أطفال العربات..ضحايا الكورونا والفقر خلف العجلات الثلاث

فقر على فقر.. الكورونا ترفع عمالة الأطفال

حين بكى (محمد) شاركته حزنه و أنهيت مهمتي رفضوا مقابلتي لأهاليهم واعتذروا عن تصويرهم وسائق عربة حقق معي"كورونا" ترفع نسبة عمالة الأطفال ومنظمات المجتمع المحلي تتجاهل حقوقهم قانون حقوق الطفل على دكة الانتظار منذ 30 عاما

عمان نت ــ وليد حسني

وقف ( علي ) مذهولا خائفا وأنا أوقفه لأسأله عن عمله، ولماذا هو هنا يعمل على عربة في السوق؟ ولصالح من يعمل؟ وهل لا يزال منتظما في المدرسة أم لا..؟.

 

سألني "لماذا تسأل؟، كانت نبرة سؤاله تكشف عن خوفه مني، وحتى أهديء من خوفه وأطمئنه أخبرته باسمي وبعملي، وسألته هل تعرف القراءة، تبسم قائلا"نعم فأنا في الصف السادس"، أعطيته هويتي الصحفية، وسألني"أنت صحفي؟" قلت له" نعم "..

 

هنا شعرت بالهدوء يتسلل إلى نفسه، وفي لحظة فاصلة وجدتني وقد تحولت أمامه إلى موضوع الأسئلة وليس هو" شو بدك مني؟ الصحافة حلوه؟ كيف بتشتغل؟ بدك توديني للمتصرف؟..الخ".

 

كان يطرح أسئلته على ربما للحصول على المزيد من الأمان والإطمئنان، هنا تدخل صديق لي اصطحبته معي في جولتي الاستكشافية لخبرته في السوق ولمعرفته أكثر مني بالبيئة الوظيفية في سوق يكتظ بالتجار والأطفال العاملين وقبل ذلك بالاف الزبائن الذين يترددون على السوق يوميا..

 

قال صديقي للطفل (علي ) نحن نريد مساعدتكم ، هنا أخذ الطفل عربته جانبا وقال لي (اسألني لكن ما تصورني ولا تسجل كلامي )، شعرت لحظتها أن مهمتي قد تكون شاقة تماما وقد لا اظفر بأي إجابة على فرضيتي التي دفعتني للبحث في قضية أطفال العربات ومدى تأثرهم بجائحة كورونا، وما الذي يدفعهم للعمل المبكر، وهل يعرفون حقوقهم، وهل لا يزالون ينتظمون في دراستهم؟ وهل تهتم أية جهة بهم؟ والأهم من ذلك كله لماذا هم هنا يسوقون العربات ذات العجلات الثلاث ولا يتواجدون في مدارسهم.

 

قال (علي ) بعد ان وعدته بعدم نشر اسمه او تصويره او حتى تسجيل كلامه "أنا في الصف السادس عمري 12 سنة، والدي أصيب بجلطة ولم يعد يعمل، اضطررت لترك المدرسة اول السنة واشتريت العربة هذه بــ 75 دينار، واعمل عليها لأصرف على عائلتي".

 

" غبت عن المدرسة من يوم هذا المرض ــ نسي اسم المرض كورونا ــ وأنا في البيت معنديش نت، فكيف بدي أدرس، رحت للمدير وقلت له ما عندناش نت، وما بعرف شو منصة، طردني ومن يومها ما رجعتش للمدرسة".

 

وتابع الطفل ابن الاثني عشر عاما" أنا أشتري الخبز وبعض الحاجات للبيت، أساعد أهلي، والعربة ملكي يعني ما بدفع أجرتها والحمد لله".

 

سألته كم تتقاضى عن كل عملية نقل، قال لي دينار واحد، نقدته دينارين فرفض أخذها، هنا تدخل صديقي وقال له هذه أجرة الوقت الذي أخذناه منك، فقال "إذن آخذ دينار واحد "، وأمام إصراره احترمت رغبته ومضى.

