صالات الأفراح: لا مكان لتزويج الفقراء صيفا

عمان - أميرة المرعي - مضمون جديد

تراجع فهد البالغ من العمر 26 عاما، ويعمل في إحدى الشركات الخاصة عن إقامة حفل زفافه بداية "موسم الصيف" وفضل إقامته بعد شهر رمضان أو أواخر الموسم الحالي.

عندما انتبه فهد على ما يمكن أن يوفره في محفظته لنفسه إذا ما أجل فكرة الزواج لأشهر قليلة أدرك ان الامر يستحق الانتظار.

يقول: "راجعت عددا من إدارات صالات الأفراح وكنت أمام خيارين أما التأجيل او الاستدانة، فقررت التأجيل".

يتنهد فهد ويشد على أصابعه، وهو يتذكر كيف شارك في تجهيز حفل زفاف شقيقه الأكبر قبل عدة سنوات وكيف نصبت خيمة (صيوان) كبير بالقرب من منزل أهل العريسن وجهزت بكل ما يلزم من خدمات.
"كانت الاحتفالات تبدأ يوم الاثنين وتنتهي مساء الجمعة يوم تناول الغداء تكريما لكل من شارك العائلة فرحتها" يقول.

بالنسبة الى فهد فـ "الاعراس اختفلت" في يومنا هذا حتى تلاشت معظم عاداتها، واختزل الزفاف من خمسة ايام الى ساعتين في صالة أفراح عامة.

وأجبر المواطن الاردني اليوم على التكيف مع أوضاعه المالية الصعبة والتكاليف الباهظة التي تفرضها حفل زفاف بكامل أناقتها. وساعد ظهور صالات الافراح العامة هذه المتغيرات الاجتماعية الى البروز بوضوح سريعا.

مع دخول فصل الصيف تستعد هذه الصالات لاجتذاب زبائنها من العرسان، ولأن كل صنعة لها محتاليها ظهر بين المستثمرين في هذه الصالات فئة استغلت حاجة المواطنين برفع أسعار الحجوزات نتيجة هذا الإقبال المتزايد والمتزاحم عليها.

بالنسبة الى فهد فقد كفّ عن زيارة صالات الافراح وسؤال إداراتها عن تكلفة ساعتي فرح فيها، فقد انتهى الى التأجيل، لكن ماذا عن "علي" صاحب الحاجة الذي يريد ان يتزوج مهما كلفه الأمر.
"علي" يريد ان يقيم حفل زفافه قبل شهر رمضان المبارك ويريده أن يكون في نهاية الاسبوع لا في بداية الأسبوع أو منتصفه، كما تسمح حجوزات الصالات. فما العمل وكل الصالات محجوزة.

يقول: عادات أهلي لا تسمح بان احدد موعد الزفاف في منتصف الاسبوع، ولا بد من إقامته في نهايته. وإدارات صالات الأفراح تدرك هذا جيدا من هنا جاءت تسعيرة بداية او منتصف الاسبوع مختلفة عن نهايته، اما عن فارق السعر فكبير.

لكن ليس كل الناس فهد وعلي.. هناك أم سامر التي تتباهى بأنها اقامت حفل زفاف ابنها في إحدى القاعات المعروفة (خمس نجوم) التي تتميز بخدماتها المتميزة عن صالات الأفراح العادية رغم الكلفة الباهظة.

تقول: تختلف كلف قاعات الأفراح من مكان إلى آخر، وقد تصل أضعاف سعر صالات الأفراح العادية المقتصرة على خدمات معينة، فكلما كانت التجهيزات من كوشة والطاولات والورود والتصوير اكثر تميزا وجودة كانت التكلفة أعلى، وإضافة الى عدد المدعوين وغيرها من التفاصيل.

