خلط البنزين .. ارباح طائلة للمحطات ودمار لسيارات المواطنين

عمّان - طارق الدعجة - مضمون جديد

فتح الفارق السعري الكبير بين صنفي البنزين المعتمدين في الاردن، شهية بعض محطات الوقود التي استمرأت خلطهما بهدف التربح، غير عابئة بسيارات المواطنين التي تتعرض لاضرار جسيمة جراء هذا "الغش".

ويصل فارق السعر بين صنفي البنزين، (اوكتان 90) و(اوكتان 95)، الى ستة دنانير في الصفيحة الواحدة، حيث تباع صفيحة النوع الاول بـ14 دينارا والثاني بـ20 دينارا.

وقد تخلقت هذه الهوة السعرية بفعل قرارات اصدرتها الحكومة في اطار مساعيها لتقليص العجز القياسي في الموازنة التي يذهب معظمها لسداد فاتورة الطاقة.

فبهدف زيادة تحصيلاتها، عمدت الحكومة الى رفع سعر بنزين 95 الذي يستخدمه اصحاب السيارات الحديثة الى 20 دينارا، في حين ابقت على سعر بنزين 90 عند مستوى 12 دينارا و40 قرشا، وهو الذي تستخدمه الاغلبية الساحقة من سيارات المواطنين العاديين.

وتقول الحكومة ان بنزين 90 يباع للمواطنين باقل من سعره الحقيقي، وانها تدعم اسعاره. ولكن نسبة هذا الدعم ظلت على الدوام عصية على فهم الخبراء ناهيك عن المواطن البسيط.
واثر رفع سعر بنزين 95، تحول اكثر من 80 بالمئة من اصحاب السيارات الحديثة الى بنزين 90.
وقد رأت الحكومة ان هذا التحول قد افرغ قرار رفع بنزين 95 من مقاصده، فقررت بالتالي رفع سعر بنزين 90 ليصل الى 14 دينارا للصفيحة.

الامر الواقع

وفي الوقت الذي تؤكد دراسات واستطلاعات ان نسبة كبيرة من اصحاب السيارات الحديثة قد تحولت بالفعل الى صنف 90، الا ان نسبة لا بأس بها ظلت تتعامل مكرهة مع الصنف 95.

ومن هؤلاء محمد خالد، الذي يقول ان بنزين 90 لا يناسب مواصفات سيارته، ومن شأنه ان يتسبب لمحركها باضرار جسيمة.

وعلى ما يبدو، فان قبول محمد بالامر الواقع لم يعفه من الوقوع في المحذور، حيث تعرض محرك سيارته الى اضرار بالغة اثر احتيال احدى محطات الوقود عليه عبر بيعه بنزين 95 مخلوطا مع صنف 90.
ويبلغ عدد محطات الوقود في المملكة قرابة 432 محطة موزعة في مختلف المحافظات.

ويروي محمد الذي يعمل في القطاع الخاص ما حصل معه قائلا "بعد نحو ساعتين من مغادرتي لاحدى محطات الوقود حيث زودت سيارتي منها ببنزين اوكتان 95، راحت تصدر من محركها اصوات غير مالوفة، ولم يطل الامر حتى توقف المحرك تماما عن العمل".
وفي محل الصيانة الذي نقل اليه السيارة بالونش، ابلغه الفني ان سبب تعطل المحرك هو البنزين المخلوط.

ورغم ان محمد كان حريصا على متابعة عامل المحطة بنفسه للتاكد من تعبئته السيارة من مضخة اوكتان 95، الا انه يقول ان الدرس الذي تعلمه الان، هو انه ليس بالضرورة ان تكون اللافتة الموضوعة على المضخة وتبين صنفه مطابقة للحقيقة.

وقد ناشد محمد، الذي تكبد اجرة تصليح لمحرك سيارته وصلت الى 200 دينار، الجهات الحكومية المعنية تشديد الرقابة على محطات الوقود وايقاع عقوبات رادعة بحق من تثبت ممارستها لهذا النوع من الغش والاستغلال للمواطنين.
ومن جهته، فقد ضم العشريني بلال صالح صوته الى محمد في الدعوة الى تشديد الرقابة على المحطات بعدما وقع هو الاخر ضحية لاحتيال مماثل.

ويروي صالح قصة تعطل سيارته في احدى شواع عمان قائلا "ذات يقوم قمت بتعبئة سيارتي من احدى محطات تزويد الوقود ببنزين صنف 95 وبعد بضع ساعات فوجئت باختلاف في صوت محركها ثم لم يلبث ان تعطل".
ويبين صالح انه بسبب تزويد سيارته ببنزين مغشوش تحمل كلف صيانة تجاوزت قيمتها 500 دينار.

وكما يؤكد عمر مخلد، وهو فني مختص بصيانة السيارات الحديثة، فان استخدام البنزين المخلوط من شأنه ان يتسبب باعطال للمحركات المصممة للعمل ببنزين 95.