 

هذه حالة من مئات الحالات التي تكشف عن بعض مكنون ازمة أطفال العربات الذين تغص بهم أسواق المملكة يعملون على جر العربات الصغيرة لنقل البضائع مقابل اجرة متواضعة قد لا تتجاوز الدينار الواحد.

 

أحد الأطفال الذين التقيتهم ورفض الحديث معي لا يعمل بنقل البضائع وحاجيات الزبائن وإنما يكتفي بالدرجة الأولى بجمع الكراتين الفارغة وبيعها، وبالرغم من أنه رفض حتى الوقوف معي أو الكشف عن اسمه إلا أنه قال لي وهو يجتازني ببطء بسبب أزمة السوق" إذا زبون يحتاج أنقل بضاعته بأنقلها " وغاب في الزحام وهو بالكاد يجر عربته أمامه.

 

الطفل ( فارس )  عمره 16 سنة، بدأ جسمه ضئيلا بالكاد تتوقع ان يكون في هذا العمر ، قال انه ترك المدرسة منذ سنتين حين كان في الصف السادس بسبب جائحة كورونا ومنذ ذلك الوقت يعمل في السوق.

 

وقال "أنا لا أملك هذه العربة، أقوم باستئجارها يوميا بدينار ونصف وأعمل عليها من الساعة الثامنة وحتى الساعة الرابعة، وأي خلل فيها أقوم بإصلاحه على حسابي الخاص ".

 

(فارس ) قال "أنا لست أردنيا انا لاجيء سوري نقيم هنا منذ ست سنوات وأنا من حلب جئنا للأردن لاجئين بسبب الأحداث في سوريا، ووالدي لا يعمل وأنا اكبر إخوتي، وأتولى الصرف على عائلتي أنا وأمي التي تعمل هي الأخرى، فيما والدي مقعد لا يمكنه العمل".

 

رفض( فارس ) هو الآخر تسجيل حديثه "فيديو" إلا انه لم يمانع في التقاط صورة له لكنه أبدا تخوفاته من أن يعرفه أحد، وحين طلبت منه الذهاب لمنزله للالتقاء بوالده رفض بشدة قائلا" لا يمكن..".

 

أما الطفل (محمد) فقد بدا أكثر تشددا من أي طفل قابلته، رفض في البداية الحديث معي، وبعد جهد وتدخل الصديق الذي يرافقني وافق على الحديث إلا أنه اشترط"لا تصورني.." حين سألته عن اسمه اكتفى باسمه الأول فقط رافضا الكشف عن اسم عائلته.

 

ظهر ( محمد) وكأنه يختزن في نفسه أكثر من قصة وأكثر من ألم، وتأكد ذلك لدي حين بدأ يبكي بحرارة، التزمت الصمت أمامه وأمام هيبة وألم ما هو فيه، خلته ابن مئة سنة وليس ابن 13 سنة، وظللت صامتا محاولا التهوين عليه، وجلست إلى جانبه على الأرض في زاوية من السوق في شارع فرعي.. كنا سويا كمن نبحث عمن يقطع بنا مسافة الحزن والبكاء التي سيطرت علينا، وكدت أنسى مهمتي تماما، فيما ظل صديقي الذي يرفقني صامتا لم ينطق ببنت شفة..

 

هدأ (محمد ) والتقط أنفاسه بعد نحو خمس دقائق ليقول لي أنا أسكن بعيدا، لست من هذا المكان وأحضر صباح كل يوم وأستأجر العربة بدينار ونصف وأعمل عليها حتى المساء ثم أعود للبيت ".

 

قال ( محمد ) انا سوري من حلب، ما زلت في المدرسة واتابع المنصة ولدينا في البيت انترنت ووالدي لا يعمل منذ الكورونا، وأنا جديد في العمل بالسوق فمنذ ثلاثة أشهر فقط أعمل هنا..".

 

ويضيف " حتى الآن لم يسألني احد من أين أنا، البعض من الأطفال الذين يعملون مثلي على العربات يضايقونني كوني ما زلت جديدا هنا، ليس لدي أصحاب " ويختم قائلا"الحمد لله ماشي الحال..".