ماكينة الافراح بأقصى طاقتها شرقا وغربا

في عمان صيفا تعمل ماكينة الافراح بأقصى طاقتها. يدرك اصحاب هذا الاستثمار ان موسمهم دخل وعليهم استغلاله حتى اخر قطرة.

يقول أحمد الخطيب مدير قاعة احتفالات في عمان الغربية: الصيف فصل التزاحم علينا ونتيجة لذلك يتحكم البعض بالأسعار.

ووفق الخطيب فان كلفة الحفل في اغلب صالات وقاعات الأفراح تبلغ بين 1000-3000 للحجز كحد أدنى, لكن كلما كان عدد المدعوين أكبر كان السعر أعلى، استنادا الى الرقم 300 شخص فما فوق.
كما أن نوع الخدمات المقدمة من زفة, وألعاب نارية, ومطرب للحفل وديكورات وغيرها له سعره ايضا ويضاف الى مبلغ الحجز.

ويضيف الخطيب: الأسعار في مثل هذه الصالات وفي مثل هذا الموسم تختلف وبفارق كبير, كما تختلف أسعار الحجوزات في نهاية الأسبوع عن بدايته مع إن الخدمات المضافة هي نفسها في كلا الليلتين.

لكن الرقم الذي قدمه الخطيب كان يتعلق بعمان الغربية.. فقراء الشرقية لن يعجبهم هذا، من أجل ذلك، فإن تقديرات مجموعة من مديري قاعات وصالات الاحتفالات في عمان الشرقية عن سعر الزفاف في الصالة يتراوح كلفته في اغلب هذه الصالات بين 1500-600دينار.

بديهي انه كلما زاد عدد المدعوين عن 300 شخص زاد المبلغ المترتب على صاحب الحجز، اضافة الى نوعية الخدمات المقدمة من زفة والعاب نارية وفيديو وغيرها التي تعتبر سعر جديد يضاف على مبلغ الحجز. وإذا كانت الاسعار تتباين بين اول الاسبوع وآخره فمن المنطقي ان تتباين وبفارق شاسع بين فصلي الصيف والشتاء.

ولا تخضع هذه الاسعار الى اي مراقبة من قبل الدولة فالسوق يحكم نفسه بنفسه، تبعا لفلسفة العرض والطلب.

يقول عماد أبو صقره الخبير الاقتصادي والتسويقي في حديث لـ "مضمون جديد" ان الشباب المقبل على الزواج يتعرض للاستغلال من قبل مالكي صالات الأفراح، ومن أجل ثراء ببعض أصحابها يستدين

ويرهق نفسه في مظهر يعبر عن ثقافة استهلاكية استعراضية لا تخلو من فجوة اجتماعية، مشيرا الى ان الثقافة الاستهلاكية تعاقب صاحبها دائما.

بالنسبة الى الخبير التسويقي، فان ما يجري يدور كله في إطار مرض اجتماعي, يستغله أصحاب الصالات جيدا، لأنهم يدركون ان الشاب الراغب في الزواج فريسة يمكن ان تكون سهلة ان كان يعاني من مرض الثقافة الاستهلاكية.

وبكثير من البساطة يعرض ابو صقرة الحل. "صيوان" يستأجر العريس ويجهزه في كل ما لذ وطاب ويديره هو وأفراد عائلته وانتهى الامر.

يقول: بهذه الطريقة تكون العائلة قد حافظت على العادات والتقاليد وانسجمت مع مظاهر العصر الحالين مبتعدة عن استغلال نفسها بنفسها، بعد ان غابت الدولة عن ادارة السوق.

حماية المستهلك

غياب الدولة عن ادارة السوق تماما ما تحدث عنه ماهر الحجات المتحدث الإعلامي لجمعية حماية المستهلك لـ "مضمون جديد" عندما قال: اعتدنا على الدوام المطالبة بان يكون هناك مرجعية حكومية مستقلة تدافع عن مصالح المستهلكين أسوة بغرف ألتجاره والصناعة التي تدافع عن التجار والصناع.

