاد بإنفاذ التعليمات الصادرة عنه، بهدف حماية حقوق العملاء المتعاملين مع البنوك والمؤسسات المالية".

وأكد القصراوي على استقبال البنك المركزي لأي شكوى من المتعاملين في حال عدم الإلتزام بالتعليمات، وستواجه البنوك عقوبات لمخالفاتها بفرض الغرامات عليها إن لم تلتزم.

 

3

 

*بدعم من منظمة صحفيون من أجل حقوق الإنسان JHR