 

رفض (محمد) الإجابة عن أسئلة أخرى، التزم الصمت تماما، ورفض مطلقا أخذ أجرة الوقت الذي قضيته معه، رد المال لي بيده واستأذن قائلا" راح امشي.." وغاب في زحام السوق…

9

 

ماذا فعل بي (محمد )

حين غادرني (محمد) قررت التوقف عن استكمال مهمتي، بدوت وكأنني أنسلخ من واقعي تماما، ألهذه الدرجة تبدو قصص أطفال العربات مؤلمة وحزينة تكتنفها الأسرار وتحيط بها الألغاز؟، ألهذه الدرجة يترك هؤلاء الأطفال تطحنهم الحياة دون أن يجدوا من يسأل عنهم أو يبحث لهم عن ملاذات آمنة تسمح لهم على الأقل بالتصالح مع الحياة ولو بأدنى شروط الحياة..

 

قلت لصديقي الذي رافقني" أنا اكتفيت، لم اعد احتمل كل هذا الوجع، لقد اتضحت الصورة بكل تفاصيلها، وكل طفل سألتقيه ستكون لديه قصة مشابهة، أو مأساة لا دخل له بها"..

 

غادرت المكان بعد ان غادره (محمد) وطيلة تجوالي كنت أبحث عنه، لعلي أراه او يطل من الزحام، كنت وكأنني أبحث عن إبرة في كومة قش..

 

الشهود حين يبوحون..

في الجهة الأخرى من قصة أطفال العربات ثمة من لديه روايات وقصص وتجارب كان لا بد من رصدها والاستماع اليها، هنا تبدو الصورة متطابقة الى حد كبير مع ما يقوله أطفال العربات عن أنفسهم وعن ظروفهم، ولعل أبرز ما لاحظته في لقاءاتي معهم أنهم أكبر من عمرهم بكثير، ويتصرفون بعيدا عن عقلية الأطفال ممن هم في سنهم، هنا تبدو الحياة ومعتركها قد منحتهم الكثير من التجارب والخبرات، وشدة المراس، والثقة بالنفس، والرجولة المبكرة، والملاحظة الأكثر التي سجلتها انهم جميعهم رفضوا اصطحابي لمنازلهم لمقابلة عائلاتهم، كما رفضوا توثيق أحاديثهم بالفيديو او حتى التقاط صور لهم، ربما الخوف من تداعيات النشر، وربما لأنهم لم يلتقوا صحفيا طيلة حياتهم.

 

يقول التاجر فراس ابو الراغب إن الحاجة هي التي تدفع مثل هؤلاء الأطفال للعمل، وأسهل طريقة هي استئجار العربات ونقل حاجيات المواطنين، وفي بعض الأحيان فنحن كتجار نستعين بهم لتقل بضائعنا مقابل أجرة.

 

ويعتقد ابو الراغب أن بعض الأطفال العاملين على العربات يشاغبون ويتجاوز قلة منهم الحدود، وهذا راجع لأسباب منها التربية العائلية، لكن يبقى عدد هؤلاء محدود جدا، مقابل معظم الأطفال الذين يتمتعون بسلوك سوي ويبذلون تعاونا واضحا مع الزبائن.

 

ويؤكد ابو الراغب بحكم مشاهداته في السوق ان جائحة كورونا أدت إلى ارتفاع عدد الأطفال العاملين في جر العربات لدرجة لم يعد بالإمكان إحصاء عددهم الكبير، بعضهم بحكم معرفتي بهم لا يزال يلتزم في مقاعد الدراسة، وبعضهم ترك المدرسة نهائيا منذ جائحة كورونا والتزم بالعمل في جر العربات والنقل.

 

ونفى ابو الراغب وجود اية رقابة حكومية على عمل الأطفال" لم نشاهد بالمطلق أي مسؤول او موظف زار السوق للبحث في عمالة الأطفال" مضيفا "بامكانك سؤال أي أحد من التجار وسيؤيد كلامي.. لا أحد يتابع حالات الأطفال وعملهم ".