ويضيف، قد يستغرب البعض مثل هذه المؤسسة، لكن من يستغرب عليه ان يسأل نفسه: لماذا هناك مؤسسات تحمي التاجر بينما لا توجد مؤسسات تحمي المستهلك؟

ويشير الى ان الجمعية عبرت في اكثر من مرة عن استهجانها لاختلاف الأسعار من وقت لأخر في الصالات، مشيرا الى ان سبب ارتفاع أسعار الصالات في فصل الصيف أو بما يسمى بالموسم إلى غياب الرقابة.

كما تستهجن الجمعية غياب التشريعات والقوانين الناظمة لعمل هذه الجهات. يقول الحجات: يعود ذلك إلى اعتماد السوق على فلسفة اقتصاد السوق الحر الذي يتيح لصاحب العلاقة أو السلع وضع السعر الذي يراه مناسبا من وجهة نظرهم مع تناسيهم إن هناك شي اسمه فلسفة اقتصاد السوق الحر ببعده الاجتماعي الذي من المفروض إن يحافظ على المستهلكين عن طريق جهة حكومية.

واضاف وجود هيئة مستقلة لحماية المستهلك مع وجود قانون لحماية المستهلك سيعمل على حماية المستهلك الأردني من جميع أنواع الاحتكارات وارتفاعات الأسعار غير المبررة سواء من التجار أو الصناع أو أصحاب الصالات والملاحم والمولاة وغيرها الكثير.

هل ما يعنيه قول الحجات من اعتماد الدولة الاردنية على فلسفة السوق الحر انه لا حلول لمعالجة الاسعار المستغلة حاجات الناس؟

جمعية العفاف الخيرية التطوعية تطرح العديد من الحلول. يقول مفيد سرحان مدير الجمعية لـ "مضمون جديد": غن أجرة صالات الأفراح وارتفاعها واحدة من أسباب ارتفاع تكاليف الزواج، لكنها هي ليست الوحيدة، فهناك ارتفاع المهور وحفلات الخطبة والزواج والولائم وأثاث المنزل وغيرها من متطلبات، مما ساهم في عزوف الشاب عن الزواج، مما يستدعي ضرورة إعادة النظر في جميع هذه التكاليف، والعمل على تقليلها بما يتناسب مع متوسط دخل الشريحة العظمى من الشباب.

ويضيف سرحان: ينبغي البحث عن بدائل لكثير من الأمور ومنها صالات الأفراح المرتفعة التكاليف، ومنها أن تخصص الدولة أماكن لإقامة المناسبات بتكاليف متوسطة، وبما يتناسب مع الدخل بحيث تتوزع مثل إن يساهم الخيرون في ذلك.

كما يمكن إقامة سرادق أو صيوان كبير أو أكثر في بعض المناطق في فصل الصيف، الذي تكثر فيها مناسبات الزواج. لكن هذا يتطلب تغيير نظرة المجتمع والعرسان والعرائس، وعدم المبالغة في التركيز على الشكليات والمظاهر.

وأشار سرحان الى ان الجمعية قدمت نموذج حفل الزفاف الجماعي، ليكون وسيلة عملية لتقليل تكاليف الزواج، حيث يشارك عشرات العرسان والعرائس في حفل واحد، مما يقلل التكاليف ويساهم في تغيير الكثير من العادات الاجتماعية نحو الأفضل هذه الأماكن في جميع المحافظات، وكذلك الاستفادة من مقار الجمعيات والدواوين العائلية والعشائرية، بحث يتم إرفاق صالة للمناسبات في العديد منها، بحيث تقدم لأبناء العائلة أو الحي بأجرة رمزية.
..
اذن هناك حلول.. وفي اية حال السوق لا يفرض على الناس السلع، بل يستغل التجار مرضا في الناس ويبيعونهم في اكثر الاحيان أوهاما.

أضف تعليقك