طلبة اردنيون يعيدون تصنيع بواقي الصابون في صورة تحف فنية

عمّان - موسى القعايدة - مضمون جديد

في غرفة اشبه بالمطبخ، انهمكت مجموعة من الشبان في اعداد حساء كانت تنبعث منه روائح عطرية نفاذة وهو ينضج رويدا على نار هادئة.

المكونات الاساسية لهذا الحساء الذي لا يصلح مطلقا للاكل، هي بقايا قطع الصابون التي يتخلص منها الناس بعدما يصغر حجمها وتصبح غير قابلة للاستخدام، كما يوضح يزيد الصالحي، وهو احد افراد هذه المجموعة المؤلفة من طلاب في جامعة البلقاء التطبيقية فرع السلط.

وفور نضوج الحساء، وفيما هو لا يزال ساخنا، يجري سكبه في قوالب ذات اشكال فنية وهندسية، ولا يستغرق الامر سوى دقائق حتى يبرد ويصبح صلبا وصالحا للاستخدام كقطع للزينة.

وبحسب ما يبينه يزيد، فقد واتته وخمسة من زميلاته فكرة انشاء مشروع يقوم على اعادة تصنيع بقايا قطع الصابون بعد مشاركتهم في احدى الدورات التاهيلية التي تعقدها مؤسسة "انجاز" بالتعاون مع صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية والتأهيل الوظيفي ووزارة التخطيط وجهات اخرى غير حكومية.

يقول يزيد وهو مدير هذه المجموعة "انتاجنا الأساسي يرتكز على بقايا قطع الصابون التي تستخدم في المنازل والمطاعم والفنادق، والخروج بمنتج جديد يمكن استخدامه مرة اخرى كقطع زينة بأشكال وأحجام وروائح متنوعة".

وقد استقر راي المجموعة على هذا المشروع بعدما اجرت دراسة تبين لها من خلالها ان هناك كميات كبيرة جدا من بقايا الصابون التي تذهب سدى في النفايات، وبما يتضمنه ذلك من تاثيرات خطيرة جدا على البيئة.

يقول يزيد "تبين لنا من الدراسة التي اجريناها ان هناك استهلاكا بمعدلات كبيرة للصابون في المملكة، حتى اننا وجدنا ان احد الفنادق كان يستهلك يوميا 3000 قطعة صابون، وكل هذه الكميات كانت تلقى في النفايات، وكان التساؤل لدينا هو: كيف تستفيد منها ونحمي البيئة في نفس الوقت؟".

ولا يعرف على وجه الدقة حجم استهلاك الاردنيين من قطع الصابون سنويا، لكن هناك مؤشرات للاستدلال منها ان قطاع الصابون والمنظفات يحتل المرتبة 48 ضمن القطاعات الاقصادية الاعلى مساهمة في الانتاج المحلي، كما تاتي هذه المواد في مراتب متقدمة في سلم المستوردات.

وتنفق الاسرة الاردنية ما معدله 4 بالمئة من ميزانية مشترياتها السنوية على الصابون والمنظفات، والتي يبلغ انتاج العالم منها نحو 30 مليون طن سنويا وبحجم تجارة يصل الى نحو 90 مليار دولار.

ثقافة التدوير

يقول يزيد الصالحي "فكرتنا لم تكن تهدف فقط الى جنى المال من خلال بيع منتج، بل وايضا لإيصال فكرتنا الى نشر ثقافة اعادة التدوير بين الشباب والمجتمع".

ولا تزال مبادرات اعادة تدوير النفايات الصلبة متواضعة في الاردن حيث يصل حجم هذا النوع من النفايات الى نحو مليون ونصف المليون سنويا.

وقد دعت الاجندة الوطنية الاردنية الى وضع وتطبيق برامج للفرز الفعّال لأنواع النفايات الصلبة المختلفة في مرحلة الإنتاج لتسهيل معالجتها واستخدامها وتوفير الحوافز اللازمة لتشجيع عملية إعادة التدوير.

ووضعت الاجندة مؤشرات رقمية تمثل حاليا برنامج عمل الحكومة، وتتمثل في ضرورة رفع فاعلية تدوير النفايات الصلبة بحيث تصل الى 15 في المائة عام 2012 والى 25 في المائة بحلول عام 2015.وفضلا عن الجدوى الاقتصادية لعمليات اعادة تدوير النفايات، فان من شأنها الحد من تلوث البيئة وتقليل الاخطار التي تستتبع ذلك على صحة الانسان.

وفي ما يتعلق بالصابون خصوصا، فان معظم انواعه تحتوي على مواد خطرة يمكن ان يؤدي اختلاطها بالمياه والنبات الى اصابة الانسان بامراض منها خلل نمو العين عند الأطفال، وإعتام عدسة العين عند البالغين، وتهيج الجلد. كما انه يتفاعل مع النترات مكوناً مواد مسرطنة.

وبالرغم من أن تأثيرات هذه المواد معروفة لدى الجميع، إلا أنها مازالت تستخدم حتى في أشهر الماركات، لأن البدائل المناسبة مازالت باهظة الثمن او قيد البحث والدراسة.

واضافة الى ذلك، فان الصابون والمنظفات تؤدي الى صعوبات جمة في محطات تكرير مياه المجاري، وخاصة في أقسام الفصل وأحواض الترسيب، بحيث تغطي الرّغوة، في كثير من الحالات، 100% من سطوح الأحواض والأقسام المختلفة الأخرى، لدرجة تتعذر فيها متابعة العمل قبل التخلص منها.
وتعالج هذه الصعوبة إما بالرش بالماء، أو بمحاليل مانعة لتشكل الرغوة.

