«إياد صقر».. أردني يقاوم اندثار حرفة تدوير «خشب الزيتون» (صور)

الرابط المختصر

لا يمكن للإنسان أن يصنّف في قائمة المبدعين ما لم يختر لنفسه مجالا رائدا، يستطيع من خلاله أن يثبت فيه قدرته على خلق حالة مجتمعية تجذب الاهتمام، خاصة عندما يكون الأمر متعلقا بحرفة يدوية، أساسها التميز ومضمونها الإتقان.

في مجتمع يُعاني من ظروف اقتصادية صعبة، قرر الأردني "إياد صقر" أن يفرض وجوده، وبأن يكون منتجا متميزا عبر أبسط الأشياء، من خلال اختياره بقايا تقليم أشجار الزيتون ليحقق بها ذلك، حيث يُعيد تدويرها؛ ليشكل منها أجمل المناظر بطريقة احترافية، تؤكد عمق الفن الكامن في داخله.

"صقر" (53 عاما)، اختار الشجرة المباركة لتكون طريقه نحو الإبداع؛ ليُحافظ على حرفة لا يُجيدها سوى قلة قليلة، أضحت على مشارف الاندثار، يُطلق عليها أصحابها "خشب الزيتون".

مشغل خاص لا تتجاوز مساحته بضعة أمتار، في منطقة القويسمة بالعاصمة عمان، يجد "صقر" نفسه بين خشب الزيتون الذي يملأ أرجاء المكان، وتغطي نشارته وجهه وشعر رأسه، ولسان حاله يقول "لولا الكفاح لما تحقق النجاح".

مراسل الأناضول زار الخمسيني الأردني في مكان عمله، واطلع على واقع حرفته، وآلية الإنتاج وطرق التصنيع، وتاريخ مهنته التي يعيش معها منذ 32 عاما.

"تعلمت بنفسي هذه الحرفة ولم يعلمني أحد"، بهذه الكلمات بدأ "صقر" حديثه وعلامات الفخر والاعتزاز تعكسها نبرة صوته، رغم أسفه الواضح عما حل بمصدر رزقه جراء إجراءات حكومية عام 2005.

يقول "بداياتي كانت بالساحة الهاشمية (وسط العاصمة)، قرب الأثار الموجودة هناك منذ عام 1989، وكان لدي 14 موظفا يعملون معي، قبل أن تقرر الحكومة إخراجنا لغايات تطوير المنطقة عام 2005".

ويتابع "يُطلق على صنعتنا خشب الزيتون، وقد كانت منتجاتها تصلنا في الماضي من بيت لحم في فلسطين، قبل أن أتعلم الصنعة من تلقاء نفسي وأتميز بها، وأضفي عليها تنويعا إنتاجيا وجماليا".

ويضيف "الحرفة في منطقتنا عمرها أكثر من 200 عاما، وهي تعد من جوانب الحفاظ على البيئة، فضلا عن الفائدة المادية، فمن خلالها تتحقق سلسلة منفعة، بدءا من المزارع الذي يريد التخلص من بقايا تقليم الشجر، ثم إلى الصانع والتاجر، وصولا إلى المستهلكين والسيّاح".

ويمضي "في البدايات، كنت أستهلك نحو 75 طنا من خشب الزيتون بشكل سنوي، والآن 2 طن فقط، الحرفة رائعة وممتازة وسوقها كبير، ولكنها على وشك الانهيار والاندثار وهي على المحك ولا يعمل بها حاليا إلا أنا وشخص آخر بالمملكة، ولكنني أحبها ولن أتركها مهما حدث".

ويزيد "أنتج من 400 إلى 500 قطعة شهريا، فأنا أستغل كل قطع الخشب لإنتاج التحف المشكلة من آيات قرآنية وأواني المطبخ وعلاقات المفاتيح ومسابح المسلمين والمسيحيين، وزينة شجرة الميلاد، وغيرها".

ويوضح "الجمل كان هو القطعة الرئيسية لممتهني هذه الحرفة، لما له من دلالات تتعلق بتاريخ المنطقة، فهو من الماشية الأبرز في منطقتنا، ووجوده كمنظر جمالي في المنازل يشير إلى بساطة الحياة التي كان يعيشها آباؤنا وأجدادنا".

ويُشير أن "صقل خشب الزيتون يحتاج إلى جهد كبير، ولدي مجموعة من الماكنات البسيطة التي تساعدني في عملية التصنيع والتشكيل، كالفريزن وهو مبرد معدل ميكانيكيا، وشلايف التي تستخدم في تهذيب الخشب، ومنشار ومخرطة ومعدات يدوية أخرى".

ويبين "زبائني بشكل عام من المغتربين والأجانب، وهم يأخذون المنتجات كهدايا وتذكار، ولكن المبيعات تراجعت بشكل كبير عما كانت عليه في السابق، لذا فإنني أسعى لتعويض ذلك من خلال الجانب التدريبي مع العديد من الجهات المختلفة".

ويلفت "أعمل لوحدي وليس لدي أي مساعدين كما كان في السابق، فالظرف لا يسمح بمزيد من التكاليف".

أما عن الأسعار، فهي تختلف وفق صقر بحسب حجم القطعة، ولكنه أكد بأنها "مقبول جدا، وتبدأ من دينار واحد (1.4 دولارا أمريكيا)، ولا تتعدى في أقصاها 15 دينار (21 دولارا)".

وتعد صناعة خشب الزيتون من الحرف القديمة التي امتهنها أهالي بلاد الشام، باعتبار أنها الشجرة الأكثر انتشارا في هذه المناطق، إذ كانت تقدم كهدايا لزوار المنطقة، إلا أنها مع تقدم الحياة وتطورها واللجوء إلى التحف المصنعة، باتت مهددة بالاندثار، وأصبح العمل بها أمرا نادرا.