أمسيات ثقافية بلا حضور.. والإعلام أول المتهمين

الرابط المختصر

وضع الكثير من الأردنيين الحق على قلّة الترويج الإعلامي وتشابه وتكرار الفعاليات والأنشطة الثقافية وعدم توفر الوقت، لتبرير عدم حضورها والمشاركة فيها ومتابعتها.واتفق الكثيرون أن الفعاليات والمحاضرات والندوات المختصة بالثقافة مهمة لكنها ليست على قائمة اولوياتهم، فالبحث عن الرزق وسط الظروف المعيشية الصعبة أهم وأجدى نفعاً من البحث عن الثقافة.

وعلى الرغم من أن شعوب العالم الأول تعمل طوال اليوم وحتى ساعات مـتأخرة منه وأحيانا كله، إلا أن رواج الأعمال الثقافية والفعاليات من مسرحيات وندوات ومحاضرات تختص بتثقيف الأفراد؛ لها حضور كبير من كافة الفئات العمرية والطبقية هناك.

أما في عالمنا النامي، فمثل هذه الفعاليات تعتبر ترفيهاً زائداً عن الحاجة، ولا يختص به سوى النخبة من الأفراد في المجتمع، ويبرر بعض الأردنيين ذلك بتقصير الإعلام وحول الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية دون انتشار ثقافة الأنشطة الثقافية بينهم.

الترويج ثم الترويج..
"التلفاز هو الوسيلة الأهم للترويج للفعاليات والأنشطة" هذا ما تراه عروب وسبب ذلك "أنه يستطيع أن يكون عالمياً وليس محليا فقط، فالتلفزيون الأردني مثلاً يستطيع أن يقدم كل الفعاليات التي تقام ويعلن عنها فنستطيع بذلك أن نعرف عنها ونحضرها، وبالنسبة لي فأنا أحضر ما يكون منه فائدة وما يهمني فقط فأي أمسية أو فعالية أو محاضرة تعطيني معلومة جديدة".

أماني تتفق مع عروب في القول أن "نقص انتشار الإعلام وتقارب المضمون ومخاطبة هذه الفعاليات لفئة معينة من الناس وهي النخبة والأوقات غير المناسبة، هي كلها عوامل تجعلني غير قادرة على المتابعة، ومثلاً أنا كفتاة لا أستطيع حضور مثل هذه الفعاليات لأنها تكون متأخرة من الساعة 7 حتى العاشرة مثلاً هذا غير أن معظم نوعية الفعاليات التي تقام لا تجذبني".

الوقت وتشابه المقدّم..
الشابة بثينة وهي ضريرة وجدت أن وقت مثل هذه المحاضرات والأنشطة يكون غير مناسب للجميع في الغالب، كما أن هناك تشابه في المواضيع وهذا يبعد الحضور ويملل الشباب، وتقول "وأنا نظرا لظرفي فلا استطيع قراءة الجريدة لمعرفة مكانها وزمانها، فلما لا يزيد الترويج لها من خلال الإذاعات مثلاً".

أما محمد فيعترف أن الأنشطة موجودة في عمّان وبكثرة، ويقول "ربما لا تكون متشابهه لكنني على سبيل المثال لا أقرأ الجريدة دائما فلا أعرف متى وأين تقام مثل هذه الفعاليات، كما أنها لا تكون شبابية بدرجة كبيرة فمثلا مؤسسة شومان تقيم العروض والفعاليات والأفلام دائما، لكن ما يؤخذ على الأفلام مثلاً أنها لا تهمنا نحن كشباب فهي أفلام أجنبية وثقافتها مختلفة وأنا مثلا أريد أن أجد شيئا يعنى بالهموم والمشاكل التي تواجه الشباب".

مؤسسة شومان الثقافية في الأردن تعنى بتقديم الأنشطة والمحاضرات الثقافية من ندوات اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية أو أفلام كل أثنين وثلاثاء بشكل مستمر، وللمؤسسة روادها ومتابعوها الدائمين، ويقول الناطق الإعلامي أحمد طمليه "حينما قررنا أن تكون فعاليات مؤسسة شومان تبدأ في ساعة معينة وهي الساعة السادسة والنصف للمحاضرات والساعة 7 مساء للأفلام، كان ذلك بناء على استبيان وزعناه على الجمهور".

