ألم يحن الآوان أن نخرج قليلا من عبادة الاصنام والطغاة؟
شاهدت فيديو قصير لهتافات بائسة ومستفزة في مباراة كرة قدم بين المنتخبين الاردني والكويتي.
الهتافات كانت تهتف لصدام حسين..ولا افهم بالمطلق لماذا يهتف اردنيون لصدام امام جمهور كويتي في مباراة رياضية.
الم يحن الاوان ان نخرج قليلا من عبادة الاصنام والطغاة؟
تاليا.. وجدت نفسي اقتبس ثلاث ارباع مقال كتبته عام ٢٠١٧ في الحرة.. عن الكويت كان عنوانه ( الكويت: مرارة الخيبة حد الانكفاء)..على خلفية وفاة الفنان الراحل الكبير عبدالحسين عبدالرضا انذاك.
ومن المقال اقتبس ما اراه تساؤلات شرعية ومشروعة في قراءة حقيقية تتلمس الوعي في التاريخ.. وهو تاريخ ليس بعيدا.
لم أوفر صديقا أعرفه إلا وسألته (ما المشكلة مع الكويت؟) فكانت الإجابات من الأصدقاء (غالبيتهم أردنيون وفلسطينيون)، ليست أكثر من إنشاء عاطفي يترحم على صدام حسين، دكتاتور العراق الراحل!!
طيب، والحال كذلك، فلنعد صياغة السؤال إذن: ما الذي قصرت فيه الكويت مع منظومتها العربية؟
الجواب كان هذه المرة من الغالبية: لا أعرف!! من ادعوا المعرفة كانت إجاباتهم ليست أكثر من إحالة إنشائية على طاغية العراق، وتحايل بلاغي بلا أي معلومات عن الثروة والفقر تشي بحقد طبقي أصيل في الخطاب اليساري العربي الخائب.
من هذه الأجوبة، أدرك حجم مرارة الخيبة لدى الكويتيين، وسر انكفائهم عن تاريخ طويل لهم في التنمية العربية بمختلف مستوياتها، اقتصاديا وسياسيا وثقافيا.
أحد المفتونين بصدام حسين، استنكر ذات نقاش في ذات السياق أن يكون للكويت دور ثقافي في العالم العربي. تلك ملاحظة تثبت انتقائية الذاكرة السمكية أصلا لدى العقل الجمعي العربي.
كنت أعتقد أن الحركة المسرحية الكويتية مثلا، وفي حدود بحثي عن مسيرة عبدالحسين عبدالرضا قد بدأت في عقد الستينيات من القرن العشرين، وهي فترة كافية قياسا مع دول الخليج العربي لتثبيت عراقة هذا المسرح الذي تصورت أن مؤسسه هو الراحل المصري زكي طليمات، لكن في بحث أكثر عمقا اكتشفت أن الحركة المسرحية في الكويت بدأت في مدارسها وبشكل أدبي رفيع المستوى في نهاية عقد الثلاثينات، لتتشكل في مطلع الأربعينات أربع فرق مسرحية مدرسية ويتم تقديم العروض الشكسبيرية فيها بعد التصرف في نصوصها، وينتهي عقد الأربعينيات بتقديم أول عمل مسرحي كويتي صرف من تأليف الكويتي أحمد مشاري العدواني في مسرحيته "مهزلة في مهزلة".
في تلك الفترة، انتبهت الحكومة الكويتية إلى تلك الحركة التي نضجت، فاستقدمت طليمات من مصر لتأسيس مسرح كويتي رسمي، كان ميلادا لمسرح محترف تجاوز محيطه الخليجي ليصبح منافسا للمسرح المصري والسوري في عروضه المدهشة.
كان المسرح جزءا من المنهج التعليمي في المدارس الكويتية، وكذلك كان الرسم وتدريس الفنون التشكيلية، وللفن التشكيلي تاريخ حتى الكويت مقصرة في أرشفته ولعل أبرز مثال على ذلك هو وجود فنان كويتي له رسومات ضاعت واندثرت اسمه عبدالله الفرج توفي عام 1901، يعني نتحدث هنا عن إنتاج فني في أواخر القرن التاسع عشر.
