"أنت مريضة سرطان... كيف بدك تشتغلي؟" معاناة الناجين مع سوق العمل وقانون بلا حماية

الرابط المختصر

"انت مريضة كانسر... كيف بدك تشتغلي؟"بهذه الجملة، تلقت الصيدلانية ريما محمود، المتعافية من سرطان الثدي، صدمة لم تتوقعها، بعد أن أنهت رحلة علاج طويلة وشاقة، وعادت مليئة بالأمل لاستئناف حياتها العملية، وجدت نفسها أمام جدار من الرفض والوصمة.

ريما، التي عملت في قطاع الأدوية المحلي والعالمي 15 عاما، متنقلة من وظيفة مندوبة دعاية طبية حتى أصبحت مديرة منتجات، لم تتخيل أن إصابتها بالسرطان ستكون سببا في استبعادها من سوق العمل، تقول "كنت أتصور أن نهاية العلاج تعني بداية جديدة، لكنهم جعلوني أشك في قدرتي على الاستمرار".

قبل أكثر من عامين، وخلال جلسة مع صديقاتها حول أهمية الفحص المبكر لسرطان الثدي، قررت ريما أن تكون قدوة، فبادرت بحجز موعد في مركز الحسين للسرطان رغم عدم شعورها بأي أعراض، لكن النتيجة كانت صادمة، ورم سرطاني في الثدي.

وتوضح ريما بأنه "لم يكن لدينا أي تاريخ عائلي للمرض، كنت طوال حياتي أتهرب حتى من قراءة أي شيء عن السرطان، وها أنا وجها لوجه أمام أسوأ كوابيسي، ولكن أمامي خياران أن أقاوم أو أقاوم، ولا ثالث لهما".

بدأت رحلة العلاج ببرنامج مكثف من 16 جرعة كيماوي، وعندما جاءت لحظة الجرعة الأخيرة، ذهبت إلى المستشفى تحمل صناديق الشوكولاتة لتوزيعها على المرضى والمراجعين، متفائلة بأن حياتها الطبيعية ستعود، لكن فرحتها لم تدم طويلا، إذ واجهت رفضا متكررا في كل محاولة للعودة إلى العمل، وكانت الإجابة ذاتها "أنت مريضة سرطان، كيف ستعملين؟"

 

من الإحباط إلى العمل المجتمعي

شيئا فشيئا، انسحبت من محيطها وأصيبت بالإحباط، على حد وصفها، حتى تعرفت على مبادرة محاربي السرطان، التي أسسها مجموعة من الناجين عام 2017 تحت شعار "ما حدا بفهمك أكثر من شخص مرّ بتجربتك".

 هناك، وجدت ريما طاقة الأمل التي افتقدتها، وانطلقت لتأسس حملة "معركة وجود"، الداعمة لمرضى السرطان وحقوقهم، خصوصا في سوق العمل.

تقول ريما "اكتشفت أن معاناتي مع التوظيف لم تكن استثناء، كثيرون من محاربي السرطان يخبرونني أنهم تعبوا في البحث عن عمل أكثر مما تعبوا في رحلة العلاج".

بحسب وزارة الصحة، يبلغ معدل الإصابة الإجمالي بالسرطان في الأردن 87.2 لكل 100 ألف نسمة، فيما يشكل سرطان الثدي حوالي 38.4% من جميع حالات السرطان بين النساء، وأكثر من 20% من إجمالي الحالات بين الجنسين.

 وتشير أرقام مركز الحسين للسرطان إلى تسجيل أكثر من 10,000 إصابة جديدة سنويا، ومن المتوقع أن يتضاعف العدد بحلول 2030.

 

ورقة سياسات لمواجهة التمييز الوظيفي

أطلقت مؤسسة الحسين للسرطان، بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، ورقة سياسات جديدة تسلط الضوء على التحديات التي يواجهها مرضى السرطان ومقدمو الرعاية لهم في ما يتعلق بالأمن الوظيفي، وتطرح توصيات عملية لتعزيز حقوقهم ضمن قوانين العمل والضمان الاجتماعي في الأردن.

وتدعو الورقة إلى تطوير التشريعات الوطنية بما يضمن حماية هذه الفئة من الفصل أو التمييز، وتوفير بيئة عمل داعمة خلال رحلة العلاج وبعدها، من خلال منح إجازات مرنة وكافية، وحظر التمييز الصحي، وتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية.