 

وتابع، لا احد يحتضنهم او يقوم بتوجيههم او الإشراف عليهم، بعضهم ممن أعرف تتلقى عائلاتهم معونات طرود الخير والصدقات بسبب ظروف حياتهم السيئة وفقرهم، وبعضهم فقد الأب المعيل"يتامى" ، والبعض يكون والده مريض أو مصاب بعاهة مستديمة لا تسمح له بالعمل.

 

وقال" في جائحة كورونا وتحديدا من نحو سنة ارتفع عدد الأطفال من اللاجئين السوريين الذين يعملون في جر العربات إلى جانب الأطفال الأردنيين، مما أدى إلى التنافس فيما بينهم، وانخفضت العائدات المالية بسبب الجائحة وتدنى دخلهم اليومي بل إن بعضهم بالكاد يستطيع تسديد أجرة العربة المستأجرة يوميا والتي تتراوح ما بين دينار الى دينار ونصف في اليوم".

 

ولا يبتعد التاجر صقر صالحية عما قاله ابو الراغب في هذا الإتجاه، وبتشخيص يكاد يتطابق معه أكد صالحية ان السوق يكتظ بالأطفال وبالعربات المستأجرة في الوقت الذي انخفضت فيه الحركة التجارية اليومية بسبب جائحة كورونا مما انعكس وبالضرورة على مداخيل الأطفال اليومية.

 

وأشار صالحية إلى أن عدد الأطفال العاملين في جر العربات كان قليلا ومحدودا قبل جائحة كورونا التي نتج عنها ما يشبه الإنفجار في عمالة الأطفال ليرتفع عددهم بشكل كبير ومثير للتساؤلات.

ووفقا لصالحيه، فإن ارتفاع نسب الفقر والبطالة بسبب جائحة كورونا أثر كثيرا على مداخيل العائلات مما دفع بالأطفال للنزول للسوق والعمل في جر العربات باعتبارها المهنة الأسهل لهم، فبدينار يومي او دينار ونصف يستطيع استئجار عربة لمدة ثماني ساعات والعمل عليها.

 

ونفى صالحية وجود أية رقابة على عمالة الأطفال من أية جهة حكومية، قائلا" نحن كتجار في السوق نخضع أحيانا للرقابة الحكومية والتفتيش لكن أطفال العربات لا أحد يسألهم او يسأل عنهم، ولا احد يهتم بهم وبظروفهم بالرغم من أن القانون يمنع عمل الأطفال ".

 

إحدى السيدات وبعد تردد للحديث معي قالت" أنا أستعين بهؤلاء الأطفال ليساعدونني في حمل مشترياتي، وأعطيهم دينارا واحدا مقابل البقاء معي حتى انتهي من شراء كل ما أحتاجه ثم يوصلني الى بيتي".

 

سيدة أخرى ترددت هي الأخرى بالإجابة على اسئلتي بعد أن أخبرتها بأنني صحفي واتابع قضية أطفال العربات وأبرزت لها بطاقتي الصحفية قالت إنها" تختار التعامل مع الأطفال لنقل حاجياتها الى منزلها ولا تتعامل مع كبار السن من الرجال الذين يعملون في نفس المهنة، مضيفة، أن الشفقة عليهم يدفعها لهذا الأمر ".

 

وأضافت ان كورونا زادت من أعداد الأطفال العاملين في السوق وفي نقل البضائع، نافية ان تكون تعرضت لأي سلوك سيء من اي طفل تتعامل معه خاتمة بالقول"الله يعلم كيف حالة أهاليهم، واللي جبرك على المر أمرُّ منه ــ على حد قولها ــ ".

ع

 

مؤسسات المجتمع المدني المحلية

 

ولا تبدو مؤسسات المجتمع المدني المحلية تبدي أي اهتمام في هذا الجانب، ولا تبدو قضية أطفال العربات مثيرة للقلق، بما في ذلك بالطبع حقوق الطفل الأساسية التي نص عليها الدستور الأردني والشرعة الدولية.

