مالذي يدفع الشبان اللاجئين في الأردن للتفكير بالهجرة إلى أوروبا
دفعت الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها السوريون في الأردن شريحة الشباب منهم للتفكير الحثيث بالهجرة إلى أوروبا نتيجة انخفاض مستويات الدعم الإنساني وفرص التعليم والآفاق المستقبلية المحدودة، وعدم وجود فرص العمل القانونية ما يصعب من حياتهم وحياة ذويهم .
وعلى مدى السنوات الـ 13 الماضية، فرّ ملايين السوريين من وطنهم بحثاً عن الأمان خارج حدود بلادهم، وواجهوا تحديات اللجوء والهجرة. ومع مرور الوقت، أصبحت الحياة أكثر صعوبة بالنسبة للسوريين الذين فروا من الحرب، وتلاشت آمالهم في العودة الآمنة والحياة الكريمة في سوريا.
ووفقا للبنك الدولي، فإن حوالي ثلث المهاجرين من جميع البلدان النامية هم شباب تتراوح أعمارهم بين 12 و 24 عاما. ويشمل ذلك ملايين الأطفال دون سن الثامنة عشرة، يهاجرون إما مع آبائهم أو بمفردهم.
وتشكل رحلة عبور البحر الأبيض المتوسط محطة صعبة ومحفوفة بالمخاطر بالنسبة للشبان السوريين، وتحمل هذه الرحلة في طياتها العديد من التحديات، من الغرق في البحر إلى تهريب البشر إلى مخاطر الاعتقال والنزوح في البلدان المجاورة.
وفي أغلب الأحيان، فإن الشبان المهاجرين يسافرون عبر الحدود وهم لا يحملون وثائق السفر والهوية المطلوبة. وغالبا ما لا يستطيع المهاجرون غير النظاميين، البالغون منهم وصغار السن، الاستفادة من الخدمات الاجتماعية الأساسية، بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية، فضلا عن خدمات الحماية اللازمة لمكافحة أشكال العنف التي قد يتعرضون لها وكفالة تعافيهم وإعادة إدماجهم في المجتمع بعد وصولهم إلى مواطن لجوئهم الجديدة.
أسباب عدة للتفكير بالهجرة
وتتنوع الأسباب الرئيسية التي تقف وراء تفكير الشباب اللاجئين بالهجرة واختيار وطن ثالث بديل ومنها البطالة التي تعد من أبرز هذه الأسباب، حيث يعاني الأردن من معدلات بطالة مرتفعة، خاصة في صفوف الشباب، وعدم توفر فرص عمل كافية وملائمة تدفع العديد من الشباب للبحث عن وظائف في الخارج، حتى لو كانت بطرق غير شرعية.
الموت غرقاً
واختار الكثير من اللاجئين الشبان الخروج من الأردن إلى تركيا ومن هناك ركوب البحر في مغامرة محفوفة بالمخاطر وقضى بعضهم غرقاً خلال هذه الرحلة ومنهم اللاجىء الشاب "أحمد الحسن" المتحدر من مدينة حمص السورية وكان يعيش في مدينة المفرق ويعمل كعامل نظافة في بلديتها وأنهى التوجيهي بنجاح وخرج من الأردن مع غيره من الشباب الذين تم إغراؤهم بالسفر إلى بيلاروسيا للدخول منها إلى إحدى الدول الأوروبية مقابل آلاف الدولارات، وكان قد سافر من عمان مع مجموعة من أصدقائه بالطائرة يوم 14 /10/2021 إلى دبي ومنها إلى بيلاروسيا.ليقضي غرقاً في نهر باغ الحدودي أثناء محاولته الوصول إلى بولندا من بيلاروسيا.
وروى صديقه " محمد الأحمد" لـ "صوت شبابي" أن أحداً من ذوي الحسن لم يتمكن من حضور جنازته، فوالدته موجودة في مخيم لاجئين في الأردن وأخوته متفرقون كلاجئين بين الأردن وتركيا، ولكنهم تمكنوا من متابعة مراسم الدفن عن طريق الفيديو وهي أول جنازة لشخص توفي على الحدود البولندية-البلاروسية حيث قضى أكثر من 8 لاجئين سوريين على طريق الهجرة والموت بسبب التعب أو انخفاض حرارة الجسم إلى ما دون الصفر.
"محمد نفرة" شاب سوري آخر نجا بنفسه من أهوال البحر ومشاهد الموت وكان يقيم في مدينة المفرق ويدير مع أشقائه بقالية صغيرة قبل أن يفكر بالهجرة إلى أوروبا ، ومنذ أكثر من 10 أشهر تمكن الشاب ذو البنية الضعيفة أن يصل إلى اليونان وبعد أن عاش لأسابيع في أحد مخيمات اللجوء استطاع الدخول إلى ألمانيا.
