
أمام صانع القرار..هذا بديل العفو العام الشامل

من الواضح، أن العفو العام الشامل ليس مطروحًا على طاولة القرار الأردني في المرحلة الراهنة. هذا ما سمعته شخصيًا من مسؤولين نافذين في السلطتين التنفيذية والتشريعية، وبصراحة لا تحتمل التأويل.
الدولة، بما تمثله من مؤسسات، باتت أكثر حذرًا في التعاطي مع مفهوم "العفو العام" بعد صدمة قضية فتى الزرقاء صالح في 2020، وهي الحادثة التي أحدثت جرحًا عميقًا في الوعي العام، وكان لها أثر بالغ في رسم ملامح العفو العام رقم (5) لسنة 2024، الذي تضمن استثناءات واسعة وغير مسبوقة.
لكن غياب النية السياسية لعفو شامل لا يعني غياب البدائل الإنسانية والعقلانية. بل إن المنطق، والمصلحة العامة، وروح القانون، كلّها تدفعنا إلى طرح بديل قابل للتطبيق فورًا: إصدار قرار خاص يشمل القضايا التي تنازل فيها أصحاب الحق الشخصي عن حقوقهم، وبقيت عالقة في مربع الحق العام فقط.
هذا المقترح ليس استثناءً عن القانون، بل هو امتداد لروحه العادلة الرحيمة ولقضاءنا العادل والنزيهة. آلاف العائلات الأردنية تنتظر منذ أشهر أن تجد صوتها صدى لدى أصحاب القرار، بعد أن صدمتهم محدودية قانون العفو الأخير وتعديل قانونا العقوبات، الذي لم يشمل السجناء الذين أُسقط عنهم الحق الشخصي رغم الصلح العشائري الموثّق. هؤلاء لا يطالبون بعفو عن جرائم خطرة، ولا يطلبون محو العدالة، بل يرغبون بترجمة العدالة إلى واقع، خاصة بعد أن تصالح المجتمع، وسامح الضحايا، ووقّع الشيوخ، وختم الوجهاء.
في رسالتهم التي وجهوها إلى الشيخ عبد الكريم سلامة الحويان، عبر ممثلين عن آلاف العائلات، عبّر أهالي السجناء عن شعورهم بالخذلان والقصور، وطرحوا بوضوح مطلبًا إنسانيًا عادلًا: إصدار ملحق للعفو يشمل القضايا التي جرى فيها صلح عشائري وإسقاط الحق الشخصي. ليس فقط استجابة لضغط اجتماعي، بل تعزيزًا لمفهوم الإصلاح والسلم الأهلي الذي يُفترض أن يشكل لبّ فلسفة العفو.
من جهة أخرى، فإن العشيرة الأردنية – التي لطالما كانت صمام أمان للمجتمع – تشعر اليوم بأن دورها في إصلاح ذات البين لم يُقدّر كما ينبغي. العفو السابق تجاهل تمامًا تسويات وجهودًا استمرت أشهرًا وربما سنوات، شارك فيها شيوخ ووجهاء وأطراف مجتمعية لتهدئة النفوس، وإعادة اللحمة، وإنهاء الثأر. فكيف يمكن للدولة، التي لطالما استفادت من هذا الدور المجتمعي في تعزيز الاستقرار، أن تتجاهله قانونيًا وإجرائيًا؟
تجاهل هذه المبادرات التي تقودها العشائر في إطار الصلح لا يقتصر أثره على الشعور بالتهميش، بل قد يُضعف أحد أهم أدوات السلم الأهلي. فحين تُهمَّش جهود المصالحة المجتمعية، وتُلغى التسويات التي تعكس روح الحكمة والمسؤولية، تتراجع فرص بناء الثقة،
بديل العفو العام الشامل لا يحتاج إلى تعديل قانوني ولا إلى دورة استثنائية للبرلمان. إنه قرار إداري أو تشريعي محدود، يستهدف فئة محددة: من انتهت قضاياهم بالصلح وإسقاط الحق الشخصي. قرار كهذا لا يهدد أمن الدولة، بل يعززه.
الحق العام هو حق للدولة والمجتمع، و لا أحد يطالب بالتساهل مع الجرائم الخطيرة التي تمس أمن المجتمع واستقراره، لكن هناك قضايا تستحق إعادة النظر بروح العدالة والرحمة، لاسيما تلك التي انتهت بتسامح الضحية وقبول المجتمع من خلال الصلح.
العفو يُعد أداة مهمة لتعزيز التسامح وتوطيد المصالحة المجتمعية، لكن أثره الإيجابي يرتبط بمدى شموليته للقضايا ذات الطابع التصالحي، ومدى احترامه للتقاليد والأعراف، مثل الصلح العشائري.
ومن هنا، فإن التجاوب مع مطالبات المواطنين وشيوخ العشائر بإصدار قرار يشمل القضايا التي تم فيها إسقاط الحق الشخصي قد يسهم في ترسيخ التماسك الاجتماعي وتخفيف الأعباء عن كاهل المجتمع خصوصا أن هناك عائلات فقدت المعيل الوحيد لها.