وتكتفي هذه المؤسسات ممن يعمل في العمل الخيري بتوزيع الطرود الخيرية على العائلات ولا تبدي اهتماما بأطفال العربات بالرغم من أن معظم حالاتهم تكشف عن حالات فقر قد تكون حالات كامنة غير ظاهرة فيما يمكن وصفه "بالعائلات العفيفة ".

 

ولا تظهر ثقافة حقوق الإنسان هنا بالمطلق إلا بما يمس الوازع الديني باعتباره جزءا من عمل الخير ومن تصريف الزكاة حسب الآية القرآنية الكريمة "خذ من أموالهم صدقة تزكيهم" فيما تبقى هذه الحقوق غائبة تماما عن ثقافة المجتمع.

وفقا لرئيس إحدى الجمعيات الخيرية المحلية ــ رفض الكشف عن هويته ــ فإن عمل جمعيته ينحصر في مساعدة العائلات الفقيرة وشمولها بما يسمى"طرود الخير"، وضمن قوائم وشروط تعتمدها جمعيته، وليس لديهم أية برامج تجاه أطفال العربات.

 

المدير التنفيذي لجمعية الأمل د. محمود ابو الرز نفى بشدة ان تكون الجمعيات العاملة في لواء عين الباشا لديها أي اهتمام بعمالة الأطفال ومن بينهم أطفال العربات مؤكدا أن عدد الجمعيات في اللواء  70 جمعية كلها ليس لديها أي اهتمام بهذا القطاع، ولا يحظى أطفال العربات بأي اهتمام سواء من تلك الجمعيات أو من الحكومة.

 

وبحسب د. ابو الرز فان الجمعيات العاملة في البيئة المحلية لا تملك اية برامج او خطط او افكار او اي عمل تنظيمي من شأنه دراسة الحالة الإجتماعية والمعيشية لهؤلاء الأطفال لمساعدتهم ورعايتهم، مضيفا"هؤلاء الأطفال ليسوا في بؤرة اهتمام الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني، داعيا لبرنامج عمل مشترك لإطلاق ورشة لدراسة الحالة الإجتماعية لهؤلاء الأطفال ووضع خطط لرعايتهم وتوجيههم بما في ذلك مساعدة عائلاتهم".

 

ماذا يقول الدستور في عمل الأطفال

لم يستخدم الدستور الأردني كلمة "الأطفال " بالمطلق، وإنما استخدم كلمة "الأحداث " مرة واحد في البند (د) من الفقرة (2) من المادة (23 ) حين نص على (تعيين الشروط الخاصة بعمل النساء  والأحداث ).

 

وفيما نصت المادة (20 ) من الدستور أن (التعليم الأساسي إلزامي للأردنيين وهو مجاني في مدارس الحكومة )، إلا ان هذه الإلزامية لا تبدو محل اهتمام من قبل الحكومات سواء لجهة المراقبة او لجهة ضبط التسرب التعليمي من المدارس في المرحلة الأساسية الإلزامية والتي تستدعي وبالضرورة دراسة حالات التسرب ومعالجتها.

 

ولا نملك معلومات موثقة عن عدد حالات التسرب للأطفال من المدارس في المرحلة الأساسية خلال جائحة كورونا إلا أن المؤشرات والمشاهدات تشير إلى أرقام مرتفعة لم يتم ضبطها بسبب التعلم عن بعد وعدم الانتظام في التعليم الوجاهي بسبب الجائحة.

 

أطفال العربات والإتفاقيات الدولية

عرفت اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة ١٩٨٩ الطفل بانه (كل انسان لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره مؤكدة على ضرورة حماية الطفل من الاستغلال الاقتصادي ومن أداء أي عمل يرجح ان يكون خطرا او يمثل إعاقة لتعليمه او ضررا بصحته او بنموه البدني او العقلي او الروحي او المعنوي او الاجتماعي ).