رصاصة قناص
أما قصة "سمر" الأم لخمسة أطفال فتحمل في ثناياها الكثير من الإصرار والمثابرة في طريقة وصولها إلى أوروبا رفقة أطفالها الخمس وأكبرهم لم يكن قد تجاوز السادسة من عمره، فبعد أن كانت تعيش في الأردن قدمت طلب عودة إلى سوريا ومن هناك ذهبت إلى تركيا لتركب سفينة هجرة غير شرعية مع أطفالها الذين احتضنتهم بعد وفاة والدهم في مدينة حلب برصاصة قناص، وبعد رحلة محفوفة بالموت والمخاطر استطاعت الوصول إلى ألمانيا التي لم تكن تعرف عنها شيئاً، وبعد سنوات من الاعتماد على مساعدة الحكومة الألمانية "الجوب سنتر" اضطرت للعمل كمساعدة لكبار السن في مأوى للعجزة.
ويتأهب "أحمد"-اسم مستعار- للهجرة باتجاه أوروبا عبر تركيا بحراً مثله مثل مئات الألوف من السوريين في أصقاع الأرض ويقول أحمد لـ"صوت شبابي" بأنه لو استطاع إيجاد عمل قانوني أو لو تم رفع قيمة المساعدة من مفوضية الأمم المتحدة فقد يقتنع بالبقاء لكنه لم يعد قادراً على الانتظار بأمل ضعيف. ويضيف "بالنسبة للسوريين، يزداد الوضع سوءاً هنا. لا يهمني أين سينتهي بنا الأمر - ألمانيا أو السويد. فطالما أنني موجود في مكان يضمن مستقبلي ومستقبل أطفالي، فلا مانع لدي، سأذهب إلى أي مكان".
وحول حالة أحمد وغيره من الشبان اللاجئين في الأردن يقول الدكتور "مجد أبو دلو" الحاصل على بكالوريوس علم نفس عام لـ"صوت شبابي" أنه على الرغم من انصهارِ اللاجئين السوريين في المجتمع الأردني إلا أّن هناكَ الكثير منهم يسعى حثيثاً نحوَ الهجرةِ إلى الخارج عبر أي وسيلة ممكنة، وهذا يعودُ –كما يقول- إلى أسباب عدة أولها الوضع المعيشي الصعب إضافة إلى تقليل المساعدات الممنوحة من الجهات المعنية مما أدى بدورهِ إلى زيادة العِبء النفسي وأضطر الكثير من الشبان للبحث عن واقعٍ بديل ومستقبل أفضل لأنفسهم.
أرض الأحلام
إلى جانب فقدان الأمل بعد ما تعرض له السوريون منذُ عام 2011 حتى الآن من أهوالِ الحرب وفقدانِ جزئي أو كلي للمنظومة الأجتماعية من حولهم مما أدى إلى تعرض الكثير منهم لصدمة نفسية حادة أدت بهِ لفقدان أي معنىً للحياة وسلبِ أي أملٍ بالعودة. وأِّنَ شعورهم بأنهم أصبحوا وحيدين من دونِ مُعيلٍ وخاصةً بعدَ تراجعِ المساعداتِ المقدمة من قِبَلِ المنظمات الدولية، جعلَ الشعور باليأس يتسلل إلى داخلهم.
علاوة على أن أوروبا في التصور العربي هي أرض الأحلام وموطنُ الراحة ورغدِ العيش. ولفت أبو دلو إلى أن ما تقدمه وسائل الإعلام من تسويقٍ لهذهِ الفكرةَ خلقَ اعتقاداً نفسياً جازماً بأن الخلاص في السفر إلى أوروبا. وقد أثبتت الشواهد بأن هذا الاعتقاد يدفعُ بكثيرٍ من الشباب اللاجئين إلى الهجرة غير الشرعية المحفوفة بالمخاطر وقد تؤدي في نهاية المطاف إلى الهلاك.
وتشير إحصائيات لمنظمة الهجرة الدولية إلى iom أن هناك أكثر من 1800 وفاة لعام 2023 في البحر الأبيض المتوسط لأشخاص حاولوا الهجرة إلى دول أوروبا مقارنةً بعام 2022 حيثُ بلغت الوفيات 1400 شخص لقوا حتفهم على نفس الطريق.
ورأى أبو دلو أّنَ كابوس الموت سيبقى يفتك باللاجئين وبخاصة الشباب ما لم تأخذ المنظمات المعنية بزمام الأمور كأن تقوم بالعمل على زيادة الاهتمام بالجانب الرعائي على مستوى الصحة النفسية والوضع المعيشي على حدٍ سواء، كتوفير الخدمات النفسية وخاصةً في مخيمات اللجوء، ورفع مستوى المساعدات الإنسانية، وبذل المزيد من الجهود لتوفير فرصِ عملٍ لفئةِ الشباب من خلال المشاريع التنموية ومراكز التدريب، وهذا لا يكون ألا بتكاتف الجهود بينَ مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الدولية المعنية بذلك.