ويقول مخلد ان صاحب السيارة الحديثة التي تزود ببنزين مخلوط، سيلحظ ارتفاعا في صوت محركها وصدور اصوات غير مالوفة منه اضافة الى ضعف عزمه اثناء القيادة، وفي احيان كثيرة تتوقف السيارة عن العمل بعد وقت قصير من ظهور هذه المؤشرات.

غش واضح

وعلى صعيده، يصف فهد الفايز نقيب أصحاب محطات المحروقات والتوزيع عملية خلط البنزين في بعض المحطات بانها "غش واضح"، ويحمل بالدرجة الاولى العاملين في تلك المحطات وليس اصحابها المسؤولية عن هذه الممارسة.

ويقول الفايز ان "خلط نوعي البنزين 90 و 95 يعتبر مخالفا للقانون لان ما ينتج عن عملية الخلط هو نوعية بنزين غير مطابقة للمواصفات والمقاييس الاردنية، فضلا عن ان هذه العملية هي غش واضج".

ويضيف ان "الفارق السعري الكبير بين نوعي البنزين والذي يصل الى 6 دنانير في الصفيحة الواحدة، يغري عاملين في بعض محطات المحروقات بخلطهما بهدف تحقيق أرباح طائلة".

ويؤكد الفايز أن "تعليمات وزارة الطاقة والثروة المعدنية تنص في مثل هذه الحالات على عقوبة تصل إلى إغلاق المحطة مدة 60 يوما وحرمانها من التزود بالمادة المتلاعب بها لمدة 90 يوما في حال تم ضبط الحالة لأول مرة".

وبتابع قائلا ان "تكرار التلاعب يؤدي إلى ايقاع عقوبة تصل إلى اغلاق المحطة من ثلاثة إلى أربعة اشهر وحرمانها من المادة المتلاعب بها مدة تصل إلى ستة اشهر".
ويعتبر نقيب اصحاب محطات المحروقات ان "تعرض أي محطة لعقوبات من شأنه ان يؤثر على سمعتها ويقلص تعامل المواطنين معها".
ودعا الفايز اصحاب المحطات الى "ضرورة تشديد الرقابة الداخلية على العاملين في محطاتهم للحفاظ على سمعتها"

ومن جانبها ايضا، فقد دعت الجمعية الوطنية لحماية المستهلك الجهات الحكومية المعنية الى تشديد الرقابة على محطات بيع الوقود، للحد من الاستغلال الذي تمارسه بعضها للمواطنين عبر عمليات خلط البنزين.

وقال رئيس الجمعية محمد عبيدات ان لجوء بعض المحطات الى خلط البنزين 90و 95، يشكل استغلالا واضحا لأبسط حقوق المواطنين في الحصول على السلع التي يريدونها، ومن شأنه ان يوقع اضرارا بالمركبات ويحمل المواطنين كلفا مالية لاجراء عمليات صيانة لمركباتهم".

جولات رقابية

وكما تؤكد المؤسسة العامة للمواصفات والمقاييس، فقد تمكنت من ضبط عدد من المحطات وهي تبيع البنزين المخلوط، وذلك خلال الجولات الميدانية الدورية والعشوائية التي تقوم بها فرق المؤسسة المنتشرة في انحاء المملكة.

وقال مدير المؤسسة حيدر الزبن ان مؤسسته "ضبطت خلال الفترة الماضية عدة حالات من الغش والتضليل في نوعية البنزين المباع للمواطنين، من حيث خلط بنزين اوكتان 95 مع بنزين اوكتان 90".

واوضح الزبن ان المؤسسة "تقوم باستخدام احدث الأساليب المتبعة في العالم للكشف عن حالات الغش في البنزين، وكذلك حالات الغش في مادتي السولار والكاز، وذلك من خلال كواشف خاصة لكل منها".
واضاف ان هناك ايضا كواشف اخرى مستخدمة لضبط عمليات خلط بعض انواع الوقود بالماء.

وقال الزبن ان المؤسسة هي الجهة الوحيدة في المملكة المخولة باستخدام هذه الكواشف، وانها بادرت الى دراسة وتعديل القاعدة الفنية الخاصة بالبترول ومشتقاته عبر إضافة متطلب يوجب إضافة مادة كاشفة لعمليات خلط بنزين 95 و90،
واضاف ان القاعدة الفنية المعدلة اصبحت الزامية وسارية اعتبارا من آذار 2008.

وبين ان نتيجة الفحص باستخدام الكواشف التي باتت معتمدة تظهر للعين المجردة خلال دقيقة، وبامكانها كشف عمليات الخلط حتى ولو كانت بنسب ضئيلة جدا.

واوضح الزبن ان "فرق المؤسسة تقوم بجولات الرقابة الميدانية الدورية والعشوائية على المحطات لضبط أي حالة من حالات التلاعب والغش ويتم إصدار الحكم بنفس موقع المحطة".

أضف تعليقك