أطفال الفحم..أوراق في أدراج المكاتب الحكومية

أطفال الفحم..أوراق في أدراج المكاتب الحكومية
الرابط المختصر

يطل
صبحي ابن السادسة عشرة عاما متشحا بالسواد على وجنتيه ويديه وملابسه الرثة، حيث يقف أمامك بكل تعب..يقول "كيف
أخدمك..وكم كيلو
من الفحم تريد؟".يقف صبحي وسط أكياس من الفحم والمتراكمة فوق بعضها
البعض، ولا عزاء لرائحة الفحم المعتقة في المكان، وجدران المحل الكائن وسط البلد
في شارع الملك طلال، أشبه بجداريات فنية من الفحم لعل الزمن رسمها لا الإنسان كما
يبدو.


المحال: بيع الفحم، والعمال: أطفال، وأكبرهم لا يتجاوز
15 عاما!.


بيع الفحم في الأردن مهنة يحترفها الأطفال، وبشيء من
الشبه، يمكننا أن نعقد المقارنة مع أطفال مناجم الفحم في بلدان آسيوية أخرى، إلا
أن الظروف تختلف بينهما، ففي الأردن الأطفال يحطمون الفحم إلى قطع صغيرة ويملئون الأكياس
الكبيرة بها.


إلى هنا الأمر يبدو أنه عادي جداً، لكن وإن نظرت إلى
المنظر العام، فهناك "ظروف فوق طاقة الأطفال"، وآثار سلبية لا يحمد
عقباها، والأهم من هذا وذاك "معاناة وقتل لطفولة أمام مرآة ومسمع
الجميع".


بعمر الورود أطفال!

بالعودة إلى صبحي، ذو الوجه الهادئ..تحدث لنا بكلمات
تكاد تخرج منه بصعوبة وأثار التعب كانت تتحدث عنه بدون أن ينطق بأي كلمة.


يقول: "ظروفنا في البيت سيئة، أنا وأخواتي نعمل، وقد
تركت المدرسة منذ ثلاث سنوات تقريبا، ولي أكثر من سنة وأنا اعمل في مجال الفحم".


ويعمل صبحي يوميا ما يقارب الثماني ساعات، مستنشقا رائحة
الفحم، ويجني في الشهر ما يقارب 170 دينارا -على حد ما قاله لنا- " لا اشعر بالتعب
عند ممارستي العمل، ولا أتأثر من الرائحة المنبعثة من الفحم كوني أقوم بالتعبئة
بواسطة المغرف".


تتشابه ظروف صبحي مع أقرانه الآخرين، والمحل الذي يعمل
فيه مجاور لعدة محلات أيضا مختصة ببيع وتعبئة الفحم، وبالتالي مجموعة من الأطفال
أخذت ألوان وجوههم وملابسهم لون الفحم الأسود، مجتمعين مع بعضهم البعض
وملتصقين..وكأنهم متخذين من بعضهم الدفء في أجواء البرد القارص.


كانوا يتناولون طعامهم، المكون من الحمص والفلافل في
فترة راحتهم، استعدادا لإكمال مسيرة عملهم التي بدؤوها منذ الثامنة صباحا واستمرارا
حتى السادسة مساءً.


وفي واحد من المحلات التي مررنا قربها، قال صاحب المحل
"ماذا تفعل هنا أنت لا تعمل لدي؟"، كان يصرخ بوجه طفل يعمل في الفحم، وبدا
بالقول: "لماذا لا يذهبون هؤلاء الأولاد إلى المدرسة، أين أهلهم كيف يفعلون
بهم ذلك".


ومصطفى ابن الخامسة عشر عاما، كان يقف ووجهه مصبوغا
بالفحم وبالكاد ترى عينه. سألناه لماذا تعمل في هذه المهنة؟ "لأجل توفير قوت لعائلتي".


"تركت المدرسة وبحثت كثيرا عن عمل، وعملت في احد
المطاعم، ومن ثم أتيت للعمل في الفحم منذ شهرين فقط".


ويتابع:" اجني في الشهر 150 دينارا، الحمد الله، أحب
عملي والمعلم يعاملني بطريقة جيده، ولا اشعر بضيق من رائحة التنفس رغم عملي من
الساعة الثامنة حتى السادسة".


حمزة ابن الثانية عشر عاما، يحمل شوالات الفحم من المحل إلى
السيارة المخصصة لنقله رغم أن الشوال يتجاوز العديد من الكيلوات ورغم ضعف قامته
إلا أنه مستمر في العمل.


ويقول:" اجني في اليوم ما يقارب الدينارين، تركت
المدرسة لأوفر قوت عائلتي والحمد الله مستوره، لا اشعر بتعب عند عملي فانا اعمل
يوميا في محلين يوم عن هذا المعلم واليوم التالي عند المعلم الأخر".


أثار الفحم على الصحة!

الأحوال تزداد سوء في مهنة يجهل العاملون فيها حجم الآثار
الصحية، ويرى رئيس جمعية الأمراض الصدرية د.خميس خطاب أن " الرئتين عند
الأطفال لا يكتمل نموها إلا في سن 9 إلى 11 سنة ، فإذا كان الطفل مصاب بأي نوع من
أنواع التحسس فان عمله في مجال الفحم سيؤثر عليه سلبا لاحتواء مادة الفحم على مواد
خطرة تعمل على زيادة التهيج".


وبقراءة لحال الأطفال، يعلق د. خطاب: "أن مادة
الفحم تنتج ذرات، وهذه الذرات المشتعلة من الفحم تتدخل إلى الجهاز التنفسي ومن ثم
تنفذ إلى القصبات الهوائية والحويصلات الهوائية والتي تؤثر سلبا على الجهاز
التنفسي، عدا عن ذلك التلوث الجلدي الذي يتعرض له الطفل".


إجراءات حكومية!

وبنظرة سريعة للجهود الحكومية فيما يتعلق بعمالة الأطفال
ومدى الرقابة على من يشغلون الأطفال لديهم، فقد قامت بالعديد من الاستراتيجيات للحد
من عمالة الأطفال التي تبلغ نسبتها ما يقارب 75 %.والجهود لا تزال على الورق، أمام
ازدياد عدد الأطفال في المهن المسيئة لطفولتهم.


حاليا، تعكف وزارة العمل على إجراء مسح شامل "لأجل للتعرف
على الواقع الحقيقي لظاهرة عمل الأطفال والخروج بنسب دقيقة تعكس مدى انتشار عمالة
الأطفال في مختلف قطاعات المملكة في نيسان القادم".


هؤلاء الأطفال، العاملين بمهنة الفحم هم عينة من الأطفال
العاملين في مختلف قطاعات العمل التي ما زالت الحكومة تبحث عن إجراءات جادة للحد
منها. والظروف الاقتصادية والاجتماعية كانت الدافع القوي لعملهم.


ظروف حرمتهم من العيش كباقي الأطفال وتحقيق أمانيهم بالحلم
والعيش كريم، فكيف لصبحي ومصطفى وغيرهم من الأطفال الخروج من هذه المهن والتوجه
إلى المدرسة!!.


الأمر ليس بعيد المنال، إنما يحتاج إلى جهود الأسرة
والحكومة؛ وبالحديث عن الحكومة وما المطلوب منها....هو أن تتجاوز الاستراتجيات
والاجتماعات وأن تنزل إلى الميدان لعلها تنشط في تنفيذ خططها المركونة بين أدراج
المكاتب.

أضف تعليقك