وكان الأردن صادق على اتفاقية العمل الدولية رقم ١٣٨ وصدرت في الجريدة الرسمية بتاريخ (٦/٧/ ١٩٩٧ ) والتي تهدف للقضاء على عمل الأطفال ووضعت حدا لسن عملهم وهو سن إتمام التعليم الإلزامي مشترطة ان لا يقل السن عن خمسة عشر سنة ومنعت تشغيل الأطفال دون سن الثامنة عشرة في الأعمال التي يحتمل ان تشكل خطرا على صحتهم وسلامتهم او أخلاقهم، كما أوجبت هذه الإتفاقية على الدول المصادقة عليها التعهد باتباع سياسة وطنية ترمي للقضاء فعليا على عمل الأطفال.

 

وأوجبت الإتفاقية العربية رقم ١٨ لسنة ١٩٦٩ بشأن عمل الأحداث ان لا يتعارض عمل الأطفال مع التعليم الإلزامي وان لا يقل سن الالتحاق بالعمل عن الحد الأدنى لسن إكمال التعليم الإلزامي وان تقوم الدولة باجراء الدراسات حول اسباب عمل الأطفال فيها وان تعمل على التوعية بالأضرار المحتملة لعملهم.

 

عمل الأطفال في التشريعات الأردنية

 

اعتبر القانون المدني الأردني سن الرشد بلوغ سن الثامنة عشرة شمسيا، في حين اعتبر قانون العمل الأردني رقم ٨ لسنة ١٩٩٦ الحدث (المادة ٢) هو (كل شخص كان ذكرا او أنثى بلغ السابعة من عمره ولم يبلغ الثامنة عشرة ).

وتوافق قانون العمل الأردني مع الاتفاقية الدولية رقم ١٣٨ التي حظرت ان يكون الحد الأدنى للسن المقرر للعمل ادنى من سن إنهاء الدراسة الإلزامية التي حددها القانون بــ١٦ سنة، في حين حددتها الاتفاقية الدولية بــ 15 سنة ليتفوق قانون العمل الأردني عليها.

ه

 

التزامات الدولة القانونية

حتى هذه اللحظة فان الأردن لم يقر قانون حقوق الطفل الأردني، ولا تزال الأسباب غير واضحة تماما، هذا ما يقوله القانوني د. سيد علي الرطروط، أحد القانونيين المعنيين بقضايا حقوق الأطفال.

 

يقول د. الرطروط" إن الأردن وقع على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل سنة 1991 ومنذ تلك اللحظة أصبح الأردن طرفا مع الأمم المتحدة في حماية حقوق الطفل وأصبح ملزما بتقديم تقرير كل أربع سنوات حول تلك الحقوق ".

ويضيف د. الرطروط" المشكلة أننا منذ سنة 1991 وحتى اليوم لم نقر قانون حقوق الطفل، وعلينا الضغط على كل مفاصل الدولة لإصدار مثل هذا القانون لتحديد الجهة الحكومية التي ستتولى العناية بالطفل الأردني وحماية وصون حقوقه ".

ويؤكد د. الرطروط "إن ظاهرة أطفال العربات تثير القلق وهي قضية غائبة تماما عن وزارة العمل وفرق تفتيشها، وفي الوقت الذي لا نملك فيه أرقاما حقيقية عن عدد وحجم عمالة الأطفال في الأردن، فإن ما بين أيدينا من أرقام لا تعكس واقع هذه المشكلة ومخاطرها على الأطفال ومستقبلهم ".

 

ويضيف" ان الأرقام غير المؤكدة تشير لوجود 75 ألف طفل منخرطون في سوق العمل وبعضهم يعمل في مهن خطرة، وعمل الأطفال في العربات لنقل البضائع في الأسواق هو انتهاك لحقهم في الحياة أسوة بباقي الأطفال الآخرين، كما هو انتهاك لحقهم في التعليم ".

 

ويرفض د. الرطروط ما أسماه"حجج العائلات " التي تدفع بأطفالها للعمل المبكر قائلا" إنها حجج تنتهك حق أبنائهم في التعليم ، وانتهاك واضح لحقوقهم تحت ذرائع الفقر والحاجة والعوز، وعلى الدولة معالجة هذه الظاهرة والقضاء عليها التزاما بالدستور وبالقوانين التي تمنع عمالة الأطفال في سياق حمايتها للطفل وحقوقه من الإنتهاك ". 

