أصحاب البيت متّهمون بزيارته
تخيّل أنك عائد إلى بيتك من يوم عمل. وبيتك له تاريخ طويل في العائلة، من والدك وأجدادك، يعود إلى مئات السنين. يعترضك أمامه شخصًا يعمل لشركة حراسة خاصة، ويمنعك من الدخول. يسألك بسذاجة: لماذا لم تُعلِمنا أنك قادم ولم تنسّق معنا؟ يقول الحارس إنه يحتاج موافقة من مسؤوليه، فيطلب منك الانتظار دقائق. تصرخ في وجهه أن هذا بيتك، وتملكه العائلة، وتحتفظ بالطابو (المِلكية) بكل الأوراق الثبوتية، فيردّ، في محاولة سخيفة، إنه يحترم ذلك، ولكن آخرين لهم "طابو" قديم منذ ثلاثة آلاف سنة؟
قد يعتبر بعضٌ هذا السيناريو غير ممكن، ولا يصلح حتى لفيلم خيالي. ولكن، دعنا نرى ما حدث صبيحة يوم الثلاثاء 17 يناير/ كانون الثاني الحالي: سفير الأردن في تل أبيب جاء ليصلي في المسجد الأقصى. ومعروف أن العائلة الهاشمية ترعى المسجد وتديره. ويعمل في الحرم القدسي الشريف الذي يضم المسجد القبلي ومسجد عمر وقبة الصخرة والمتحف الإسلامي وغيره ما يزيد عن ألف موظف يتبعون وزارة الأوقاف الأردنية، ويحصلون على رواتبهم من خزينة الدولة الأردنية.
السفير غسّان المجالي يمثل أصحاب العقار الذي بناه وأداره المسلمون منذ 13 قرنا، حيث أقيم المسجد عام 705 ميلادي، ومرّت عليه عشرات الاحتلالات والاستعمارات وغيرها، وبقي بيد المسلمين. منذ الاحتلال الإسرائيلي في 1967، هناك نظام حراسة مزدوج على كل أبواب المسجد، موظف أوقاف غير مسلح وشرطي إسرائيلي مسلح. الباب الوحيد الذي لا يقف عليه حارسان باب المغاربة، حيث منعت إسرائيل عام 2000 إبّان انتفاضة الأقصى، بعد دخول شارون الحرم القدسي، حارس الأوقاف من الوجود على الباب. وتيسر، كما هو معروف، اقتحامات يومية لليهود في ساعات محددة للزيارة، رغم أن لعديدين منهم رغبة بالصلاة، وليس للزيارة السياحية المسموحة للجميع في ساعات ما بين فترات الصلاة.
عند محاولة السفير المجالي دخوله، كالمعتاد، بيته وبيت المسلمين، استوقفه الحارس الإسرائيلي المسلح، وسأله إذا كان قد جرى تنسيق بشأن زيارته، وكأنه داخل إلى مركز أمني شديد الحساسية، أو موقع استراتيجي يمنع الدخول له بدون إذن. طلب الشرطي الإسرائيلي من السفير الانتظار للحصول على موافقة من قيادته، فرفض الإذعان لطلبات المحتل، وخرج من المسجد، حيث اتصل بالخارجية الأردنية في عمّان، التي استدعت فورًا السفير الإسرائيلي لدى الأردن، وتم تقديم رسالة شديدة اللهجة عن تعدّي الإسرائيليين على مبدأ الملكية وتفاهمات ما يسمي ستاتيكو status quo، وهي تفاهمات عثمانية صيغت بشكل فرمان من السلطان عبد المجيد عام 1852، وجرى الاعتراف بها في معاهدة فرنسا ضمن البند التاسع من تلك الاتفاقية لعام 1856. وهناك سلسلة من قرارات "يونسكو" باعتبار الحرم القدسي الشريف ضمن المقدّسات التاريخية المحمية، والتي يجب عدم المساس بها.
كما كان العاهل الأردني عبد الله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عبّاس قد وقعا اتفاقا، في مارس/ آذار عام 2013، ينص على تأييد فلسطيني للرعاية الهاشمية للمقدّسات الإسلامية والمسيحية في القدس. ثم جرى التوصل إلى تفاهم أميركي إسرائيلي أردني عام 2014، برعاية وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، ينص على مبدأ أن الحرم للمسلمين للصلاة ولباقي الشعوب بالزيارة، وعلى منع تكرار الزيارة ومنع أي متطرّف من الزيارة!
ما حدث مع السفير المجالي يعكس الخطورة التي يشكلها المتطرّف وزير الأمن الداخلي لدولة الاحتلال، إيتمار بن غفير، الذي يتبنّى حزبُه ضرورة تغيير أسس التعامل مع المسجد الأقصى، إذ يرغب تغيير الإجراءات، من حيث السماح لليهود بالصلاة في ساحات المسجد الإسلامي، بزعم أنه مبني على أنقاض الهيكل اليهودي الذي دُمر عام 70 ميلادي.
ونقلت وكالة الأنباء الأردنية (بترا) عن مفتي فلسطين، الشيخ محمد أحمد حسين، قوله إن "الله قرّر من فوق سبع سماوات إسلامية هذا المسجد، وأن للمسلمين وحدهم حق الولاية عليه، حيث قال الرسول عليه السلام: لا تشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى". وأضاف المفتي أن هذه الولاية والوصاية والرعاية للمسجد الأقصى لم تنقطع أبدا حتى في أحلك الظروف.
وقد عاد السفير الأردني غسّان المجالي، بعد وقت قصير من تقديم الخارجية الأردنية الشكوى الدبلوماسية، وأدّى الصلاة مع وفد من الأوقاف الأردنية. وفي الأيام التالية، قام ممثلون عن معظم السفارات العالمية بزيارة تضامنية للأقصى، باستضافة من مجلس الأوقاف ومديرها العام الشيخ عزام الخطيب.
ما يجري في المسجد الأقصى بشكل خاص، وفي القدس بشكل عام، من اعتداء على الحجر والبشر، مسلمين ومسيحيين، يدقّ ناقوس الخطر. ولا بد من وقفة صلبة لردع كل من يحاول المساس بالحقّ التاريخي والمقدّسات. يلعب الطرف الإسرائيلي بالنار، في محاولة لتحويل احتلالها واستعمارها إلى حرب دينية، وهذا شديد الخطورة ولا يمكن السكوت عليه.
عن العربي الجديد