وفيما يخص التنسيق بين المؤسسات المختلفة يقول طمليه "أمسيات منتدى شومان متعارفة الأوقات يومي الإثنين والثلاثاء من كل أسبوع، وتختار المؤسسات الأخرى أيام مختلفة مثل رابطة الكتاب مثلا والتي تقيم فعالياتها يوم الأربعاء أو الأحد، فهم يراعون أوقاتنا ونحن نراعي أوقاتهم وهكذا مع المؤسسات الأخرى".

واستبعد طمليه أن تكون الفعاليات متشابهة لدرجة ان تبعد الجماهير "فنحن نعد البرنامج لثلاثة شهور للأمام ويكون عندنا تصوّر لما يكثر تناوله لنقدم شيء مغاير، مع ملاحظة أن لنا أسس في اختيار نشاطاتنا الثقافية فنركز على الشأن المحلي والعربي، نتمنى أن يشارك الجميع في الترويج للفعالات الثقافية واعتمادنا بشكل أساسي على الصحف وكلما كان الترويج أكثر كلما كان الحضور اكثر،

وعن الأفلام التي تقدم قال "جمهورها يتغير فقد كان في البداية نخبة من المهتمين ثم صار الجمهور عامة، والأفلام منتقاة على الرغم من انها ليست حديثة، نحتاج الى تعاون أكثر ما بين مؤسسات القطاع الخاص والعام مثل الجامعات وقمنا بالفعل بالتنسيق مع الجامعات وتشجيع الطلاب لحضور هذه الفعاليات بإقامة فعاليات قريبة منهم".

للثقافة مصادر أخرى..
وتعود أماني لتقول أن بإمكانها أن تجد المعلومة والخبرة الثقافية من مصادر اخرى غير المحاضرات الجافة والندوات المملة التي لا تجذبها وتقول " المهم منها هو الخبرة والمنتوج الثقافي الذي سيصل الى ذهني حتى أستفيد منه، أستطيع أن احصل على هذا من طرق أخرى مثل الراديو والكتب أو حتى الجلوس مع أحد المعارف المختصين بموضوع معين وإذا كان هناك موضوع يهمني أنا سأبحث عنه في كل الوسائل".

وتتابع أماني "طريقة طرح مضمون المواضيع يكون مملاً وغير جاذب ولا يعجبني مثلاً، واعتقد أنني حينما أقرأ كتاب يكون سريعاً أكثر من حينما أتلقاها من شخص في ندوة أو محاضرة مثلاً يكون فيها تشويش وأسئلة وحضور كثير".

وترى حلا أيضا أنه ليس هناك داع للذهاب الى مثل هذه المحاضرات فالإنترنت كفيل أن يزود الناس بأي معلومة يريدونها اليوم"، ويرى أبو حسام أن هناك بدائل عن حضور مثل هذه الفعاليات مثل الفضائيات التي يكثر فيها البرامج الثقافية واهتمامات الناس، إضافة الى أنه لا يحضرها "لأن كل الفعاليات والأنشطة الثقافية تقام في عمان، والمواطنين من خارج عمان لا يستطيعون حضورها للتكلفة المادية ولعدم توفر الوقت الكافي لها".

رابطة الكتاب والمؤسسات الثقافية الأخرى بدأت تعاني من قلة الجمهور منذ عقدين من الزمان، هذا ما يؤكده سكرتير رابطة الكتاب محمد المشايخ حيث يشرح "حصل ذلك بعد عام 1989 وهو التحول الديقراطي ومع كثرة المؤسسات وترخيص الاحزاب وتفعيل النقابات، والأسباب عديدة وراء هذه القلة منها منافسة الفضائيات والإنترنت وكثير من الناس يفضلون البقاء في البيت على الخروج الى أية فعالية لأن المادة الموجودة في الفضائيات أكثر جرأة وتقديم للمعلومات".

الإعلام والتقصير!
ويتفق المشايخ مع الجميع أن الإعلام مقصّر تجاه مثل هذه الفعاليات ويضيف "أن رابطة الكتاب تقدم خدمة لأعضائها من خلال ارسال رسالة خلوية على هواتفهم النقالة للإعلان عن الفعالية التي ستقام فيها".