وقد تكون التجربة السينمائية الكويتية قاصرة جدا، لكن يتيمتها الأشهر "بس يا بحر" كانت تجربة معجونة بنجاح كويتي في الدراما التلفزيونية والمسرحية، وتلك الدراما هي التي خلقت مثل عبدالحسين عبدالرضا ليمثل ويؤلف ويغني ويلحن أحيانا، وهذا يضعك أمام تساؤل، لولا تلك البيئة الحاضنة الحرة، هل كان يمكن لكل ما سبق ذكره أن يكون موجودا؟
سياسيا، كانت الكويت من أعرق الأنظمة البرلمانية العربية، وبدلا من الأحزاب السياسية، استنبط الكويتيون من واقعهم اليومي وفضائهم المحلي صياغة أكثر ملاءمة لواقعهم فكانت الديوانيات، وهي التي يتم فيها قياس نبض الشارع، وتشكل بمجموعها رحم التيارات السياسية التي تنتهي في البرلمان الكويتي ممثلة لتلك الديوانيات التي تمثل بدورها الشارع الكويتي الذي حافظ على تقاليده متوغلا في الحداثة السياسية والمؤسسية بنفس الوقت.
سقف الحرية السياسي في الكويت مرتفع وبحماية القانون نفسه، وهو القانون الذي يشرعه مجلس نواب منتخب، تحت حكم وراثي ينظمه عقد اجتماعي خاص متوافق عليه في دولة تعداد مواطنيها لا يصل إلى المليونين. وفي المسرح نفسه كما باقي الفنون، كان النقد السياسي والذاتي وافرا في الأعمال المسرحية والفنية، وحين كان الجميع يتحدث عن تواجد أغنياء الخليج في لندن وباقي العواصم الأوروبية في سلوكيات ترف غير مسبوقة، كان الراحل عبدالحسين عبدالرضا أول ناقد في مسرحيته الشهيرة "باي باي لندن" للظاهرة التي لم يتردد الفن الكويتي نفسه في تعريتها، كما لم يتردد مسرح عبدالرضا في نقد ذاتي لاسع لظاهرة الثراء عبر المضاربات الخرافية في ما تم تسميته حينها "أزمة سوق المناخ" بمسرحية حملت اسم السوق نفسه وبسقف مرتفع في النقد لم يوفر فيه أحدا.
تاريخيا، الكويت كانت أول مناصر للقضية الفلسطينية، وحين تشكلت قوى التحرير الفلسطينية التي انتهت تجارا ورجال أعمال باسم القضية ذاتها، فإنه يسجل للكويت أنها كانت الحاضن الحقيقي والتمويلي لهم ليس بدءا من المهندس "عبدالرؤوف القدوة -ياسر عرفات" أو خليل الوزير أو صلاح خلف، وهم كانوا نواة حركة التحرير الفلسطينية آنذاك.
الكويت، قدمت الشيخ فهد الأحمد من أسرتها الحاكمة مقاتلا في صفوف الفدائيين ( كان لقبه أبوالفهود) وقد قاتل الراحل بينهم وتم أسره ثم عاد إلى بلده لينتهي قتيلا على يد قناص عراقي أول الاحتلال العراقي للكويت.
الكويت (قبل مرارة الخيبة) كانت عبر صندوقها التنموي أكبر ممول لمشاريع التنمية في العالم العربي (في الرابط فيديو قصير عن الصندوق وما قدمته الكويت لمحيطها العربي وللعالم).
وكانت وفود الإعارات والانتدابات من العالم العربي إليها منجم حوالات نقدية لبلدانهم كما كانت مقاعد الدراسة في مدارسها الحكومية تقدم مناهج أكسفورد لتعليم اللغة الإنكليزية مثلا لكل مواطنيها ووافديها وتلك المناهج الدراسية التي تحمل شعار دولة الكويت ذاتها كانت معتمدة في غير دولة عربية بينها الإمارات العربية المتحدة التي أدين لمدارسها ولمناهج الكويت التي تتلمذت أنا شخصيا عليها في السبعينيات والثمانينيات بتأسيسي المعرفي الجيد، وهي مناهج مطبوعة طباعة فاخرة كانت توزعها الكويت مجانا لا في داخلها فقط بل في خارجها ولمن طلب المعرفة.
في المعرفة، كانت دورية المعرفة التي تقدم كل شهر موضوعا جديدا يكتبه مؤلف متخصص (بينهم أسماء ذوات مشهورة في العالم) تباع في العالم العربي كله بسعر رمزي تدعمه الكويت مقابل كتب عربية تطبعها دور النشر تباع بأسعار باهظة ولا دعم رسمي لها.
هذا غيض من فيض ما قدمته الكويت في عجالة يحاول كاتبها أن يتساءل عن حجم الخسارة في منظومتنا العربية بانكفاء الكويت إلى داخلها بهدوء ومرارة.
من هنا.. وببساطة وإنصاف:
لو كنت أنت عزيزي القاري كويتيا قدم بلدك ما قدمه ولم يأخذ، فما هو حجم الخيبة لديك بعد الثاني من آب عام 1990؟