 

فقر على فقر.. الكورونا ترفع عمالة الأطفال

لا يخفي المسؤولون الأردنيون المختصون توقعاتهم تجاه تأثيرات جائحة كورونا على ارتفاع نسبة عمل الأطفال، ففي تصريحات سابقة لمديرة دائرة الحد من عمالة الأطفال في وزارة العمل السيدة هيفاء درويش فان نظام التعلم عن بعد زاد من ارتفاع نسبة عمل الأطفال في المملكة.

 

ووفقا للأرقام الرسمية الأردنية فان عدد الأطفال المنخرطين في العمل بلغ 70 ألف طفل عامل منهم 45 ألف طفل يعملون في مهن خطرة وفي مخالفة واضحة لقانون العمل الأردني وللاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الأطفال التي وقعها الأردن والتزم بها.

 

وترجع الدراسات الأسباب وراء هذا الرقم المرتفع لعمل الأطفال الى انخفاض دخل الأسر، وفقا لدراسة اليونيسيف الصادرة سنة 2016 .ووفقا لآخر مسح وطني لعمال الأطفال أجري سنة 2016 فإن عمالة الأطفال من سن 7 سنوات الى 15 سنة بلغت (1,9 %)  وبعدد إجمالي بلغ 76 ألف طفل عامل.

 

ووفقا لدراسة البنك الدولي فان تأثيرات جائحة كورونا على الأردن ستضيف ما نسبته (11 % ) الى المجموع الكلي قبل كورونا لنسب الفقر والبالغة في الأردن ــ قبل الجائحة ــ ( 15,7% ــ وفقا للإحصاءات الرسمية لتصبح ــ حسب توقعات البنك الدولي ــ ( 26,7% ).

وتوقعت  دراسة لبيت العمال ارتفاع نسبة عمالة الأطفال في الأردن لتصل الى 25 %.

ويرى مدير مديرية التفتيش في وزارة العمل هيثم النجداوي في تصريحات لقناة المملكة في شهر حزيران 2021 أن نسبة عمالة الأطفال في المملكة ارتفعت بسبب جائحة كورونا وذلك لغياب الطلبة عن المدارس والتعليم الوجاهي، ثم دفع الأهل بأطفالهم للعمل.

 

هل نسدل الستارة..؟

هذه صورة مجزوءة عن واقع لشريحة من الأطفال يتركون مقاعد التعليم والدرس ويلتحقون مبكرا بسوق العمل لأسباب شتى، بعضها تحت ذريعة الحاجة، وبعضها الآخر لرفع منسوب دخل أسرهم، وربما للصرف على أنفسهم وقضاء احتياجاتهم الشخصية.

 

والصورة تكتمل حين تلتقيهم في ساحات عملهم، بعضهم يملك الجرأة الزائدة لسؤالك والبعض الآخر يرفض محادثتك لمجرد أنك تسأله"لماذا أنت هنا وليس في المدرسة"..

 

يقول أطفال التقيتهم وحاورتهم سريعا إن جائحة كورونا هي التي دفعتهم للنزول للسوق وللعمل بعد أن أصبح دخل أسرهم في الحضيض، وكأنهم يريدون القول إنهم ضحايا "جائحة كورونا هم وأسرهم " ولا يخفى ما في هذه اللهجة من إتهام للدولة التي لم تقم بمساعدة أسرهم وتأمين ادنى مقومات الحياة لها ولأبنائها في ظل جائحة لم تزل تضرب منذ اكثر من عشرين شهرا، ولا أحد يعرف إلى أين ومتى ستنتهي..

 

ولا أحد من "أطفال العربات"  يعرف أن له حقوقا، حين سألت أحدهم إن كان يعرف شيئا عن حقوقه  ضحك قائلا"إيش حقوق ؟؟"..

 

"أنجزت هذه المادة ضمن مشروع دعم حرية الإعلام الذي ينفذه مركز حماية وحرية الصحفيين بالتعاون مع (NED)"

 

أضف تعليقك