ولم تكن هذه المصاعب قائمة عندما كان الصابون العادي هو المنظف الأساسي السائد، لأن العسر العادي للمياه المرتبط بوجود أملاح الكالسيوم والماغنسيوم كان كافياً لترسيب جميع كميات الصابون الداخلة إلى مياه المجاري.

بداية صعبةيقول يزيد بداية عملهم في المشروع واكبتها مصاعب كثيرة، من اهمها معادلات التصنيع، اضافة الى محاولة التغلب على مشكلة عدم تقبل العديد من الاشخاص لفكرة اعطائهم بواقي الصابون في منازلهم، وهو ذات الامر الذي واجهوه عندما قصدوا بعض المطاعم والفنادق للحصول على هذه البواقي.
لكن يزيد يقول ان "إصرارنا وايماننا بالفكرة جعلنا نجمع بقدر ما اجتهدنا من بواقي الصابون".

ويوضح يزيد الية الانتاج قائلا انها "تمر اولا بفرز الصابون حسب اللون، ثم غسله ورشه وتفريغه في اناء خاص. وفي المرحلة التالية يجري مزجه وغليه مع الماء، ثم يتم إضافة الروائح العطرية والألوان، وبعدها يتم تغليف المنتج ضمن القوالب والأشكال التي أخترناها. وبعدها يصبح جاهزا للبيع ".

ويقول يزيد ان مكان العمل كان في الجامعة بادئ الامر، ثم انتقل الى مراكز انتاج في بيوتنا جميعا .

ومن جانبها، تقول نور طه مديرة التسويق والمبيعات في المجموعة ان "فكرة جمع بواقي الصابون لم تكن حتى فترة قريبة من الممارسات المقبولة لدى الكثير من الناس".

وتضيف انها مع انطلاق المشروع قامت بوضع كيس أمام منزلها وكتبت عليها عبارة "على من يمتلك بواقي صابون ان يضعها في الكيس شاكرين حسن تعاونكم معناً" بالإضافة الى الإعلانات داخل الجامعة وفي الأماكن التي يكثر فيها استخدام الصابون.

والى جانب المصاعب في جمع البواقي، فقد كانت هناك معضلة التمويل اللازم للمشروع كما تقول نور.وتوضح "في بداية الأمر كنا بحاجة الى رأس المال لكي نتمكن من شراء مستلزمات عملية الإنتاج، وما كان منا امام ذلك الا ان نشرنا فكرة الأسهم بين الزملاء والأهل والأقارب والمعارف، ليدخلوا معنا كشركاء في المشروع، الى ان وصل عدد الأسهم المشاركة 140 وبواقع دينار لكل سهم".

وتضيف أن "المستلزمات التي قمنا بشرائها كانت بسيطة كوننا لا نملك مبالغ كبيرة لشراء مستلزمات أكثر. وكان كل ما نحتاجه هو معقمات وقوالب جاهزة وبعض المواد المعطرة وأواني لفرز الصابون".

خطط طموحة

كما تشير نور الى مصاعب اخرى تتعلق بالتسويق، حيث تقول "لم يكن سهلا أن تقنع الناس بهذا المنتج، خصوصا عندما ينظر البعض الى ان بواقي الصابون التي جرى تصنيعها منه كانت مستخدمة من قبل أشخاص اخرين".

وتضيف نور "بدأنا بتسويق المنتج من مكان الى اخر، لكن لم ينجح الأمر في البداية، ثم فكرنا كفريق في التوجه نحو البازرات والأيام المفتوحة التي تقيمها المدارس والجمعيات الخيرية ليكون لنا مكان ويباع منتجنا دعما للفكرة. وقد تمكنا من بيع المنتج بواقع نصف دينار للقطعة الواحدة".

وكانت باكورة الانتاج متمثلة في نحو 200 قطعة كما تشير مديرة المبيعات في المجموعة.

وتقول نور انه في فترة لاحقة "وحتى نتمكن من تحفيز الفئة المستهدفة للمشاركة معنا في جمع بواقي الصابون التي يمتلكونها قمنا باستحداث مسابقة نقوم خلالها بمنح كل من يجمع 10 بواقي صابون كوبونا يؤهله لربح احدى اربع جوائز تصل قيمة افضلها الى 200 دينار".

ويقر يزيد ان "النجاح الذي حققة الفريق لم يكن مجديا ماديا بالطريقة التي يتصورها الفرد كون الفكرة هدفها نشر الوعي وثقافة إعادة التدوير"

ويضيف أن المجموعة بدات في ضوء ذلك "التفكير في سبل اخرى لتطوير المشروع وزيادة الأرباح وإفادة المشاركين عبر تحسين دخولهم من جهة والمحافظة على الفكرة والعمل على تطوير الشركة من جهة أخرى".

وقال ان المجموعة قامت بالفعل "بانشاء خط انتاج -شمعتي- وهو شمع معاد تدويره ويندرج تحته الالوان الشمعية المعاد تدويرها، وكذلك خط انتاج للورق المعاد تدويره من خلال الحصول على ورق الصحف القديمة والعمل على اعادة تدويرها بحيث تصبح صالحة للاستخدام مرة اخرى للكتابة عليها ويندرج تحته كذلك سلال من ورق المجلات المقوى".

ويتابع يزيد ان هناك خطا رابعا "قيد البحث والتطوير" من قبل المجموعة ويتعلق بالزجاج المعاد تدويره.

أضف تعليقك