المديرة العامة لمؤسسة الحسين للسرطان، نسرين قطامش، توضح لـ"عمان نت" أن القضية لا تقتصر على المرضى الذين يتلقون العلاج في مركز الحسين، بل تشمل جميع مرضى السرطان في الأردن. 

وتبين أن رحلة العلاج قد تمتد لسنوات، خصوصا في المرحلة الأولى المكثفة التي تتطلب مراجعات متكررة أو دخولات متكررة للمستشفى، وهو ما قد يضطر المريض أو مقدم الرعاية له من أفراد العائلة  إلى ترك عمله أو التعرض للإقالة بعد نفاد الإجازات المرضية والسنوية التي يحددها قانون العمل.

 

 

ماذا ينص قانون العمل؟

لا يتضمن قانون العمل الحالي أي نص صريح يحظر التمييز ضد العاملين على أساس حالتهم الصحية أو إصابتهم بأمراض مزمنة مثل السرطان. هذا الفراغ التشريعي يتيح المجال أمام بعض أصحاب العمل لاتخاذ قرارات بالفصل أو عدم تجديد العقود بذريعة "القدرة على العمل".

ويمنح القانون العامل إجازة مرضية مدفوعة الأجر لمدة تصل إلى 14 يوما سنويا، قابلة للتمديد حتى 28 يوما بقرار من الطبيب المعتمد، إلا أن هذه المدة لا تتناسب مع طبيعة علاج السرطان، الذي قد يستمر لأشهر أو حتى سنوات، مما يعرض العامل لخطر الفصل بمجرد انتهاء رصيده من الإجازات.

كما يخلو القانون من أي نص يمنع صراحة فصل الموظف أثناء فترة تلقيه العلاج أو خلال إجازة مرضية طويلة، ولا يلزم أصحاب العمل بتوفير ترتيبات بديلة مثل العمل الجزئي أو العمل عن بعد أو تعديل ساعات العمل بما يتناسب مع حالة المريض.

وتؤكد قطامش أن هذا الانقطاع عن العمل يكون مؤقتا بسبب ظرف صحي طارئ، لكن غياب الحماية التشريعية قد يدفع الأسر إلى الفقر، رغم أن غالبية المرضى وأفراد أسرهم قادرون على العودة للعمل ومواصلة حياتهم بشكل طبيعي بعد العلاج، مشددة على أهمية النظر إليهم كطاقة إنتاجية وفرصة للاقتصاد الوطني، بدل أن يتحولوا إلى فئة تعتمد على المساعدات.

وتضيف أن مراجعة قوانين العمل والضمان الاجتماعي كشفت عن ثغرات وفرص لتحسين الحماية لهذه الفئة، مشيرة إلى أن الأمر لا يقتصر على مرضى السرطان، بل يشمل الحالات الصحية المماثلة، خاصة النساء اللواتي يضطررن لترك العمل لرعاية أفراد أسرهن.

كما تشير إلى وجود ممارسات تمييزية في بعض مقابلات العمل، حيث يتم استبعاد المتقدمين فور علم صاحب العمل بأنهم ناجون من السرطان أو ما زالوا قيد العلاج، ما يبرز الحاجة إلى تشريعات وأنظمة واضحة تمنع التمييز وتدعم قرارات عادلة من قبل إدارات الموارد البشرية.

 

 

أمل بالتغيير

وتعبر قطامش عن تفاؤلها بتبني التوصيات، خاصة أن قانوني العمل والضمان الاجتماعي قيد المراجعة حاليًا، مشيرة إلى أن الأيام الأولى لإطلاق الورقة شهدت اهتمامًا من لجنة العمل في مجلس الأعيان، ورئيسة لجنة العمل والحماية الاجتماعية في مجلس النواب، على أمل أن يتم إدراج المقترحات في التعديلات التشريعية المقبلة.

فيما يتعلق بتغطية الضمان الاجتماعي يركز على تعويض إصابات العمل أو العجز، لكن لا يوجد بند خاص يوفر دعمًا ماليًا أو تأمينيًا كافيًا لمرضى الأمراض المزمنة غير الناتجة عن إصابة عمل.

ولا توجد أحكام تمنح العامل الذي يعتني بمريض سرطان إجازة مدفوعة أو محمية قانونيًا، ما يضع القائم على الرعاية أمام خيار صعب بين وظيفته ورعاية المريض.