لكنه يعترف أن "الموضوع المطروح للندوة وأسماء الأشخاص المتحدثين لهم دور في الحضور وكمّه، وللفعاليات السياسية حضور كبير أيضاً، ومن الاسباب أيضا أن الكثير من الناس وخاصة الشباب فقدوا الأمل في الكلام فالاهتمام بالأوضاع الاقتصادية والمعيشية وتفضيل العمل على حضور الأنشطة الثقافية".

وائل حجازين من الجمعية الأردنية للتصوير تحدث عن تجربة الجمعية في قلة الحضور حيث يشرح "لدينا كل سبت فعالية من محاضرة أو ندوة عن التصوير كإختصاص أو مواضيع ثقافية أخرى ولدينا الكثير من الطرق للترويج لها منها عن طريق الرسالة الخلوية أو عن طريق بطاقات الدعوة الخاصة، وهذه الطرق مكلفة جداً".

وعدد الحضور يعتمد على موضوع الفعالية والشخص الذي يقدمها "فإذا كان الموضوع مفيد ومثير والشخص الذي يلقي الندوة أو المحاضرة معروف أو متخصص يكون الحضور متميز".

وإذا كان هناك مهرجان أو معرض للتصوير لمدة أسبوع مثلاً "يكون الحضور كثيرا في اليوم الأول، وسرعان ما يقتصر على المهتمين وأصحاب الصور والأصدقاء فقط في باقي الأيام، فالصحف تقصر في الترويج للفعالية طوال أيامها وتقتصر الحديث عنها في يوم واحد".

حتى الإقبال على الفعاليات من خلال الصحف ضعيف جداً فمثلاً حينما فاز عدد منا في إحدى مسابقات التصوير أعلنا عنها في الصحف في الصفحات الثقافية وللأسف وجدنا أن الإقبال على قراءة الصفحات الثقافية قليل جداً، واكتشفنا انه لا بديل عن الإذاعة لتواجدها في أماكن كثيرة في البيت والسيارة وغيره".

لغة "مقعرة"..
وفي الوقت الذي يضع فيه الآخرون اللوم على الإعلام وتقصيره، وجد محمد العابد أن تركيز هذه الفعاليات على اللغة اكثر من تركيزهم على الفكرة هو ما يبعده عن حضورها، فيقول "شرط من شروط المتلقي أن يكون متخصص في اللغة العربية، فاستخدام اللغة العربية المقعرة تحدد الجمهور وكأنه الشخص الذي لا يجيد التحدث باللغة العربية الفصحى المعقدة لا يصلح أن يتحدث في الثقافة".

ويتحدث حول تجربته "في عام 2005 ألفت رواية بلغتي الركيكة، ركزت فيها على الفكرة أكثر من تركيزي على اللغة فيها، فكانت الفكرة آخر شيء ينظر إليه النقاد وقالوا لي (أنت ضعيف عربيا)".

ويتسائل العابد "هل الثقافة مرتبطة ارتباطا كلياً مع اللغة، فأنا لست متخصص في اللغة العربية، وهناك الكثير من الشعراء والأدباء يملكون اللغة ولكنهم لا يملكون أي فكرة ليكتبوا فيها، لا يستطيع اي شخص فهم المصطلحات اللغوية الصعبة حتى الإنسان العربي العادي فلما لا نبسط اللغة بما يتناسب مع الاستخدام العادي لها مع التركيز على الفكرة اكثر".

الفعاليات والأنشطة التي تقام في كل المؤسسات الثقافية في عمّان وحولها كثيرة نوعا ما ويستطيع المهتم والمتابع أن يجد ما يريده عبر متابعة الصحف والإذاعات والمؤسسات نفسها بالانتساب إليها مثلاً، لكن الإشكالية فيما يبدو تقع ضمن ما يقدم وما يريده الجمهور نفسه.

والسؤال لماذا تحفل الحفلات الفنية والترفيهية بذلك الكم الهائل من الحضور دون التنويه الى كلفتها على الأفراد أوبعدها أو حتى نوعيتها؟ أعتقد أن الجواب أصبح مملا وثقيلا على النفس العربية نوعا ما.

أضف تعليقك